نفهم أن خطب الزعماء السياسيين والمرشحين أثناء الحملات الانتخابية يمكنها أن تتضمن بعض التصعيد اللفظي أو المزايدة على المنافسين وتوجيه انتقادات قاسية لهم ولسياساتهم العمومية، لكن ما يصدر هذه الأيام بالخصوص عن زعيمين معروفين لحزبين يتواجدان حاليا في المعارضة لا يمكن إلا أن يثير الانتباه، بل والسخط أيضا. أحدهما يستغل تصريحات تطلبها منه وسائل إعلام إسبانية أو فرنسية ليردّد على مسامع الأوروبيين أن حزبه هو البديل ل "الظلام"، وهو من سينقذ المغرب... أما الثاني، والذي يتواجد على رأس حزب عريق ومحترم، ورغم أنه يتماهى مع تصريحات الأول، الذي تولى زعامة حزب وافد حديثا، فهو أحيانا يذهب "في التشيار" أبعد من سابقه، ولا يتردد في تحذير المغاربة من كل مخاطر وشرور الدنيا إذا صوتوا للحزب الذي يترأس الأغلبية الحالية، ويذهب حد اعتبار ذلك مهددا لأمن البلاد واستقرارها، ويمثل خطرا على الدولة وعلى المؤسسات. يمكن للأنانية الحزبية أن تبرز في الحملات الانتخابية واضحة وقوية، ويمكن للخطب أن تبالغ في الحماسة وتنفخ كل الأوداج، ولكن أن تصل حد اعتبار تصدر حزب معين لنتائج الاقتراع بمثابة جعل المغرب يعيش المأساة السورية، ويرعب المغاربة بأن ذلك سيجبرهم على الهروب من وطنهم، وبأنهم لن يجدوا حينها أي ملاذ بعد أن أغلقت الجزائر حدودها، وبأن مصيرهم سيكون أسوأ من مصير السوريين المنتشرين اليوم عبر العالم. هل هناك جهالة أكبر وأفضع من هذه؟ أليس ما يروجه الزعيمان اليوم في تصريحاتهما وخطبهما أخطر تجليات "القيامة" الانتخابية؟ بل إن ذلك يعتبر ترويعا فضيعا لشعبنا، وترويجا لكلام مجنون لا يقبله العقل، ويقدم صورة سلبية مغلوطة عن بلادنا وعن استقرارها السياسي والمجتمعي، خصوصا للرأي العام الدولي ولوسائل الإعلام العالمية. يمكن انتقاد برامج وأفكار وسياسات الأحزاب المنافسة، ويمكن للمعارضة اعتماد كل قساوة التعبير التي تتيحها اللغة، ولكن الكل، أغلبية ومعارضة، يجب أن يلجم لسانه ويحد من أوهامه وتخيلاته عندما يتعلق الأمر بسمعة البلاد والمصلحة الاستراتيجية للوطن. من يريد أن يكون بديلا لما يعتبره ظلاما يجب أن يجسد ذلك في مقترحاته البرنامجية ذات الصِّلة بالتعليم والثقافة والفنون، وأن يمارس ذلك في عمله وتدبيره، وأن يقدم مرشحات ومرشحين يقتنعون بذلك ويطبقونه على أرض الواقع بشكل ملموس، أما أن يجمع من حوله مختلف أشكال الكائنات الانتخابية وكل رموز الفساد الانتخابي، ويمارس كل الضغوط على المنافسين أو يستفيد هو منها عندما تتولى القيام بها جهات مناولة، فهذا هو الظلام عينه الذي لا يخدم مصالح المغرب والمغاربة. الزعيمان المومأ إليهما، وهما معلومان لدى كل المتابعين، يتابعان ما يرد به المغاربة على تفاهتهم من سخرية، وذلك واضح اليوم سواء في الأحاديث المتداولة بين الناس أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. الانتخابات ستنتهي، ولكن الجميع يجب أن يحرص على استقرار البلاد، وعلى صورتها العامة في العالم، وأيضا على الحد الأدنى من لياقة الكلام، وعلى احترام ذكاء شعبنا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته