تتميز مدينة تطوان فضلا عن شواطئها المتوسطية الفسيحة ومدينتها العتيقة الضاربة في القدم، بجبالها الهادئة الدافئة، وبغاباتها التي تضفي سحرا ورونقا على المنطقة. من ضمن هذه الأماكن الجميلة التي يقصدها الزوار العارفون للمنطقة مدشر الزّرقاء، الذي يتربع مختبئا وراء الروابي في بهاء وهدوء بجبل غرغيز على بعد حوالي 8 كلم عن مدينة تطوان. وبمجرد ما أن يخرج المرء من ازدحام المدينة ويتجه إلى سفح الجبل استعدادا للنزهة، وقبل أن يصل إلى الزّرقاء، فإنه يتمتع أولا بالطريق الجبلي الملتوي مثل أفعى وسط خضرة الغابة والهضاب الجبلية الخلابة في نفس الوقت. ومن ضمن الغرائب التي يتميز بها الجبل الذي يعلو الزّرقاء كون تضاريسه ترسم بغرابة ودقة قل نظيرها، ترسم خريطة المغرب كما تعلمها أي تلميذ في المدرسة. وأهم ما تتميز به الزّرقاء عند الخاصة والعامة ذلك الحوض الطبيعي الذي تكون عند سفح صخور جبلية عظيمة شاهقة منذ الأزل. حوض، مسبح يمتلئ بمياه عيون وسواقي آتية من عمق الجبل. ماؤه عذب زلال بارد. ويقصد المسبح زوار من كل حدب وصوب للترويح عن النفس بالسباحة أو الارتماء من أعلى الصخور في عمق الماء. لكن احذر البرودة الشديدة للمياه التي لا علاقة لها بشدة حرارة الجو. وفضلا عن البحيرة الصغيرة، تتميز الزّرقاء بخضرواتها الطبيعية التي يبيعها السكان على قارعة الطريق مثل الطماطم والنعناع واللوبيا والباذنجان والتين والصُّبار الجبليين شديدي الحلاوة والسفرجل. أما الجزار الوحيد في مدشر الزّرقاء فإنه متخصص في الماعز لا أقل ولا أكثر. دكانه الهواء الطلق تحت مظلة من قصب، وجديانه المسكينة مربوطة عند الشجرة أمامه، فما أن ينتهي من بيع لحم جديه حتى يهم بذبح جدي آخر. ومن ضمن ما تتميز به الزّرقاء أيضا انتشار الفرارين الطينية التقليدية لأن النسوة والبنات يطبخن الخبز ويبعنه ساخناً فوراً قرب فرارينهن لمن أراد خبز الجبل المطهو بالحطب. ولكن ما يجعل الزّرقاء محجّاً حقيقيا لكثير من الزوار لهو ماؤها الطبيعي العذب الصحي، فلا بد لكل زائر أن يملأ ما استطاع إلى ذلك سبيلا من قوارير وقنينات الماء، أو يشتريها إذا صعب عليه ملؤها وسط الازدحام. أما مناظر الإياب عند عودتك من المدشر فإنها مختلفة عن مناظر الذهاب ولا تقل عنها بهجة وتحفة. فها هي تطوان أمامك بيضاء عارية من أقصاها إلى أقصاها، وكأن الخالق رسمها فألصقها على قطعة جبل. أما الأغراس والجنان الخضراء اليانعة المصطفة جنب بعضها البعض على جنبات الواد بأشجارها وخضرواتها فإنها تغريك بالعيش في حضنها، أو على الأقل تتوقف لالتقاط صور لذلك المنحنى الأخضر المترامي من الأعلى إلى أسفل الجبل. الزّرقاء تحفة دافئة مريحة في روابي تطوان، تحتاج فقط إلى بعض الاهتمام مثل إصلاح الطريق الوحيدة المؤدية إليها، وحماية غابتها من الاعتداء والحوادث.