يجمع العنوان " ندف الروح" بين كلمتين مختلفتي المعنى، فالأولى مادية محسوسة، وقد جاءت جمعا، والثانية معنوية مجردة، وجاءت مفردا؛ تشير الأولى إلى الثلج و القطن معا، الثلج ذائب، والقطن منتج فلاحي يقطف، هما معا متحولان، أما الثانية فهي مقوم حياة الجسد وعنصره الأساس. فما العلاقة بين الطرفين؟ نرى تلك العلاقة في الصفاء والطهر والبياض، نراها تحضر في الطفولة جمعا ،كما أن تلك الندف تتساقط من الروح، إنها من منبع الصفاء الروحي للكاتب إسماعيل ، ندف منتقاة بعناية و مقطرة بتأن ، تعبر عن الذات في التقائها بالآخر المشارك لها في الحضور و التجربة. مسألة التجنيس : لعل ما يلفت الانتباه، و يبرز الجديد نجده خاضرا في "ياء النسب"، فعلى ظهر الغلاف نجد التجنيس مرتبطا بتلك الياء ، قصصي القصيرة جدا ، فضمير المتكلم أناسيكون المنظم لمجموع النصوص. فالقصص القصيرة جدا التي يتضمنها الكتاب، ذات خيط ناظم جمع بينها، و أبعد عنها التنافر ، فكان أن صارت حبات عقيق منتظمة في خيط سيرة القاص. بذلك يكون طرح إسماعيل البويحياوي يندرج ضمن التخييل الذاتي في إطار الخطاب السردي القصير جدا، وهو ما لم يعتده القارئ. صورة الغلاف تجسد نافذة منزل بدوي. الإطار الخشبي المتين من جذوع الأشجار، والجدار المقشر يطل منه حجر ما. والمتمعن لهذه العناصر يشعر بتداخل النافذة مع هيكل بشري، غلبت عليه حمرة بقايا أنسجة، وبرزت منه العظام ، لكنه ما زال قويا قادرا على الصمود والاستمرار. وتجويف النافذة، بدلالتها المركزية، يحقق ازدواجية الرؤية: نحو الخارج، أي الصلة بالعالم الخارجي، شهادة وتواصلا. و نحو الداخل، بهدف استرجاع ما مضى، والاحتفاظ به في قعر الذات. للمجموعة عدة روافد شكلت تلك البحيرة العامرة بكل ما هو شهي و لذيذ، وتلك الروافد المتعددة كانت رقراقة مكنت من رسم معالم فضاء كثيف الندف بهي المشهد عابق بالحبور و المتعة للبصر والذهن معا. ومن بين أهم تلك الروافد نجد الحياة الشخصية بما تختزنه من ذكريات وتجارب من الطفولة وحتى الرجولة، وقد لعب الأب، كما الأم والجدة، دورا مهما في تغذيتها و تقويتها. فكان الحفاظ على وشم الطفل في أعماق الروح . إن الطفل الحاضر في نصوص المجموعة ليس الطفل الذي ونعايشه في الغالب ولكنه الطفل الذي بدواخلنا. و لهذا جاء التذكر طريقا منح إمكانات سردية لا يتيحها الواقع. و يبرز هذا الجانب من خلال الصور التالية: - الطفل طفلا. كما في قصة "قبة حيد" ص 25 إذ يزاول الطفل شغبه بتلك اللعبة المعروفة ، و هي قبة من ذا ، بتشكيلها فنيا، معبرا عن تلك اللحظات الجميلة و الهاربة ، يستعيدها لطبعها في الزمن ضد المحو.و كما في نص "فافويرت"ص 54، نص يشير إلى سيجارة رخيصة سادت في فترة ستينيات و سبعينيات القرن الماضي ، و كانت إحدى إراءات الأطفال الراغبين في تجريب رجولتهم باكرا، و التعبير عن ذكورتهم سريعة البوزغ. - الطفل يافعا. في هاته الفترة ، يزودنا المبدع البويحياوي بكثير من النصوص المعبرة عن انفتاحه على الجنس الآخر ، مستكشفا و مستلذا ، كما نجد ذلك في نص "خطفة" ص 50 و العنوان معبر جدا ، إنه دال على سرقة شيء لا ينبغي أخذه ، و لمرة واحدة ، لكون ، خطفة ، مصدر على المرة . و لبلوغ مرحلة الاتصال بالجنس الناعم ، كان قد جرب حك الفراشات لتحقيق البلوغ و تكبير العضو التناسلي. و في نص"زغرودة" ص 20، يخبرنا السارد أن جسده قد بلغ جزيرة العذارى، حيث التقى بواحدة فاتنة عرضت عليه جسدها فدخل محراب اللذة آمنا، مصورا مشهد المتعة بشاعرية رائقة ، و موحية. - الطفل شيخا. يتجلى هذا الحضور في نصي "حمى الذاكرة ص 49" و "آية"ص 50 ، في الأول يبسط أمانها جانبا من عمله في حقل التدريس مع الإشارة إلى القمع المزاول من طرف المديرين آنذاك، و في الثاني، فيشير إلى سنه التي بلغها ، و هي الثانية و الخمسون ، و بالرغم من ذلك فالطفولة لم تغادره . - الطفل نصّا. و يظهر جليا في نص "فاكهة الذاكرة" ص 39، إذ يخبرنا السارد في مفتتح نصه بهذا القول المعبر : يفتح ساردي متحف ذاكرتي، يشعل قنديلا و يخترق دهاليز متشعبة..فالطفل هنا ، قد صار مادة الكحي و منتهاه. وإذا كان القاسم المشترك بين هذه المستويات الأربعة، يتجسد في الطفل، والطفولة، فإن ذلك لم يمنع السارد من استكمال عناصر الفضاء الطفولي الذي أثثته صورة الأب والأم، وذكريات الجدة، وشيطنة الأتراب، ومحطات عمرية مختلفة لم يغادرها الطفل الذي ظل ملازما له في الحل والترحال. (... صرخت فأغمي علي وانتفخ جسدي، كبرت، درست، أحببت، تزوجت، ثم شخت....إثرها هاجمني الموت فصرخت. حضنتني أمي، سقتني حليبها، أفقت الرضيع الذي كنت، ورحت أعدو في فصول غيبوبتي.) ص 15. لقد خلق الحنين للطفولة"النوستالجيا" التي رانت على المجموعة بإهاب من الشفافية الحريصة على الاحتفاظ بطراوة الذكرى، وطزاجة الشعور، خاصة أن مرحلة الطفولة شهدت ، لدى الكائن، تخلق التجربة الشعورية، والجمالية، وما رافقها من كشف، واكتشاف، لأبجديات الجسد والطبيعة والسلطة، ومختلف العلاقات الإنسانية بين الإنسان والإنسان، بين الإنسان والعالم. الإيهام بالواقعية في المجموعة : يتجلى ذلك في العناصر التالية : _المزاوجة بين المكتوب والشفهي. - كثيرا ما يفسح المجال ليصبح سيد الموقف. {ويقتصر دور المكتوب على التمهيد السريع، أو الربط بين اللقطات والأوضاع.}*كما نجد ذلك في نص، ص18 ( فول وحمص وبرّاد ينقط عسلا. وكانت الدنيا زوينة بزاف. نظر أبي إلى السماء: الكمرة كطل على وليدي "سمعون" يا لالة نجمة. ضحكت أمي. طفقت بكلتي يدي أمسك نجوما تتقافز في حضن" زلافتي" السحرية.... النجوم والفنيد والزرقة والحمرة تتلألأ على محييهما...). العنصر الثاني : حضور اسم المؤلف بتنويعات عدة، و بدلالات مختلفة ( اسماعين عوض اسماعيل)، أوعلى التحبب والدغدغة الأليفة ( سمعون/ سمينيع). ينضاف إلى ذلك أسماء أخرى لعبت دورها في تأثيث ذاكرة السارد( ولد البرانس/ ولد العيان/ الزعرية/ فاطمة/ ..)، دون نسيان استنبات السارد لاسمه تصريحا داخل الحكاية ( سيرة ارتدادية.ص 31/ ذبيح.ص 41/ خطفة.ص 50.) أو تلميحا ( معظم نصوص المجموعة)..و هي رغبة من السارد في إثبات شرعية الانتماء إلى علم الذاكرة الممتلئ بحكايات تشكل نبع القص.( سيخبركم سارد السراد أن رواة سيرتي، سيرتكم الشعبية سيحكون يومها بأياديهم ...) ص67. العنصر الثالث : معجم الألعاب:( عرام التشيش/لقيوش) إذا كانت الكثير من النصوص، إن لم نقل معظمها، تفتقد نقطة ارتكاز وجذب مكاني، تدل على مكان وقوع الأحداث، بحيث ظلت عامة غير خاصة، فإن البويحياوي سار بخلاف ذلك، فكل نصوصه لوحات مكانية تشير إلى محليته وارتباطه بفضاءات مخصوصة تعانق الجمعي ومن ثم العالمي، فنجد توظيفه للحي والدرب والكلية التي ارتادها، أمكنه عابقة بأحداثها الخاصة التي شهدها كفرد وعرفها المجتمع المغربي وانطبعت في ذهنه لكونها تحمل همومه، ومن هنا يتبين أن المبدع يولي اهتمامه قبلا لما هو خاص غير منغلق في خصوصيته، لأنه لا يختار إلا ما يجعل الهم مشتركا، فيتخير الخاص المعبر عن العام والمعانق للكوني. فمناهضة الظلم و الجور و العبودية و الاستبداد ومعانقة قيم الحرية و الخير و التضامن و غيرها كلها قضايا خاصة و عامة في الآن ذاته ، يعشقها الإنسان و يذود عنها و يطلبها. يحضرمعجم المكان، ببعده الإثنوغرافي للتأكيد على هوية محددة ( دوار الكرعة/ دوار أولاد الطالب/ الخلوة/ الحومة/ ..) ،أو قد يأخذ بعدا فضائيا يخدم السياق القصصي ( باليما لإدانة الفساد.ص 43/ مدرسة محمد الخامس )، أو اكتشافا للحكي بأبعاد مختلفة ( شجرة الخطيئة واللذة المحرمة.ص 17/ صبرا وشاتيلا وإدانة العدو الصهيوني/ ثانوية عبد الكريم الخطابي والحب الأول/ حمام الشط التونسي والغارة الإسرائيلية). فما سبق يؤكد على احتفال بالهوية الذاتية التي لم تكن الحكاية سوى أداة لمسح الغبار عن ملامحها الاحتفال بالهوية في غير ما انغلاق : الاحتفال بالهوية لا يتعارض مع وضعية سارد لم يبق حبيس ذاته الضيقة،و رؤيتة الخاصة و المحدودة، بل كان شديد الحرص على الانصات لذبذات واقعه و ما يحيط به من أحداث، وطنية وقومية، عن طريق صياغتها من موقع الهوية ذاتها. فمن المؤكد أن طبيعة هذه الأحداث والوقائع ( التمايز (الاجتماعي/ العدوان الصهيوني/ الاستبداد السياسي.. الخ) تؤثر في الهوية، وتتأثر بها، مادامت هذه الأخيرة نابعة من قيم محددة تنتصر للإنسان في ضعفه وقوته اختيار جنس القصة القصيرة جدا : لقد رام الكاتب في اختياره لجنس القصة القصيرة جدا إثبات خصوصية هذه الكتابة ووظيفتها، خاصة أن {المتن برمته، صياغة سردية لسيرة الذات، وسيرة الآخر، في آن واحد. النص كان بمثابة فلذة من جسد لم يعد ملك السارد، بل أصبح ملكا للفضاء الذي وجد فيه من إنسان وحيوان ونبات ومرويات مختلفة. إنه احتفال بنسغ حياة تتجدد، بواسطة سارد فاعل، ومنفعل بما مر عليه، ماضيا وحاضرا ومستقبلا. العنصر الرابع والأهم، هو عنصر الذاكرة كنبع يغذي الكتابة لكونه يتضمن السابق ويحتويه : الذاكرة ملك للأفراد في مجال جغرافي وزماني محدد. أو لنقل إنها تتصل اتصالا وثيقا بالجيل. ولذلك نجدها تتغير وتختلف من جيل إلى آخر. فلكل جيل ذاكرته الثقافية التي تتصل بالأحداث الكبرى التي عاصرها، وبالنصوص التي تلقاها سماعا أو قراءة، وبالصور التي عاينها في عصره. وبما أن هذه الذاكرة تتحدد من خلال ما هو عام ومشترك لدى جيل كامل، فإنها تختلف أيضا بما يشكل ذاكرة خاصة ترتبط بالبيئة الضيقة التي يعيش فيها الفرد. فالجيل لذي عاش جزءا كبيرا من حياته إبان الاستعمار، تتباين ذاكرته الثقافية عن الجيل الذي ولد مع الاستقلال. كما أن من ولد في المدينة من أحد الجيلين ليس كمن وجد نفسه في الضواحي أو في إحدى القرى النائية. إن الذاكرة تتشكل في الزمان والمكان، من جهة، وفي العصر، من جهة ثانية. ولكل زمان رجال.}*** إن نصوص البويحياوي و هي تستمد حضورها من الذاكرة الخاصة و المشتركة تعمل على مناهضة المحو و السعي إلى ترسيخها بالكتابة الفنية ، و بذا ، نعد فعل الإبداع فعلا مقاوما ، و نضالا قويا يروم في أبعاده إلى ترسيخ كيانه في مواجهة ذاكرة جديدة مسطحة و ضحلة ، صنعت بعجالة بالأشرطة و القنوات الدعوية ، و المطويات الصانعة لجل لا يقرأ بل يعتمد الأذن طريقة لكسب العلم ، و أي علم ؟ بخلاف الجيل السابق ، جيل الاستقلال الذي كان مفعما بإرادة التغيير ، فانخرط في التعلم و مطالعة الكتب بنهم للمساهمة في تحقيق أحلام التغيير. و بناء عليه ، نجد المجموعة تحتفل بهذا المقوم، أقصد الذاكرة ، حيث تحضر كعناوين أو تتخلل المتون، وحتى تلك التي لم تستحضر الكلمة، فإنها تضمرها عبر وسيط الاسترجاع. ففي نص "في غيبوبة" ص 15 تحضر مقاومة الموت بما هو انمحاء بفعل سحر السرد و جمال القص وفتنة الحكي. تخضر الأم كعنصر فاعل في عملية إنجاح المقاومة، ودفع غول النسيان. السارد يستعيد تلك اللحظات القوية في حياته، موظفا جملة أفعال مرتبطة بسرعة الزمن: كبرت. درست. أحببت. تزوجت. ثم شخت. محطات أساسية في حيته، وملخص مركز لها، وتقطير للحكاية الضامة لنتف تلك الحياة رغم شساعتها فهي في عرف السرد كما الزمن، ومضات سريعة الذوبان، لا يمكن لها الصمود إلا بالحكي، فهو الضامن للتدوين والإبقاء على التجربة طازجة ومستمرة، لكونها تقاوم الغيبوبة بالصحو. تستعيد الذاكرة بعناد يبغي مغالبة النسيان ربوع الصبا وحقول الطفولة باسترجاع مشاهد راسخة في الذهن، تقول المتعة وما شعرت به الشخصية من ألفة وانشراح. كما في نص "لكمات"ص 13، حيث نجد الطفل البويحياوي يعيش شغب الصراع بين أبناء الجيران، وقد رسمت على جسده آثار ذلك الصراع، لينقلب بعد زمن إلى مادة حكائية تعاند المحو والنسيان. وكما في نص "تحناش الذاكرة" ص 14 هذا النص الذي جمع في عنوانه كما في متنه بعدين اثنين، وهما الذاكرة واللغة المحكية ، ف"التحناش هو الكتابة، و هي تحضر من خلال تلافيف الذاكرة إلى حيز البياض لتنطبع بقوة الحضور و قوة الترسخ.. فالذاكرة قبل أن تأكلها الشيخوخة تسير بسرعة الرغبة إلى لحظة الكتاب ، لتعيد إلينا أجواء المكان بصخبه و روائحه و طقوسه ، ساعية إلى الإبقاء عليه ضد ريح النسيان "يخلع قشرة شيخوخته. يتوسد ركبة السارد يزوق لسانه بقرأن الطفولة". ففي هذا المقبوس نجد حضور الشيخوخة و الطفولة جنبا إلى جنب بفصل لسان السارد الذي تمكن من السرد و خبر دروبه و تمرس على كتابته. نجد المبدع إسماعيل يولي عناية كبيرة للجانب البصري، حيث إنه يعرض نصوصه على صفحة البياض بأشكال مختلفة تدل من جهة على أناقة الكتابة لديه و اهتمامه بالبعد الجمالي البصري، وعلى حرصه الشديد بجعل نصوصه من خلال انبساطها الكتابي محافظة على أبعادها الدلالية، إضافة إلى تلك الرغبة في جعل النصوص تتمايز عن بعضها في لحظة تلقيها. وأول ما يصدم القارئ على مستوى تلقي العين هو الشكل الكاليغرافي الذي يميز الكتابة القصصية القصيرة جدا والذي يركز فيه القاص على توزيع المشاهد والمقاطع القصصية داخل الصفحة الواحدة، إضافة إلى توزيع السواد على البياض وعلامات الترقيم وتناثر الحروف من أعلى إلى أسفل أو عكس ذلك وفق نظام جميل يزيد من جمالية القصة القصيرة جدا ويساعد على فك مغاليقها وإضاءة عتماتها. والمتابع للنصوص سيدرك لا محالة قدرة القاص على فهم دواليب الفضاء القصصي وأسراره، وعندما يكشف هذه المغاليق سيضع يديه على مغاليق العالم وخباياه وتنجلي رؤية القاص إلى العالم وما توحي به هذه الأشكال وهذا التوزيع للألفاظ من معان قابعة في لاشعور الملقي و المتلقي. إن نصوص "ندف الروح"، تتميز بحجمها القصير جدا، لا يتجاوز ثلث الصفحة، مع استغلال بياض ذكي لبياضها، و يتمثل ذلك بشكل خاص بتقطيع الجمل، وتفتيت الكلمة إلى حروف متدرجة حتى التناهي في الصغر أو الامِّحَاءِ و تسير في أحيان كثيرة من البروز إلى الانمحاء، كما في النصوص التالية :"لفراجة" ص 62، حيث يقوم الساردفي نصه بتكسير الجملة و ذلك بجعل مكوناتها تسير بشكل عمودي ، كل عنصر من عناصرها يأخذ لوحده سطرا ، و يذهب أبعد من ذلك ، إذ يقوم بتكسير الكلمة الواحدة ، فأنواتي ، تتشتت لتصير حروفا متراصة عموديا معبرة عن التشظي الذي تعرفه الشخصية، و هو بهذا المسعى يؤكد رغبةالذات في البحث الساعي إلى لملمتها حتى يتحقق التكامل للشخصية. أما في نص "فروج مارس" ص 56، فنرى تشكيل كلمة صيحة الفروج تتكرر عبر أسطر النص الأخيرة و هي سائرة في طريق الانمحاء ، إذ الصيحة الأخيرة جاءت صغيرة الحجم باهتة الحروف ، مما يعني ذوبان الفعل كالصدى.و هو الأمر ذاته الذي نصادفه في نص "مي حنا" ص 27، و في نص "مطاردة" ص 44، فتكسير كلمة ، رأسي ، جاء في الوسط لا في الجانب الأيمن ، كما في النصوص السابقة، للتعبير عن التدلي كما ثريا المساجد ، فوق الرأس مباشرة.بخلاف نص "حمام الذاكرة" ص 24، الذي ابتدأ بتكسير كلمة : نغطس، فتهشيمها جاء معبرا عن الانغماس في الماء شيئا فشيئا ، إذ لا يمكن أن يتحقق دفعة واحدة ، و لو كان ذلك متحققا لأتت الكلمة متلاصقة و مترابطة. ندف الروح مجموعة مشاهد تؤرخ لحياة السارد إسماعيل، تشكل لوحات من سيرة روائية تخييلية، فالمجموعة تتخذ سمت القصة القصيرة جدا، لكونها مقطرة بشكل قوي، وجاءت مكثفة ذات اقتصاد لغوي واضح، لكن لو قمنا بكرم التفصيل والإطالة في الوصف وتفكيك المقيد لحصلنا على رواية ذات فصول متعددة تصب جميعها في سرد حكاية الشخصية الأساس والتي تشير إليها النصوص بالاسم الشخصي، ألا و هي: إسماعيل. غير أن إسماعيل هذا الداخل النصي ليس هو إسماعيل الخارج نصي، حتى و إن حضرت بعض التقاطعات. فالداخل نصي شخصية متخيلة ترتبط بالسارد من جهة لكنها تفيض عنه لتشير إلى كل الأشخاص الذين عاشوا تلك المرحلة المسطرة في النص.