تقترح العديد من المواقع الإلكترونية خدمة تحميل الكتب بالمجان. وهي خدمة لا نملك إلا أن نقول إنها تساهم في التحفيز على القراءة والاطلاع على أعمال قد لا تصل إلى يد القارئ، إما بسبب قصر هذه اليد، وإما بسبب عدم توزيع تلك الكتب خارج الحدود. كيف يكون شعور القارئ الذي اعتاد طيلة حياته على القراءة في الكتاب الورقي، عندما يكتشف أن بإمكانه بضغطة زر امتلاك الكتاب عينه في صيغته الرقمية؟ أولا ينبغي عليه أن يزيل دهشة اللقاء الأول بالكتاب الإلكتروني. لا شك أن هذا القارئ التقليدي، سيؤجل الشروع في القراءة، إلى أن يستأنس بهذا الجليس الجديد، الذي يختلف عن جليس المتنبي الذي قال عنه في قصيدته: خير جليس في الزمان كتاب. بالتأكيد، القراءة على شاشة الأنترنت، تختلف كثيرا عن القراءة في المكتوب الورقي، ومن تعود على هذا السند الأخير، سيجد حتما صعوبة جمة في التأقلم مع الكتابة الرقمية. بضغطة بسيطة على خانة معينة، يجري تحميل كتاب بكامله، أو بالأحرى الأعمال الكاملة لكاتب بعينه، في ظرف زمني جد قصير، لا يتجاوز بضع ثوان، دون القيام بأدنى جهد، في وقت كان الحصول على كتاب، يتطلب قطع مسافات بعيدة، والبحث عنه في أكثر من مكتبة، والأهم من ذلك كله، تدبر ثمن شرائه. بعض المواقع الإلكترونية تعرض المئات لا بل الآلاف من الكتب، للتحميل بالمجان، في شتى أصناف الفكر والمعرفة والإبداع. إذا كان الجيل الجديد قد فتح عينيه على شاشات وسائط الاتصال الرقمية، لعله قد لا يجد صعوبة في قراءة النص الكامل لكتاب إلكتروني، لكن جيلي والأجيال السابقة، لا أظن أنهم يشعرون براحة أمام شاشة ساطعة باهرة، وهم يطاردون بأعينهم الخامدة سطورا منفلتة ومنزلقة نحو الأعلى. حسب تجربتي الشخصية، لم أتمكن لحد الآن من إتمام قراءة كتاب رقمي، شيء ما كان يزعجني باستمرار، رغم توفر ظروف القراءة، كلما شرعت أقرأ في هذا النوع من الكتب، لا أكف عن التفكير والحنين إلى الكتاب الورقي. نحن جيل التعب والشقاء، لا نقبل بترف أن يأتي بين أيدينا كتاب، في طبعته الكاملة، بمجرد طقطقة أصبعنا، ونحن مستلقون على أريكة. يبدو لي أن الكتاب الرقمي غير واقعي، لأنه غير مادي، لقد تعودنا، نحن جيل ما قبل ثورة وسائط الاتصال، على ملمس الورق الخشن والصقيل على حد سواء، إذا لم يكن الكتاب، يتيح المجال لشم رائحته العبقة بالتاريخ والأحلام؛ فهو لا يمكن أن يسمى كتابا، إنه شيء آخر، مجرد وهم، كذبة، قطرة لمعت في الضحى قليلا على ضفة المشرع وسيأتي عليها المساء فتغدو كأن لم ترقرق ولم تلمع، حسب قول الشاعر الوجودي. إن تزايد المواقع الإلكترونية التي تتيح فرص تحميل كتب، بعضها نفيس، بدون مقابل مادي، وبأيسر السبل، وفي ظرف زمني لا يكاد يذكر، يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من اختفاء الكتاب الورقي من الوجود، وانقطاع دور النشر عن الاستمرار في طبع إصدارات جديدة. ربما قد يأتي يوم، سيكون فيه على القارئ أن يذهب إلى المتاحف ليلتقي بالكتب الورقية. ستصبح هذه الكتب مجرد ذكرى، تتهكم عليها الأجيال القادمة، وتنظر إلى أصحابها بكثير من الشفقة، وقد تأسف على تضحيتهم بآلاف الهكتارات من الغابات لأجل طبع كتب، الكثير منها، لا يستحق أن يطبع أصلا. لعل القيمة الوحيدة التي يشكلها التحميل الإلكتروني، حسب منظوري الخاص، أنه لا يجعلنا نتأسف على نشر كتب حينما تكون رديئة؛ فعلى الأقل لم تضطرنا تلك الكتب إلى التضحية بأي شجرة في هذا الوجود الذاهب إلى حتفه. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته