مع اقتراب كل موعد انتخابي يشرع الكل في الحديث عن "البرنامج الانتخابي"، وعن مسلسل صياغته وإعداد محاوره والتزاماته، وهذا الأمر طبيعي لبداهة القول بضرورة امتلاك كل حزب لبرنامج يتعاقد على ضوئه مع الناخبات والناخبين، وبعد اكتمال الولاية يكون هو معيار المحاسبة الشعبية والانتخابية في الاستحقاق الموالي، ولكن في بلادنا العديد من الكائنات الانتخابوية التي تدعي أنها أحزابا لا تقدم أصلا لا برنامجا ولا هم يحزنون، وهذه لا نهتم بها هنا لانعدام الشروط الموضوعية لوجودها من البداية. أما تلك التي تزعم أنها تعرض برامج انتخابية، فبعضها صار في السنوات الأخيرة يلجأ إلى وكالات الدعاية والعلاقات العامة لتتولى هي ذلك، وتهيئ بعض الوريقات الصقيلة بمضمون نمطي مكرور أو جرت صياغته عبر أسلوب "كوبي كولي" من الصحف أو من برامج أخرى، كما أن هيئات أخرى تستدعي مدرسي جامعات أو صحفيين وتسند لهم هذا العمل مقابل أجر متفق عليه، ويكون ذلك أيضا بلا أي روح، ومفتقدا للمعنى. السؤال هنا، أين هم مناضلو هذه الأحزاب وأطرها الذين يفترض أنهم صناع الهوية الفكرية والسياسية لتنظيمهم، وبالتالي هم من يبادر لإعداد برنامج انتخابي يتمثل هذه الهوية؟ بعض الأطراف الحزبية الأخرى باتت ترمي التصريحات هنا وهناك وتكيل السباب للحكومة بمناسبة أو بدونها، وتعتبر أن ذلك يمثل محاور برنامجها الانتخابي، ومضمون خطب قادتها في التجمعات الانتخابية. وعندما نتمعن في كل هذا الذي يصدر عن الهيئات المذكورة وما تنتجه هذه الأيام من خطاب ومواقف وتصريحات، وإذا جردنا كل ذلك من كلامه الشعبوي البئيس، فلن يبقى بين أيدينا سوى الفراغ. حزب التقدم والاشتراكية، من جهته، كرس منهجية مختلفة، وهي تقوم على انكباب قيادته على تدارس عميق للمحاور الكبرى والتوجهات الأساسية للبرنامج الانتخابي. وبعد الاتفاق على ذلك داخل الحزب، يجري "النزول" إلى الميدان عند الناس بكل المناطق والجهات، وتقام الندوات وجلسات الحوار العمومي حول مختلف انشغالات شعبنا والتحديات المطروحة على بلادنا، ويتم الإنصات الى مطالب المواطنات والمواطنين وأسئلتهم، وتصاغ توصيات وخلاصات لمختلف هذه اللقاءات التواصلية الشعبية، ثم بعد ذلك تعقد مناظرات كبرى وموضوعاتية بمشاركة خبراء من خارج هياكل الحزب، وتعقد لقاءات تشاور مع هيئات مدنية ومهنية واجتماعية مختلفة لتلقي انتظاراتها وتصوراتها والتفاعل معها ضمن بناء تشاركي فعلي وحقيقي.. وفي نهاية كامل هذا المسلسل الإعدادي والتشاوري والبحثي، يقوم أُطر الحزب بتجميع الخلاصات وتعميق البحث والتفكير بشأنها من جديد، والعمل على صياغتها وتصنيفها وملاءمتها في إطار البناء الفكري العام لبرنامج الحزب كما جرى تحديده من طرف قيادة الحزب، وبعد اكتمال إعداده التقني النهائي الذي ينجزه أيضا أُطر الحزب، يجري عرض البرنامج الانتخابي للرأي العام الوطني من خلال لقاء علني مع ممثلي وسائل الإعلام، وذلك بما يعني تسجيل الالتزام بمضمون البرنامج وتعاقداته. هذه المنهجية التي يعتمدها حزب التقدم والاشتراكية منذ سنوات، تؤكد وجود حزب حقيقي يمتلك فكرا ومشروعا مجتمعيا ومرجعيات هي التي يجسدها في برامجه الانتخابية وتعبر عنها مواقفه ومقترحاته وتصريحات مسؤوليه، وتؤكد أيضا أن هذا الحزب العريق لديه مناضلات ومناضلون وخبراء وأطر هم من يصنعون يوميا وعمليا فكره وحياته ومواقفه وكل منظومته السياسية والتواصلية والتنظيمية والفكرية، وهم من يقود انفتاحه على بقية الآراء في المجتمع ويتفاعلون معها وينصتون لانشغالات مختلف الهيئات والشركاء ويتلقون مطالبهم وانتظاراتهم. من المؤكد أن هناك أحزابا أخرى من مرجعيات متعددة تُمارس ذات المنهجية أو تقترب منها، لكن عددها على كل حال قليل وقليل جدا قياسا إلى عدد الأحزاب الموجودة في البلاد، وهذه القوى القليلة هي تلك المنبثقة بشكل طبيعي والممتلكة للمصداقية والتاريخ، وهي التي يمكن أن تقوم عليها الدينامية الديمقراطية والتنموية للبلاد وتحقق النجاح المطلوب. إعداد البرامج الانتخابية أيضا يُبين أن أحزابنا "فيها وفيها". هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته