لو أمكن للمنتخب المغربي لكرة القدم على امتداد السنوات العشر الأخيرة التعويل على كافة أبنائه المغتربين والمحترفين في أوروبا، ربما لنجح في الوصول إلى نهائيات كأس العالم التي غاب عنها منذ دورة 1998، أو حصل على لقب كأس أفريقيا للأمم على أقل تقدير، ومع ذلك فهذا لم يحصل ولم يكتب له أن يجمع شتات عدد كبير من اللاعبين المغتربين الذين اختاروا اللعب لمنتخبات البلدان التي ترعرعوا فيها. ربما أيضا لا يمكن حصر عدد اللاعبين من أصول مغربية الذين رفضوا اللعب مع المنتخب المغربي، لكن إشارة بسيطة قد تؤكد هذا المعطى فنجم الكرة البلجيكية ومهاجم مانشستر يونايتد مروان فيلايني هو من أصول مغربية، وناصر الشاذلي لاعب المنتخب البلجيكي ونجم توتنهام الإنكليزي ينطبق عليه المعطى ذاته، وعادل رامي لاعب من أصل مغربي، غير أنه اختار اللعب لمنتخب فرنسا. هذا الأمر بات يستحق الدارسة والمتابعة فعلا، حيث أن أغلب اللاعبين المغاربة المغتربين الذين اختاروا منتخبا آخر غير منتخب المغرب ينشطون مع المنتخب الهولندي، واللاعب الشهير الأول الذي دوّن اسمه مع منتخب هولندا "البرتقالي" كان خالد بولحروز الذي لعب لهذا المنتخب طيلة سنوات ومثله في مونديال 2006، وهو ما ساهم ربما في فتح شهية بقية اللاعبين خلال السنوات الأخيرة للعب مع منتخب هولندا. لدارسة هذا المعطى قد نحتاج للعودة قليلا إلى الوراء وتحديدا إلى حقبة السبعينات والثمانينات، حيث عرفت ظهور جيل جديد من المغاربة الذين اختاروا الهجرة نحو بلاد "الأراضي المنخفضة" عوضا عن فرنسا التي شكلت فيما سبق الوجهة الأفضل لمهاجري بلدان شمال أفريقيا. مرت السنوات بسرعة البرق، وخلّف هذا الجيل من المغاربة المغتربين الذين استقروا في هولندا جيلا جديدا نشأ وترعرع وتعلم في هولندا، وكانت علاقته بموطنه الأمّ تقتصر على ارتباطه بوالديه ومحيطه العائلي الضيق، وفي أفضل الحالات زيارة بلده الأصلي في فترات متباعدة على امتداد سنوات طويلة. هو جيل جديد أثمر شبابا يافعين فيهم من نجح في الدارسة والموسيقى والعلوم، وفيهم أيضا من برز ونجح في الرياضة وتحديدا في كرة القدم، وبما أن أغلب الأندية الهولندية تعتمد على سياسة اكتشاف المواهب أسوة بمدرسة أياكس أمستردام الشهيرة، فإن هؤلاء اللاعبين المغتربين وجدوا مجالا رحبا للتألق والبروز والتدرج بثبات نحو النجاح والتألق واللعب ضمن فرق الكبار. منذ سنوات قليلة قدمت الكرة الهولندية جيلا جديدا من اللاعبين المتميزين ومن بينهم ظهر النجم إبراهيم أفيلاي، وهو لاعب من أصول مغربية حقق نجاحا كبيرا مع نادي أندهوفن قبل أن يختطفه نادي برشلونة الأسباني، أفيلاي كان من بين اللاعبين المغاربة الذين اختاروا تقمص زيّ المنتخب البرتقالي، ولولا الإصابات اللعينة التي تعرض لها لكان في مكانة روبن وفان بيرسي في هذا المنتخب. أما على صعيد منتخبات الشبان، فإن المتأمل والمتابع لشؤون الكرة الهولندية يدرك حتما أن عددا كبيرا من اللاعبين الذين لهم أصول مغربية يلعبون لهذه المنتخبات، وقد تجلّى هذا الأمر خلال العام الحالي عندما عرفت تشكيلة منتخب هولندا للشباب ظهور ستة لاعبين مغاربة هويّة وأصولا، وفي مقدمتهم أنور الغازي فضلا عن إبراهيم داري ومحمد رايحي وياسين أيوب وأنس شهبر. وبما أن منتخب هولندا الأول يعاني حاليا في التصفيات المؤهلة لبطولة أمم أوروبا 2016، فإن الباب بات مفتوحا على مصراعيه أمام هؤلاء كي يعززوا صفوف المنتخب الأول، بل إن البداية كانت مع أنور الغازي نجم أياكس أمستردام الذي وجهت له الدعوة الأسبوع المنقضي للعب مع المنتخب الهولندي الأول. الغازي الذي يعتبر من أفضل مواهب الكرة الهولندية لم يتردد لحظة في قبول الدعوة، مفسرا اختياره بأنه يريد اللعب مع منتخب البلد الذي احتضنه وكوّنه، وذلك لا يعني بالمرة أنه يتنكر لأصوله المغربية، بل إن شعوره بكونه هولندي النشأة والتكوين دفعه إلى عدم التردد في اختيار اللعب مع المنتخب الهولندي. في الأثناء فإن المسؤولين عن الكرة المغربية وكذلك مدربو المنتخبات المحلية اجتهدوا وجاهدوا وحرصوا دوما على استمالة عدد كبير من هؤلاء اللاعبين المغتربين، ونجحوا في مساعيهم مع عدد منهم وفي مقدمتهم مهدي بن عطية الذي نشأ في فرنسا وبات حاليا من أفضل المدافعين في العالم، كما قدم من هولندا منير الحمداوي الذي فضل اللعب مع منتخب بلده الأصلي على الانضمام لمنتخب "الطواحين". وفي خضم هذه المعطيات يبقى السؤال الملحّ، هو ماذا سيكون موقف وشعور اللاعبين ذوي الأصول المغربية والذين ينشطون مع منتخب هولندا في صورة مواجهتهم لمنتخب بلدهم الأم؟ وهل يستلذون ويفرحون بالأهداف التي قد يسجلونها؟.. لندع الأمر للظروف فربما يحمل مونديال روسيا 2018 الإجابة عن هذين السؤالين.