النتيجة التي حققها اليمين المتطرف في انتخابات الجهات بفرنسا الأحد الماضي هي بداية ونهاية تعني الناخب الفرنسي والديمقراطية الفرنسية، وهما صاحبا الشأن في كامل هذا الاختيار الانتخابي المرتبط بحرية وقرار الشعب الفرنسي. يعتبر هذا الاستهلال ضروريا للتأكيد على المبدأ أولا، أي أنه ليس من حق أحد خارج فرنسا إعطاء الدروس لبلد ديمقراطي كبير يمتلك تاريخا طويلا في الممارسة الانتخابية والديمقراطية، ولكن في نفس الوقت يمكن للجميع قراءة هذه النتائج وتحليل سياقاتها وانعكاساتها وامتداداتها داخل فرنسا وعلى صعيد علاقاتها الخارجية. الجبهة الوطنية في فرنسا استثمرت تنامي استياء الفرنسيين من ضعف الإنجازات الاجتماعية لحكومة فرانسوا هولاند، ثم جاءت مذبحة باريس وما أعقبها من إجراءات أمنية مشددة لتتكلف بالباقي ولتمنح الحزب اليميني المتطرف البيئة المجتمعية الجاهزة لاحتضان خطاب الهوية والانغلاق والعداء للمهاجرين والأجانب، وخصوصا المسلمين، ومن ثم فما تحقق كنتيجة انتخابية الأحد الماضي توقعه محللون ولم تستبعده استطلاعات رأي، رغم أنه أحدث زلزالا داخل الطبقة السياسية الفرنسية، وقد اعتبرته بعض الصحف الفرنسية في عناوين صفحاتها الأولى نصر الصدمة، كما أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبين نفسها وصفته بالنصر التاريخي. وبالرغم من السجالات الجارية اليوم في فرنسا استعدادا للدور الانتخابي الثاني، وبغض النظر عما لقيته دعوة رئيس الحكومة مانويل فالسن حول الجبهة الجمهورية من رفض من لدن زعيم اليمين التقليدي نيكولا ساركوزي، فإنه لا بد من انتظار النتائج النهائية للدور الثاني وطبيعة التحالفات التي ستتشكل في المناطق، لمعرفة رد فعل السياسيين الفرنسيين تجاه تنامي زحف اليمين المتطرف، وكيف سيتحملون مسؤوليتهم تجاه دلالات الرموز الثلاثية للبلد، أي: "حرية، مساواة ، إخاء"، وتجاه الموقع الدولي لفرنسا في علاقتها بباقي بلدان العالم، وخصوصا العربية والإفريقية. فرنسا اليوم تعاني من تبعات استهدافها الدموي والهمجي من لدن مجرمي "داعش" والإرهابيين المتطرفين، وجراء تلك الصدمة وما نجم عنها من شعور عام بالخوف والحزن، وإحساس بالخشية من الآخر، فهي تقترب أكثر من خطاب اليمين المتطرف، ومن أفكار الانغلاق والهوية ومعاداة المهاجرين، وعليه، فإن المسؤولية كبيرة اليوم على عاتق طبقتها السياسية ومثقفيها وإعلامها لتحصينها من تضييع ما عرفت به دائما كبلد منفتح ومتسامح يحتفي بالأنوار. وفي المقابل، لا بد أن نسجل أن هذه الأوضاع التي يكون دائما ضحيتها الإنسان المغاربي والعربي والإفريقي والمسلم المقيم بفرنسا تسبب فيها الإرهاب الداعشي أساسا، وهو استهدف هؤلاء المسلمين أساسا، حيث نشر الرعب وسطهم وحرمهم من الحياة الآمنة والمستقرة، وضرب عيشهم وأرزاقهم وسكينتهم، وهذا ما يفرض كذلك تمتين الوعي بخطر التطرف والإرهاب وسط هذه الجاليات أو هؤلاء الفرنسيين من أصول مسلمة، وتعبئتهم وانخراطهم في المعركة ضد عصابات الانغلاق والتطرف والهمجية. بلادنا، على كل حال، مطالبة بتتبع تحولات المشهد السياسي الفرنسي واعتماد اليقظة تجاه تحولاته لإعداد كل السيناريوهات المطلوبة، بما في ذلك التعامل مع فاعل سياسي غير مألوف والاهتمام أكثر بأوضاع مغاربة فرنسا وبمصالح المملكة سياسيا ووطنيا واقتصاديا واستراتيجيا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته