فجرت إجراءات السلطة الفلسطينية التي شرعت بتطبيقها في مساجد الضفة الغربية وضبط الأوضاع فيها مؤخرا، معركة إعلامية ما بين حكومتها ممثلة بوزارة الأوقاف التي تؤكد بان جميع قراراتها وإجراءاتها تأتي في إطار ضبط الأوضاع وترتيب الأمور الإدارية وعدم استغلال المساجد لمصالح فئوية وتنظيمية وبين الحكومة المقالة بقطاع غزة برئاسة إسماعيل هنية التي اعتبرت أن تلك الإجراءات تأتي في إطار محاربة السلطة للتيار المتدين بالمجتمع الفلسطيني. وشن هنية أحد قادة حماس مساء الاثنين الماضي هجوما غير مسبوق على السلطة واتهمها بالبدء بحرب على الدين والإسلام، وقال خلال احتفال كان قد حضره الأسبوع الماضي لإعادة افتتاح بناء مقر شرطة مخيم الشاطئ بالقطاع: «إن ما يجري في الضفة حرب دينية تستهدف ضرب التيار المتدين في الجيل الفلسطيني وتطبيق المشروع الأمريكي الإسرائيلي بأيادي فلسطينية». وقال هنية إنه مع بدء شهر رمضان المبارك اتخذت السلطة في رام الله عدة خطوات من بينها منع خطيب المسجد الأقصى المبارك رئيس رابطة علماء فلسطين النائب الشيخ حامد البيتاوي من الخطبة وكذلك منع الآلاف من خطباء المساجد من الخطبة ومن إعطاء الدروس الدينية، وترك نحو ألف مسجد بدون مؤذن وإمام وخطيب وإغلاق ألف مركز لتحفيظ القرآن الكريم في الضفة وإغلاق لجان الزكاة واعتقال العلماء ومطاردتهم وطردهم من أعمالهم. وأضاف هنية في نبرة غاضبة «لن ينزعوا الدين من صدور الناس ولن يفلحوا في حربهم ضد الإسلام لأنها حرب مع الله». وخاطب هنية أهالي الضفة الغربية قائلا: «لا تستسلموا أمام هذه الحرب القذرة ودافعوا عن دينكم ومساجدكم، اخرجوا إلى الشوارع وأعلنوا رفضكم لهذه الإجراءات الخبيثة». ومن جهته رد وزير الأوقاف الفلسطيني بالضفة الغربية الدكتور محمود الهباش على اتهامات هنية بان السلطة تشن حربا على الدين الإسلامي بالقول «هذا كلام فارغ، السلطة الفلسطينية ملتصقة بشعبها وهي جزء من النسيج الاجتماعي والوطني الفلسطيني، وأركان السلطة ورئيس السلطة ووزراء السلطة مسلمون ملتزمون بدينهم، لكنهم لا يستخدمون الدين لخدمة أغراض سياسية، وهذا هو الفرق بيننا وبين غيرنا. غيرنا يرفع شعار الإسلام ولكنه يستخدم الإسلام لخدمة مصالحه، أما نحن فنعمل بصمت ولكننا نخدم الإسلام»، مضيفا «أعتقد بان من يفتتح 90 مسجدا خلال عام واحد كما حدث بالضفة الغربية لا يمكن أن يحارب الإسلام، وإنما الذي يقصف المساجد بالصواريخ وبال أر بي جي هو الذي يحارب الإسلام، والذي يفتتح أكثر من 600 مركز لتحفيظ القرآن بالضفة الغربية ويدرس أكثر من 20 ألف طالب القرآن الكريم ويخرج أكثر من 200 حافظ للقرآن الكريم خلال عام لا يمكن أن يصنف على أنه يحارب الإسلام، أما من يقصف المساجد ويقتل الأئمة كما حدث في مسجد ابن تيمية في مدينة رفح بغزة فأعتقد أن هذا هو الذي يحارب الإسلام»، وذلك في إشارة إلى مهاجمة حماس مسجد ابن تيمية في رفح قبل أشهر ومحاصرة جماعة إسلامية مناوئة لها في داخله مما أدى لمقتل إمام المسجد وعدد من المسلحين عقب قصف المسجد بصواريخ وقذائف ار.بي.جي من قبل قوات الأمن التابعة للحركة. وحول اتهام وزارة الأوقاف في حكومة الدكتور سلام فياض بإغلاق 1000 مركز لتحفيظ القرآن تابعة للمساجد بالضفة الغربية نفي الهباش تلك الاتهامات، مشيرا إلى «أن عدد مساجد الضفة الغربية كلها 1700 مسجد»، وأضاف «لو افترضنا بأن نصف تلك المساجد بها مراكز لتحفيظ القرآن فان عدد المراكز سيكون 850 مركزا فكيف سنغلق 1000 مركز ونحن نقول بان لدينا حاليا 600 مركز مفتوحة، فاعتقد بان هذا أفضل رد على كل هذه الترهات والأكاذيب. للأسف هناك أناس امتهنوا نشر الأكاذيب بترويج الإشاعات الفارغة والافتراء على الآخرين، فليس عندهم لا حجة شرعية ولا حجة دينية ولا وطنية ولا حجة سياسية وبالتالي هم يلجأوون إلى الطعن والسب والتزوير والتشهير والافتراء على الناس». وحول قرار وزارة الأوقاف بالضفة الغربية منع الشيخ حامد البيتاوي النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني أحد قادة حماس بالضفة من إلقاء خطب صلاة الجمعة في مساجد الضفة الغربية قال الهباش «نحن اتخذنا هذا القرار انسجاما مع القانون الأساسي الفلسطيني الذي ينص على وجوب الفصل بين السلطات. فالشيخ البيتاوي هو جزء من السلطة التشريعية لأنه عضو في المجلس التشريعي ويتمتع بالحصانة البرلمانية وبالتالي لا يحق له أن يكون موظفا في السلطة التنفيذية إلا في مرتبة الوزير، هكذا ينص القانون باستثناء وظيفة الوزير لا يحق لعضو المجلس التشريعي أن يشغل أي وظيفة في السلطة التنفيذية لا مدير عام ولا مدير ولا حتى خطيب مسجد». وعند سؤاله بأن البيتاوي لا يريد أن يكون خطيبا موظفا في السلطة قال الهباش «هذا عمل موظف. خطيب المسجد هي وظيفة رسمية. وظيفة في السلطة التنفيذية. وظيفة تحت إشراف وزارة الأوقاف»، وأضاف «لو افترضنا بأن الشيخ البيتاوي خطب الجمعة وخرج عن النص وخالف القانون من سيحاسبه؟ أنا كوزير للأوقاف لا أملك محاسبته لأنه يتمتع بالحصانة البرلمانية، وبالتالي إذا سمحنا بتلك التجاوزات سندخل المواطنين بالفوضى. أنا أريد موظفين يخضعون للمحاسبة لأن هذا هو القانون. في القانون هناك وظيفة يشغلها الموظف بتقاضي مقابل أدائها راتب ويطبق واجباته الوظيفية، والشيخ البيتاوي لديه مهمات أخرى ليقم بها فهو يمثل المواطنين في المجلس التشريعي فليقم بمهمته. لماذا يريد مزاحمة صغار الموظفين في وظائفهم، هذه وظيفة مختصة بموظف عمومي والشيخ البيتاوي ليس موظف خدمة مدنية هو عضو مجلس تشريعي، وبالتالي نحن انطلاقا من مبدأ الفصل بين السلطات وحرصا على مكانة وحصانة عضو المجلس التشريعي نحن طلبنا من جميع أعضاء المجلس التشريعي ألا يزاحموا الخطباء والموظفين في وظائفهم، فهذه وظيفة لا يحق لعضو المجلس التشريعي أن يمارس أي وظيفة حكومية براتب أو بغير راتب باستثناء وظيفة الوزير». ومن جهته قال الشيخ حامد البيتاوي عضو المجلس التشريعي ورئيس رابطة علماء فلسطين: «إن قرار إبعاده عن الخطبة قرار جائر وجاء من منطلق حزبي ويندرج في سياسة ممنهجة لتغييب دور المسجد وتفريغه من رسالته». وأضاف البيتاوي إنه: «عندما يتم إبعادي وإبعاد العشرات من الخطباء الذين لهم عشرات السنين في الخطبة والإتيان بخطباء جدد لا يحملون أي شهادة في الشريعة، فذلك يعتبر خطة ممنهجة لمحاربة التدين وسط شعبنا، بدليل أن أكثر من 1000 مسجد في الضفة الغربية غير معين لهم أئمة أو خطباء ولا مؤذنين ولا حتى خدم وأتحدى بذلك وزير الأوقاف». وتساءل البيتاوي: «ما هي علاقة الأوضاع الداخلية في قرار إبعادي..؟» وأضاف: «أنا أخطب منذ 50 عاما وأتحدى إن أثيرت فتنة في أي مسجد أخطب فيه، فإنني أحد خطباء المسجد الأقصى لأكثر من 10 سنوات، والاحتلال منعني من الخطابة»، مؤكدا في الوقت ذاته أن قرار إبعاده عن الخطبة يلقى رضا ومباركة لدى الاحتلال، قائلا:» هناك استياء كبير لدى المواطنين من هذا القرار حيث تلقيت اتصالات عديدة تستنكره». وفي سؤالنا عن خطواته القادمة قال الشيخ البيتاوي: «لن اتخذ أية خطوة قادمة لأنني لا أريد أن تكون هناك فتنة والخطوة الوحيدة القادمة هي الشكوى- لواحد أحد- وأنا في الحياة والخطبة لي هدف بارز هو إطفاء نار الفتنة ولن أكون داعيا لها»، واصفا وزير الأوقاف بحكومة رام الله بكونه: «متخبطا في قراراته». وكان الهباش قد قرر توقيف الشيخ البيتاوي عن الخطبة يوم الاثنين الماضي بسبب ما أسماه «ترتيب الأوضاع الداخلية». وحول اتهام بعض الأوساط الفلسطينية وزير الأوقاف بالضفة بأن إجراءاته بشأن ترتيب الأوضاع في مساجد الضفة مثل عدم استخدام سماعاتها الخارجية إلا لرفع الآذان وعدم قراءة القرآن قبل الآذان كونها بدعة وعدم اعتلاء منابر المساجد إلا من طرف الخطباء الموظفين الرسميين لدى وزارة الأوقاف وغيرها من الإجراءات التي تحول دون استخدام المساجد لأغراض تنظيمية وفئوية بان تلك الإجراءات تأتي في إطار تصفية حسابه مع حماس التي كان ينتمي إليها قال الهباش «ردي بأنني عندما اسمع هذا الكلام اضحك كثيرا. أنا كنت في يوم من الأيام احد الذين ساهموا في تأسيس حركة حماس، وتركت الحركة، وبالمناسبة لم افصل لغاية الآن لأنه لا يوجد لدي قرار فصل من الحركة، فأنا تركت حماس بمحض إرادتي لأني وجدت بأنها بدأت تستخدم الدين ولا تخدم الدين، وأنا ليس عندي استعداد لاستخدام الدين فتركتها». وأضاف الهباش «أنا الآن موجود في السلطة وأمارس واجبات وظيفتي كوزير في السلطة وأدافع عن القانون والنظام وعن حقوق الشعب الفلسطيني من موقعي كوزير ولا اصفي حساباتي لأنه لا توجد حسابات بيني وبين حماس. لا توجد مشكلة شخصية لي مع احد في الحركة، المشكلة بيني وبين حماس هي المشكلة العامة التي بين السلطة وبين حماس هي المشكلة التي بين الشعب الفلسطيني وبين حماس». وحول الأسباب الأخرى التي دفعته لترك حركة حماس بجانب شروع الحركة باستخدام الدين وليس خدمة الدين على حد قوله قال الهباش «هذا أحد العناوين، وهناك عناوين أخرى لها علاقة بالسلوكيات التنظيمية لبعض القيادات، وسلوكيات ومواقف سياسية». وحول ما إذا كانت الاختلافات السياسية هي التي دفعته لترك حماس قال الهباش «هذا جزء من الأسباب. هناك أسباب دينية وهناك أسباب سياسية وهناك أسباب شخصية». وعند سؤاله عن الأسباب السياسية قال الهباش «الأسباب السياسية، أنا أمنت من اللحظة الأولى بأان مشروع السلطة الوطنية الفلسطينية هو مشروع وطني حقيقي يبنى عليه. هو انجاز غير مسبوق في تاريخ الشعب الفلسطيني يجب أن يعزز لا أن يعادى. حماس أخذت موقف العداء من السلطة الفلسطينية من اللحظة الأولى لإنشائها. أنا وجدت نفسي في هذا غير منسجم مع موقف حركة حماس فنأيت بنفسي عنها». وحول الأسباب الشخصية التي دفعت الهباش لترك حركة حماس قال «لم اعد قادرا على ممارسة قناعاتي الدينية والسياسية والوطنية داخل حركة حماس. أنا أرفض أن أكون جزءا من حركة تقدم التنظيمي على الوطني وتقدم الحزبي على الوطني وتقدم السياسي على الديني. أرفض أن أكون جزءا من هذه الحركة لذلك تركت حركة حماس».