تعيش فرنسا تحت هول «الصدمة»، التي كشفت عنها نتائج اقتراع الجهات، حيث احتل حزب «الجبهة الوطنية»، اليميني المتطرف، المرتبة الأولى، في ست جهات من أصل ثلاث عشرة، في سابقة لم تحدث في تاريخ هذا البلد الأوروبي، الذي يصبح فيه حزب من هذا الصنف، على رأس التنظيمات السياسية. فكيف حصل هذا؟ من المعلوم أن صعود هذا الحزب بدأ منذ الانتخابات الرئاسية سنة 2002، التي احتل فيها جان ماري لوبين، المرتبة الثانية، في الدور الأول، متقدما على الاشتراكي ليونيل جوسبان، غير أن تحالف اليسارالاشتراكي واليمين الجمهوري، تمكن من التغلب على هذا الوضع آنذاك. الوضع الحالي، مختلف جدا، حيث وصل النموذج الليبرالي السائد إلى درجة الإنهاك، مما فسح المجال أمام تعبيرات أخرى، مثلما حصل في اليونان، حيث فاز اليسار الجذري، ممثلا في «سيريزا»، وصعود حركات مثل «بوديموس» في إسبانيا، بالإضافة إلى التقدم الذي يسجل لليسار الجذري في بلدان أوروبية أخرى. غير أن ردة الفعل على النموذج الليبرالي المغرق في التطرف، لم تؤد إلى تقدم بعض التنظيمات اليسارية الجذرية، بل أيضا إلى صعود اليمين المتطرف، الذي حقق هذا النجاح في فرنسا، ولكنه تقدم أيضا في بريطانيا وفي إيطاليا، بالإضافة إلى النمسا، التي كان سباقا فيها إلى تحقيق نجاحات انتخابية. خطاب «الجبهة الوطنية» في فرنسا،لا يختلف عن كل الخطابات الشعبوية القومية المتطرفة، حيث يهاجم النخب السياسية والثقافية، ويدعو إلى الخروج من منطقة اليورو، للعودة للفرنك الفرنسي، وإلى نهج سياسة اقتصادية حمائية، وإلى اتخاذ إجراءات مالية وضريبية تتحمل فيها خزينة الدولة تحملات اجتماعية كبيرة لصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة الدنيا، بالإضافة إلى اعتبار أن أخطر مشكل تعانيه فرنسا هو الهجرة، لذلك يدعو هذا الحزب إلى سياسة تمييزية في الشغل والخدمات الاجتماعية ضد المهاجرين. يمكن القول، إن خطابه يعتمد على استراتيجية الخوف، حيث ينذر الطبقات التي يتوجه إليها، معتبرا أن الهجرة تهدد مستقبلهم، وخاصة المسلمين، مستغلا العمليات الإرهابية الأخيرة، التي حصلت في فرنسا، لمضاعفة تهجمه على الإسلام والمسلمين. وقد نجحت هذه الاستراتيجية، لحد الآن، لأنها وجدت خير حليف لها، في الجماعات الإرهابية، وفي تبعية الدولة الفرنسية للخطة الأمريكية، في الشرق الأوسط والخليج، وفي عجز الاشتراكيين، عن التخلص من السياسة اليمينية في الاقتصاد والمجتمع، لمعالجة الأزمة، بأدوات وإجراءات تطمئن الفئات الشعبية التي تصوت لصالح «الجبهة الشعبية».