حل مساء أول أمس الثلاثاء جلالة الملك في العاصمة الرواندية كيغالي في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها لهذا البلد الواقع شرق القارة الإفريقية، وهي تندرج ضمن جولة ستقود جلالته كذلك إلى تنزانيا وإثيوبيا، وتعتبر لحظة مجسدة للرؤية الملكية بخصوص العمق الإفريقي للمغرب وعلاقاته مع مختلف بلدان القارة، ورهانه على أهمية استنهاض القارة وإنجاح ديناميتها التنموية بالاعتماد على ممكناتها الذاتية وثرواتها الطبيعية ومواردها البشرية. إن زيارة العاهل المغربي إلى رواندا لا تتميز فقط بما يتضمنه جدول أعمالها من توقيع اتفاقيات اقتصادية وتجارية مهمة بين البلدين، أو ما يتيحه هذا البلد من فرص استثمارية للمقاولين المغاربة، وإنما هي تتسم أساسا ببعد استراتيجي واضح يهم حضور الرباط في شرق إفريقيا، وتطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول هذه المنطقة. قراءة علاقات المغرب مع رواندا تفرض أيضا استحضار الزيارة الأخيرة لرئيسها بول كاغامي إلى الرباط، والتحسن الملموس الذي شهدته صلات البلدين في الفترة الأخيرة، ولكن كذلك يمكن تلمس أهمية هذه الزيارة الملكية وطبيعتها الاستراتيجية من خلال ردود الفعل الإقليمية لبعض الأطراف المعادية للوحدة الترابية لبلادنا أو تلك التي يزعجها تنامي الحضور المغربي في إفريقيا، وتوسعه ليشمل مناطق كانت هي تعتبرها هذه الأطراف بمثابة "محميات" لها أو قواعد خلفية تطلق من عليها عدوانيتها ضد المغرب وحقوقه الوطنية ومصالحه الاستراتيجية. وسواء من خلال الزيارة الملكية الحالية لرواندا، أو من خلال باقي محطات هذه الجولة التي تشمل، فضلا عن بلد" الألف تل"، كلا من تنزانيا وإثيوبيا، أو من خلال مختلف مبادرات وعلاقات المغرب ببلدان القارة كلها، فإن الأمر يتعلق أولا برهان استراتيجي واعي يتميز بالوضوح والمصداقية من لدن الرباط، وهو يعكس الانتماء الشرعي لبلادنا إلى إفريقيا وأدوارها التاريخية العريقة داخل صيرورتها السياسية والديبلوماسية والدينية والثقافية والتنموية، كما أن المغرب ينتصر للتنمية المشتركة وتحقيق تقدم وكرامة شعوب القارة، ويتطلع إلى ترسيخ شراكة: رابح- رابح مع دولها، وهو، باستمرار، يترافع بكثير من الوضوح والقوة من أجل ترجمة طموحات القارة وفتح المجال أمام انطلاقها، وأيضا لكي تستعيد شعوبها الثقة في النفس وتستثمر ممكنات نهوضها، كما أنه في كل مبادراته وبرامجه يحرص على وحدة البلدان وأمنها واستقرارها، ويعمل من أجل إشعاع الوسطية والاعتدال والانفتاح ضد أفكار التعصب والتطرف والانغلاق والحروب الأهلية والتوترات المسلحة. كل هذا يمثل إذن منظومة متكاملة هي التي تؤطر التوجه المغربي نحو القارة الإفريقية وشعوبها التي لديها كثير صلات روحية وتاريخية مع المملكة وشعبها وملوكها، بالإضافة إلى أن رهان المغرب هو رهان على المستقبل ومن أجله، وهو يمد يده إلى كل القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى تنمية إفريقيا ضمن الحرص على حقوق شعوبها واحترام سيادتهم وحريتهم، وفي إطار شراكة واعية ومنتجة. إن الزيارة الملكية الاستراتيجية لشرق إفريقيا تفرض اليوم تمتين متابعة منجزاتها من لدن السلطات الإدارية والديبلوماسية لبلادنا، ومن طرف المؤسسات الاقتصادية والمقاولين المغاربة، وأن يحرص الجميع على تقوية الامتدادات الملموسة لمثل هذه النجاحات الديبلوماسية وترجمتها على صعيد الحقوق الوطنية لبلادنا، ومن خلال تقوية حضور المغرب، سياسيا واقتصاديا وإعلاميا واستراتيجيا، وسط دول ومجتمعات القارة الإفريقية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته