تكريم الفنان بوجمعة أزحاف، أحد رواد الأغنية الأمازيغية، اعترافا بمجهوداته وعطاءاته في الميدان الفني والإبداعي اختتمت مساء يوم السبت الماضي بمدينة الحسيمة، أشغال ملتقى الريف الثالث حول الثقافة الأمازيغية، الذي نظمته على مدى يومين «جمعية ثفسوين للمسرح الأمازيغي» و»مؤسسة تيفاوبن بلاهاي». وتميز هذا اللقاء، المنظم تحت شعار «الفكر الأمازيغي وسؤال الإبداع» والذي شارك فيه ثلة من الأساتذة الباحثين والشعراء وفعاليات مدنية وحقوقية، بتكريم الفنان بوجمعة أزحاف، أحد رواد الأغنية الأمازيغية، اعترافا بمجهوداته وعطاءاته في الميدان الفني والإبداعي. وتم خلال هذا الحفل التكريمي تقديم شهادات حول مسار الفنان أزحاف الذي كان من مؤسسي «مجموعة تواتون» التي ابتدأت مسارها الفني في السبعينيات والتي تعتبر من أقدم الفرق بمنطقة الريف التي ساهمت في تطوير الأغنية الأمازيغية. وخلال هذا التكريم ،ساهمت مليكة مزان (أزيلال) وأحمدالزياني (الناظور/هولندا) ومحمد أغشبون (الحسيمة/هولندا) بقراءات شعرية، كما تم تقديم جائزة تقديرية من قبل اللجنة المنظمة للفنان بوجمعة. وعرف هذا اللقاء توقيع مجموعة من الإصدارات للشاعرة مليكة مزان منها «جنيف التيه الأخير» و»لولا أني أسامح هذا العالم» و»ولو.. يكتمل فيك منفاي» و»حين وعدنا الموتى بزهرنا» و»متمردا يمر نهدك من هنا». وأبرز المشاركون في هذا الملتقى أن من خصوصيات الثقافة الوطنية التنوع والانفتاح على مختلف روافد الثقافة والحضارة الإنسانية التي ترتكز على مبادئ الحفاظ على مقومات الهوية الوطنية وصيانة التراث الثقافي وتثمينه. وأجمعوا أن هذا الملتقى يروم المساهمة بأفكار جديدة من شأنها بلورة رؤية متقدمة للإبداع الأمازيغي المتجلي على الخصوص في القصة والشعر ودعم الكتاب والفنانين الأمازيغيين، وتعزيز العمل المشترك بين الجمعيات والمبدعين, وكذا تكريم رجال ونساء الفن الأمازيغي.وللإشارة، فقد تضمن برنامج هذا الملتقى مجموعة من المواضيع تمحورت حول «تمظهرات الفكر الأمازيغي من خلال الشعر» و»فلسفة الفكر والثقافة الأمازيغيين من خلال القصة والرواية والحكاية» و»المسرح الأمازيغي بين ثنائية النضال والإبداع» هذا، وقد عرفت الجلسة الإفتتاحية لهذا الملتقى، إلقاء عدة كلمات، منها كلمة محمود بلحاج، عن جمعية تيفاوين بهولندا، الذي، أكد فيها، أن تنظيم هذا اللقاء، يهدف الى دعم العمل الامازيغي، من اجل تطويره و السير به الى الامام، وفي نفس الإطار، قال محمد بنيوسف ،عن جمعية تفسوين للمسرح الامازيغي، أن ما يميز هذا النشاط هو تكريم المناضل الكبير و الفنان الملتزم بوجمعة ازحاف متمنيا ان يصبح هذا النشاط تقليدا سنويا. كما أكد ممثلو كل من المندوبية الاقليمة لوزارة الثقافة والمجلس البلدي لمدينة الحسيمة ومجلس جهة تازةالحسيمة تاونات الذين على دعمهم للانشطة التي تهدف الى ابراز الثقافة الامازيغية، متمنين في الوقت نفسه الالتفاتة التي حظي بها الفنان بوجمعة بتكريمه في اللقاء. وفيم يلي نص الإطار الفكري لهذا الملتقى. يعتبر الأدب بكل أنواعه وفروعه (الشعر، القصة، الرواية، الحكاية، الأمثلة الشعبية..) سواء المكتوب أو الشفهي، مرآة المجتمع، حيث أن تطور الإنتاج الأدبي والفني يعبر في العمق على مدى تطور ونمو مجتمع ما. كما تعتبر الثقافة المغربية عموما، والثقافة الأمازيغية خاصة، من أقدم الثقافات البشرية في حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث يتميز المجتمع المغربي؛ عبر التاريخ، بالتنوع والتعدد اللغوي والثقافي والعرقي. حيث يعيش الأمازيغ (السكان الأصليون للمغرب) واليهود والعرب على سبيل المثال مند قرون في سلام وتآخي كبيرين. إن التاريخ العريق الذي قطعه الفن والأدب الأمازيغيين، كان يحمل كثيرا من الأصداء والتأثير في مسيرة الأدب العالمي، ولاشك أن المميزات الأساسية لهذا الأدب كانت في كل عصر تكتسب ملامح جديدة ومتنوعة. لقد احتل الكتاب والمفكرون الأمازيغون، قديما وحديثا، مواقع الصدارة على مستوى الإنتاج والإبداع العالمي، فعلى سبيل المثال: يعتبر القديس أوغستين الأمازيغي الأصل، من بين أهم المراجع الدينية لدى الكنسية الكاثوليكية في الإمبراطورية الرومانية القديمة، وتأثيره الكبير في الفكر المسيحي مازال مستمر إلى يومنا هذا. كما يعتبر الكاتب الروائي الأمازيغي ابوليوس صاحب رواية «الحمار الذهبي» المترجمة إلى عدة لغات عالمية؛ منها اللغة الهولندية، من ابرز الروائيين في العصر القديم. ويعتبر كذلك العالم الاجتماعي المعروف ابن خلدون صاحب كتاب «المقدمة» المترجم أيضا إلى العديد من اللغات من بين ابرز المؤسسين لعلم الاجتماع . هذا في ما تشير بعض الأبحاث التاريخية والأركيولوجيا أن الشعب الأمازيغ عرف قبل 3000 سنة قبل الميلاد أدبا رفيعا، وكتبوا بالغتهم الأصلية تامزيغت إلى جانب اللغات الأجنبية. وفي الوقت الراهن، يمكن لنا الإشارة بعجالة إلى الفيلسوف الأمازيغي الأصل محمد أركون (المقيم بفرنسا)، دون نسيان الكاتب والروائي الراحل محمد شكري صاحب كتاب «الخبز الحافي» الذي ترجم إلى أزيد من 17 لغة، وكذلك الكاتب الروائي الهولندي الأمازيغي الأصل عبد القادر بنعلي الحائز على عدة جوائز وطنية ودولية في مجال كتابة الرواية، وغيرهم من الكتاب والمبدعون الأمازيغ الذين لا يقلون أهمية من الكتاب الذين ذكرناهم. لكن ما يلفت نظرنا في المجال الثقافي والأدبي بالمغرب وكذلك في صفوف المهاجرين المغاربة بالخارج، بروز نخبة جديدة من الكتاب الأمازيغ الذين لا يتميزون بصغر سنهم (أعمارهم) فقط ولكن أيضا بنوعية الكتابة التي يكتبونها والمواضيع التي يبدعون فيها ، خاصة في سياق الظروف والمناخ الدولي السائد في الوقت الحاضر، حيث تتزايد إعمال الإرهاب والتطرف في مختلف دول العالم يوم بعد يوم ، وتنتشر ثقافة الكراهية والعنصرية بشكل واسع وخطير، حيث أن ظاهرة التشدد والتطرف هي في العمق ظاهرة عالمية تتجاوز حدود الجغرافية والدين والثقافية والعرق، وبالتالي ليست حكر على ثقافة معينة أو دين معين أو شعب محدد. وفي سياق هذه الظروف، تعتبر مسالة دعم الأدب الأمازيغي، وخاصة الأدب التقدمي، في غاية الأهمية، هذا إذا عرفنا أن معظم الانتاجات الأدبية الأمازيغية تتناول قضايا العصر من قبيل: الديمقراطية، حقوق الإنسان، العلمانية، الحرية، التعايش، التعدد، الاختلاف، المساواة المواطنة وغيرها من قضايا العصر. لذا فان انعقاد هذا الملتقى في الوقت الراهن بالذات يتخذ أهمية خاصة في جدلية الصراع القائم بين تيار التجديد والحداثة والانفتاح و تيار التشدد والانغلاق.