الشاشة حين أركب القطار أو الترامواي على سبيل المثال، أول ما يلفت انتباهي، هو انكباب أغلب الركاب على جهاز صغير الحجم، رؤوسهم منحنية وعيونهم مثبتة على شاشات مضيئة، وشفاههم ما فتئت تتحرك دون أن تصدر صوتا مسموعا، وأصابعهم ما لبثت تضغط على أزرار لوحة المفاتيح، كأنهم يسبحون لله. قد تجد بينهم من يهمهم، أو يقمع ضحكة صادرة من الأعماق وقد لا يقمعها، اعتبارا منه أن لا أحد سيستغرب له، وإن كان يضحك لوحده، حيث الجميع صار على علم بأن من يتفاعل مع شخص غير مرئي، هو لا محالة على ارتباط بوسائل الاتصال اللاسلكية. قيد الطبع كنت ألتقي أحد الكتاب باستمرار، وأسأله عن إصداره الجديد؛ فيخبرني بأن هذا الإصدار قيد الطبع؛ فتمر عدة أسابيع أو شهور، وأوجه إليه السؤال عينه: -هل طبعت الكتاب المعلوم يا هذا؟ فيجيب: لا، إنه قيد الطبع. وتمضي سنوات، وأطرح عليه سؤالي الروتيني: هل صدر لك الكتاب الذي حدثتني عنه وقلت لي إنه.. فيقاطعني: لا، إنه لا يزال قيد الطبع. أريد فقط أن أعرف ما تعنيه هذه الكلمة السحرية: قيد الطبع. هذه الصيغة التعبيرية اللطيفة التي يلجأ إليها الكاتب لكي يتجنب حرج السؤال عن جديد إصداره. حنين حسب تجربتي الشخصية، لم أتمكن لحد الآن من إتمام قراءة كتاب رقمي، شيء ما كان يزعجني باستمرار، رغم توفر ظروف القراءة، كلما شرعت أقرأ في هذا النوع من الكتب، لا أكف عن التفكير والحنين إلى الكتاب الورقي. نحن جيل التعب والشقاء، لا نقبل بترف أن يأتي بين أيدينا كتاب، في طبعته الكاملة، بمجرد طقطقة أصبعنا، ونحن مستلقون على الأرائك. عناء في حضور أزمة القراءة، لا يجازف الكاتب المغربي بإنجاز طبعات متعددة للكتاب عينه، وإن كان هناك بعض الكتاب الذين يحاولون أن يتباهوا بأنهم بلغوا الطبعة كذا أو كذا، في حين أن الطبعة الأولى لم تنفد بعد. المنطقي هو أن ننتظر إلى أن تنفد الطبعة الأولى، وبعد ذلك نقرر ما إذا كان الأمر يستدعي بشكل جدي إصدار طبعة ثانية، أم أن السوق لا يحتمل ذلك، سيما وأن الطبعة السابقة، لم تنفد إلا بعد زمن غير يسير، وتبعا لمجهودات خاصة تعتمد بالأساس على حفلات التوقيع وما إلى ذلك من المبادرات. هل ينبغي على الكاتب أن يقوم بكل شيء: يكتب ويصمم الغلاف ويطبع ويحمل منشوره على كتفه ويوزعه على الأكشاك؟ من الكتاب من لا يكتفي بذلك، بل يتجشم عناء التنقل إلى مقرات الصحف وإيداع نسخة من كتابه الجديد لديها من أجل نشر إعلان عن صدوره، غير أن الإعلان عادة ما يكون دون مستوى التطلعات؛ إذ يتم الاكتفاء بالإشارة إلى عنوان الكتاب واسم مؤلفه ودار النشر التي أصدرته وعدد صفحاته، ويتم إغفال مقاربة محتوياته، وفي اعتقادي أن هذه نتيجة طبيعية لمن لا يعنى بقراءة الكتاب الذي ينجز إعلانا عنه؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته