الخبير البيئي العربي ناجي قديح في حوار حول إشكال استخدام الزئبق وأزمة النفايات بلبنان صادق مجلس النواب بالمغرب، مؤخرا، بالإجماع على مشروع قانون يوافق بموجبه على اتفاقية «ميناماتا» بشأن مادة الزئبق. حيث سيتم بموجب هذه الاتفاقية التزام المغرب بمنع استيراد وتصدير مادة الزئبق وتعزيز إلغاء التنقيب عنه والاكتفاء بإعادة استخدام الزئبق الموجود في الصناعات إذا لم يكن هناك بديل عنه. وسبق للوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية والتعاون مباركة بوعيدة أن أوضحت أثناء عرض الاتفاقية أمام مجلس النواب، أن المصادقة على هذا القانون تندرج في إطار الإنشغال الدولي المتزايد بما تطرحه مادة الزئبق من مخاطر كمادة كيميائية تتسم بإمكانية انتقالها بعيد المدى في الجو وثباتها في البيئة بمجرد دخولها إليها بوسائط بشرية المنشأ، مع قدرتها على التراكم بيئيا في النظم الإيكولوجية وآثارها السلبية الكبيرة على صحة الإنسان والبيئة. وأضافت الوزيرة أن المغرب يؤكد كذلك من خلال هذه الخطوة على وعيه العميق باللمشاكل الصحية، وخاصة في البلدان النامية، والناجمة عن التعرض للزئبق بالنسبة للفئات السكانية الضعيفة مثل الأطفال والنساء ومنهم إلى الأجيال القادمة. وكانت اتفاقية «ميناماتا» بشأن الزئبق قد وقعت في 10 أكتوبر 2013 على هامش مؤتمر المفوضين المعني بهذه الاتفاقية الذي انعقد بهذا الخصوص بمدينة «كوماماتو» اليابانية. وترتبط تسمية الاتفاقية «ميناماتا»، بالحادث المأساوي الذي تعرضت له مدينة «ميناماتا» في اليابان عبر التلوث بالزئبق في منتصف القرن الماضي . وتتغيا الاتفاقية حماية صحة الإنسان والبيئة من الانبعاثات والإطلاقات بشرية المنشأ للزئبق ومركباته واستخدام أفضل الممارسات البيئية والتدابير والتكنولوجيات البديلة الصالحة بيئيا وتقنيا واجتماعيا. وارتباطا بهذه الاتفاقية، حل ببلادنا مؤخرا الدكتور ناجي قديح في زيارة خاصة للمغرب للتباحث مع الخبراء المغاربة ولمتابعة مستجدات اتفاقية «ميناماتا» بشأن الزئبق، وتبادل الخبرة والمعلومات حول التقدم في التحضير للتصديق على الاتفاقية. ويعد الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح أحد أكبر نشطاء البيئة المشتغلين على هذا الموضوع بالشرق الأوسط، وهو ممثل منظمة «إنديآكت» الشهيرة بلبنان، وكذا مستشار الموقع البيئي «كرين آريا» (green area). وهو أيضا أحد المفوضين المعنيين بهذه الاتفاقية. وفي هذا السياق، كان لنا معه هذا اللقاء الذي حاولنا من خلاله الاقتراب من أهداف الاتفاقية، وأيضا لامسنا عدد من المستجدات المرتبطة بالأزمة البيئية التي تشهدهات لبنان في الآونة الأخيرة دكتور ناجي قديج مرحبا بكم في وطنكم الثاني المغرب، ما دواعي زيارتكم للرباط؟ في إطار متابعاتي لاتفاقية «ميناماتا» بشأن الزئبق، وفي إطار التعاون بين منظمة إنديآكت(IndyACT)، مع مكتب البيئة الأوروبي(EEB)، ومجموعة العمل من أجل التخلص من الزئبق (ZMWG)، أنا في زيارة إلى المغرب الشقيق لتبادل الخبرة والمعلومات حول التقدم في تحضير بلداننا للتصديق على الاتفاقية بعد أن تم التوقيع عليها. والمغرب لعب ويلعب دورا مميزا في المفاوضات التي تستكمل حول الاتفاقية في حلقتها السابعة (INC7) والتي ستعقد في عمان – الأردن في شهر مارس من العام القادم 2016. وكذلك يقوم المغرب بتحديث أجندته الوطنية لتغطي كل مجالات استعمال الزئبق، تمهيدا لوضع البلد على طريق التنفيذ الميسر والسلس لأحكام الاتفاقية. وهذا يشكل نموذجا إيجابيا يوفر للمغرب إمكانية لعب دور ايجابي من بين دول عربية أخرى في إحداث التقدم المطلوب. ماذا أعددتم بلبنان بخصوص التخفيف من استعمال الزئبق؟ نحن في لبنان، كمنظمة غير حكومية ناشطة في هذا المجال على المستوى اللبناني والعربي والدولي، قمنا بعدد من الأنشطة والاتصالات مع كل الجهات المعنية باتفاقية الزئبق ومتابعة التحضير لإبرامها، فعقدنا عدة لقاءات مع ممثلين عن وزارة البيئة ووزارة الاقتصاد والتجارة، ووزارة الصناعة، والصحة، وعقدنا لقاءات مع نقابة أصحاب المستشفيات، ونقابة أطباء الأسنان، ونظمنا عدة ورش عمل للمنظمات غير الحكومية وأنشأنا لجنة وطنية للمتابعة، وعقدنا مؤتمرا وطنيا بمشاركة كل الشركاء المعنيين، من القطاع الحكومي والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأكاديمي، والنقابات المهنية المعنية، ولا سيما نقابة أطباء الأسنان ونقابة المستشفيات. ما هي أوجه التعاون بين لبنان والمغرب في مجال استعمال الزئبق؟ يشهد المغرب كما لبنان، تقدما ملحوظا في التخفيف من استعمال الزئبق في طب الأسنان، وكذلك في مجال التخلص من استعمال أجهزة القياس وبعض الأجهزة الطبية الأخرى المحتوية على الزئبق، كموازين الحرارة وغيرها. خلال هذه الزيارة سوف ألتقي بعض المنظمات غير الحكومية لمناقشة مواضيع التعاون على المستويات الوطنية والعربية والدولية، في مجال إبرام وتطبيق اتفاقية «ميناماتا»، وكذلك في الإطار الأوسع للسلامة الكيميائية والإدارة السليمة للمواد الكيميائية. وخصوصا أننا على أبواب انعقاد المؤتمر الدولي الرابع لإدارة المواد الكيميائية الذي سيعقد الشهر القادم في جنيف-سويسرا. أزمة النفايات في لبنان تشهد لبنان أزمة بيئية خانقة على مستوى تدبير النفايات ما هي مستجدات الوضع؟ نعم يشهد لبنان منذ أكثر من شهر أزمة في إدارة النفايات لم يشهد لها البلد مثيلا من قبل. ويعود ذلك للسياسات الخاطئة التي دأبت الحكومة اللبنانية على اعتمادها منذ عقود، ولتراكم الأخطاء التطبيقية وغياب الرقابة الجدية على مدى سنوات طويلة. ومن المعروف أن قطاع إدارة النفايات المنزلية في لبنان أكثر المجالات التي يتجلى فيها الفساد الذي يضرب كل مفاصل الدولة في لبنان مع الأسف الشديد. وأدى غياب الإدارة وتفاقم الفساد وسوء تقدير الأمور لدى وزارة البيئة والحكومة إلى ما وصلت إليه البلاد من أزمة مستمرة وتراكم النفايات في شوارع العاصمة وكل مدن ومناطق لبنان. وهكذا حل موعد انتهاء عقود الشركة المشغلة للقطاع دون أن تحضر وزارة البيئة والحكومة البدائل التي تؤمن استمرار الخدمات، فوقعت الكارثة، والتي كنا نحن كمجتمع مدني وكجمعيات بيئية وحركات وتجمعات بيئية نحذر منها على مدى أكثر من سنة ونصف. وعقدنا المؤتمرات الوطنية وكتبنا وصرخنا في الإعلام وفي التحركات الاحتجاجية، ولكن لم تبادر الحكومة لاتخاذ الإجراءات المناسبة لتفادي الأزمة ولا لمعالجتها السريعة بعد وقوعها. كيف انطلقت شرارة الأزمة بداية وكيف استفحل الوضع؟ وكانت بذور الأزمة بفصولها الجديدة قد ظهرت في القرار رقم 1 الذي اتخذته الحكومة في أواسط شهر يناير 2015، الذي سمته الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات، وقررت فيه إطلاق مناقصات لشركات تقدم عروضا لإدارة النفايات في لبنان، وقسمت لبنان إلى 6 مناطق إدارية. وكان مقتل هذه الخطة، إضافة للفساد المتفشي بشكل مفضوح في هذا القطاع تحديدا وآليات إدارته، أن تركت الحكومة للشركات اختيار تقنيات المعالجة والتخلص من النفايات، وكذلك اختيار مواقع المنشآت المتعلقة بمعالجة والتخلص من النفايات. وكنا قد حذرنا منذ اللحظة الأولى أن تخلي الحكومة عن صلاحياتها وترك هاتين المسألتين لتحددهما الشركات، سيؤدي إلى فشل أي مناقصة، وإلى عجز الشركات عن الاستجابة لهذين الشرطين، وستمتنع الشركات عن المشاركة، وإن شاركت فسيكون الفساد هو المنطق السائد والمحاصصة سيدة الموقف. وهذا أيضا ما سيؤدي إلى الفشل حيث أننا سنواجه تطبيق خطة من هذا القبيل ومعنا الشعب اللبناني بأسره. ومع تفاقم أزمة النفايات وتراكم مئات ألوف الأطنان من النفايات في الشوارع والمناطق اللبنانية، وانتشار المكبات العشوائية والحرائق وانتشار الروائح الكريهة والأدخنة والملوثات الضارة والخطرة على مجمل سكان البلاد، تحرك الشعب ومعه كل المنظمات والحركات البيئية في الشارع تحركات احتجاجية واعتصامات ومظاهرات في العاصمة، ودعمتها وتضامنت معها تحركات مماثلة في كل المناطق اللبنانية. وأدى القمع والتعامل القاسي للقوى الأمنية مع المحتجين إلى تزايد أعداد المشاركين فيها وإلى ارتفاع شعارات تنادي بإسقاط الحكومة وتغيير النظام، ما أعطى التحركات الاحتجاجية المتعلقة بالنفايات بعدا آخر أكثر جذرية ووضع البلاد في أزمة سياسية شاملة وعالية التعقيد. والتهبت الاحتجاجات مع إعلان نتائج فض عروض المناقصات حيث ظهرت المحاصصة الفجة وكذلك الأسعار الخيالية التي تشير إلى مستويات خطيرة من الفساد ومن سرقة لقمة المواطن اللبناني. وذلك أدى إلى التهاب الشارع من جديد وبشكل أوسع وأكثر حرارة، مما دعا بعض القوى السياسية، وخوفا على اهتزاز النظام ودخول البلاد في المجهول، إلى المطالبة بإلغاء المناقصات ونتائجها، وهذا ما حصل في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، حيث انسحب منها عدد غير قليل من الوزراء، واضطر المجلس لإقرار إلغاء نتائج المناقصات. هذا ما أراح الشارع اللبناني الذي كان يتهيأ لتصعيد كبير بتحركاته الاحتجاجية. إن القمع اللامسبوق الذي واجهت به الحكومة المحتجين، حيث وقع قتيل وعدد كبير من الجرحى، واستعمل فيه الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه وكذلك، لأول مرة نشهد قذف القوى الأمنية المحتجين بالحجارة الحادة، قد دل على ضعف السلطة وانكشاف الفساد المتفشي في الحكومة والدولة، ووضع البلاد على شفير مواجهات غير معروفة النتائج. الأزمة لا تزال مستمرة، ونأمل أن يعود العقل والاتزان إلى حكومة لبنان لتعالج هذا الأمر بالحكمة والاعتدال وليس بالقمع والتصعيد والانحياز الكامل للفاسدين ومافيا النفايات التي أصبحت مفضوحة بالكامل. ولا يزال الوضع في لبنان غير محدد الاتجاه الذي ستسير فيه الأمور.