تراهن جبهة البوليساريو الانفصالية في الظرفية الحالية على تحديين أساسيين، داخليا وخارجيا، لمواجهة ما تتخبط فيه من مشاكل وشبه عزلة وخواء أجندتها الاجتماعية. ما يؤكد الفراغ القاتم والمأزق الذي تعيشه قيادة البوليساريو تعكسه الاجتماعات الرسمية لهذه القيادة. ففي اجتماع أخير لما يسمى مجلس الوزراء لم تجد جماعة عبد العزيز المراكشي سوى تكرار أسطوانة تتناول مسألة حقوق الإنسان في أقاليم الصحراء، فيما يضرب الصمت عن الانتهاكات التي تمارس في المخيمات من طرف عناصر البوليساريو وضباط جزائريين. وأولى «مجلس الوزراء» اهتماما ل « الجامعة الصيفية للأطر الصحراوية «المنظمة هذا الصيف بولاية بومرداس الجزائرية. وقد خص محمد عبد العزيز القيادة الجزائرية بالشكر والمديح على رعايتها هذا الحدث وعلى حسن الضيافة والكرم الحاتمي الذي خصت به أطر البوليساريو والمشاركين. وتقول الأخبار الواردة من الجزائر أن ما يسمى بالجامعة الصيفية كانت بمثابة موعد احتفالي ومتنفسا لنسيان قساوة العيش في مخيمات تندوف. ووصف متتبعون أن ميزانية تغطية هذا الحدث كانت ضخمة وعلى حساب أطفال وشباب الجزائر... ولأن قيادة البوليساريو ليس لديها ما تقدمه اجتماعيا، فقد أجلت التطرق لموضوع الدخول الاجتماعي لسنة 2010-2011، إلى موعد لاحق، كما جاء في بلاغ «الاجتماع الوزاري». داخليا دائما، عاكست قيادة البوليساريو آمال فعاليات صحراوية تنشد التغيير، وذلك بإعلان تأجيل عقد المؤتمر الثالث عشر ل»الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» قبل نهاية السنة المقبلة (2011). وبخصوص هذا التأجيل اعتبر معارضون ينتمون لحركة «خط الشهيد» أن تأجيل المؤتمر يؤكد نوايا القيادة التي تصر على الاستمرار في تقلد الزعامة. ويذكر، أن الموعد القانوني للمؤتمر كان ينبغي ألا يتجاوز شهر أكتوبر المقبل، وانعقاده في هذا الموعد كان ضروريا، حسب المنتقدين لتأجيله، كما تفرضه «الظروف الموضوعية والذاتية» حسب هؤلاء. ويرى المعارضون أن قيادة عبد العزيز المراكشي تسعى إلى ربح الوقت في محاولة لتشتيت المعارضين الذين يتزايد عددهم، وقد أضيف مؤخرا معارض من العيار الثقيل إسمه مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، المفتش العام لشرطة البوليساريو. وتنتقد الفعاليات المعارضة للبوليساريو، من داخل المخيمات ومن خارجها، ممارسات القيادة الحالية للبوليساريو، بسبب الفساد الذي أصبح ميزتها الأساسية، ولأنها لم تقدم للصحراويين في مخيمات تندوف أي شيء يذكر بعد 19 سنة من اللاحرب واللاسلم. خارجيا، أصبح هم قيادة البوليساريو، المصرة على الدوران في حلقة مفرغة، هو السعي وراء الضغط على حكومة ثباتيرو بهدف التأثير في مواقفها. ومعلوم أن البوليساريو والجزائر لم يخفيا بشكل علني انحياز إسبانيا وفرنسا للموقف المغربي المتعلق بالحكم الذاتي الموسع ودعمه في المحافل الدولية. وفي آخر تصريح له حول موضوع الصحراء، في ضوء مباحثات أجراها مع نظيره الفرنسي، أبرز وزير الخارجية الإسباني أن إسبانيا وفرنسا تتقاسمان نفس الرؤية بخصوص النزاع حول الصحراء. وفي ختام لقائه مؤخرا مع نظيره برنار كوشنير، جدد موراتينوس موقف حكومة بلده، التي ترافع لفائدة التوصل إلى حل عادل ونهائي ودائم لقضية الصحراء في إطار مفاوضات تحت إشراف الأممالمتحدة. إن مواقف التأييد والتشجيع التي ما فتئ المغرب يكسبها داخل أوساط أوربية جعلت الآلة الجزائرية تتحرك لتمويل وتأطير وتوجيه أنشطة معادية للقضية المغربية بتنسيق مع الانفصاليين. وفي هذا السياق تدخل الاحتجاجات الأخيرة في العيون التي تورط فيها إسبان وآخرون من جنسيات أخرى . والهدف من هذه الحركة المحدودة، التي تصدى لها الصحراويون بسرعة وبقوة، لا تخرج عن محاولات الضغط على دول معينة، والتشهير بما تعرفه حقوق الإنسان في الصحراء من انتهاكات، وكأن الحياة في مخيمات تندوف الجزائرية ترفل بالحرية والعيش الكريم، وهي التي تعيش عمليا القهر والجوع والتقتيل. إلى جانب ما ذكر، تخيب آمال البوليساريو والجزائر معا لدى سماعهما موقف المغرب وملك المغرب. فإلى اليوم ما زال الانفصاليون لم يستسيغوا ما جاء في خطاب ثورة الملك والشعب وخطاب العرش. لقد أكد الملك في خطاب العرش الأخير على تشبث المغرب بضرورة إيجاد حل نهائي لقضية الصحراء في نطاق منظمة الأممالمتحدة، واستعداد لمواصلة دعم جهود المنظمة الأممية، وأمينها العام، ومبعوثه الشخصي. وأكد خطاب العرش الذي أزعج الانفصاليين أن المغرب «يواصل التشاور والتنسيق لتعميق العلاقات الثنائية مع الدول المغاربية، في انتظار أن تتخلى الجزائر عن معاكسة منطق التاريخ والجغرافيا والمشروعية، بشأن قضية الصحراء وعن التمادي في مناوراتها اليائسة، لنسف الدينامية، التي أطلقتها مبادرتنا للحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية». موازاة مع بعض الأنشطة والأعمال الموجهة ضد المغرب، تواصل قيادة البوليساريو التباكي إعلاميا، وخلق الأكاذيب وافتعال التقارير ونسبها إلى مسؤولين أمميين، والغرض من كل هذا هو إظهار المغرب بأنه هو من يعرقل استئناف المفاوضات، وهو من يرفض إيجاد حل لقضية الصحراء. مثل هذه المزاعم، كان يسهل في السابق تصديقها وإقناع المغرر بهم بها. أما اليوم، فإن أوساطا صحراوية من داخل البوليساريو باتت مقتنعة أن «رفاق الدرب والسلاح» لم تعد لديهم إرادة في إيجاد حل لنزاع الصحراء يعتمد على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، والسبب في غاية البساطة، لأنهم يستفيدون من الوضعية الحالية و من استمراها، ويخشون منافسة وتطلعات جيل جديد يتوق إلى الحرية والعيش الكريم، ولا يتردد في الهروب من الجحيم..هناك في مخيمات العار.