عبد الرحيم ندير منذ سنوات، والرأي العام الدولي منشغل بالتلوث الناتج عن الاستعمال المتزايد للزئبق في العديد من المجالات، حيث أسفرت مختلف الدراسات المنجزة في هذا الصدد، إلى تصنيف هذه المادة ضمن قائمة المواد الأكثر خطورة على البيئة والوسط الطبيعي، بالنظر إلى حالات التسمم العديدة التي تم تسجيلها عبر العالم إثر التعرض للتلوث الناتج عنها، خاصة أن جزءا مهما من النفايات البشرية ذات الصلة بهذا المعدن، وحتى في كميات ضئيلة منها، يمكن أن تلوث الهواء والتربة والماء والمواد الغذائية، ومن تم التأثير سلبا على الإنسان والمس بنظامه الغذائي وحياته. وبالنظر إلى هذه الخطورة، فقد حظيت مشكلة المعادن الثقيلة ومركباتها، وعلى رأسها الزئبق، باهتمام خاص على الصعيد العالمي، وباتت مسألة تقنين التعامل بها من القضايا الهامة التي تصدر بخصوصها الهيئات الدولية العديد من القرارات، بهدف خفض معدل انبعاثاتها الملوثة والعمل بالتالي على الحد من استعمالها المتنامي. وهكذا، فقد تطورت التشريعات على مستوى الاتحاد الأوربي، واعتمدت العديد من التوجيهات التي انصبت في مجملها على الحد من كمية تدفق هذا المعدن، وتعزيز أفضل التقنيات المتاحة للحد من نفايات المواقع الصناعية والمعدنية المتعلقة به. وعليه، فقد وضع الاتحاد الأوربي الزئبق على رأس المواد الأكثر خطورة، وتم بناء على ذلك، اتخاذ العديد من التدابير التي تستهدف منع تصريف هذه المادة في المياه الجوفية، نذكر منها الاستراتيجية الجماعية الأوربية لحظر استيراد وتصدير الزئبق بحلول عام 2010 فضلا عن العديد من المبادرات الأخرى. كما قررت حكومات 140 بلدا بلورة معاهدة دولية حول الزئبق، لمواجهة خطر النفايات المتأتية من هذه المادة الملوثة، التي تهدد جودة البيئة وسلامة الصحة، سيما عندما يتعلق الأمر بصحة الأطفال. ولم يحد المغرب عن هذا التوجه العالمي، حيث وضع رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، بالأمانة العامة لحكومته، مشروع قانون يوافق بموجبه على اتفاقية «ميناماتا» بشأن مادة الزئبق الموقعة في 10 أكتوبر 2013، خلال المؤتمر الدبلوماسي المنعقد بمدينة «كوماموتو» اليابانية، والتزم المغرب بموجب هذه الاتفاقية بمنع استيراد وتصدير مادة الزئبق وتعزيز إلغاء التنقيب عنه والاكتفاء بإعادة استخدام الزئبق الموجود في الصناعات إذا لم يكن هناك بديل عنه. وحسب مشروع القانون الذي عرض على اجتماع المجلس الحكومي، فإنه «إقرارا من الدول الأطراف بأن مادة الزئبق مادة كيميائية تثير انشغالا عالميا بسبب انتقالها البعيد المدى في الجو وثباتها في البيئة بمجرد دخولها إليها بوسائط بشرية المنشأ وقدرتها على التراكم بيئيا في النظم الإيكولوجية وآثارها السلبية الكبيرة على صحة الإنسان والبيئة. وإدراكا منها للمشاكل الصحية وخاصة في البلدان النامية، والناجمة عن التعرض للزئبق بالنسبة للفئات السكانية الضعيفة كالأطفال والنساء ومن خلالهم الأجيال القادمة، وقعت اتفاقية «ميناماتا» بشأن الزئبق على هامش مؤتمر المفوضين المعنيين بهذه الاتفاقية». وتهدف هذه الاتفاقية، التي سميت اتفاقية «ميناماتا» تخليدا للذكرى المأساوية التي تعرضت لها مدينة «ميناماتا» في اليابان بسبب التلوث بالزئبق في منتصف القرن الماضي، حيث أدت إلى وفاة أكثر من 10 آلاف شخص، إلى حماية صحة الإنسان والبيئة من الانبعاثات والإطلاقات بشرية المنشأ للزئبق ومركباته. وتحد الاتفاقية من الاستيراد والاتجار في الزئبق واستخدام هذا الفلز في المنتجات والعمليات الصناعية (كالبطاريات، ومصابيح الفلورسنت المدمجة، والمصابيح الفلورية الخطية، ومستحضرات التجميل، والمبيدات الحشرية، وملاغم الأسنان، والأجهزة الطبية، مثل موازين الحرارة). وسيتم ذلك على مراحل حتى حلول عام 2020. كما تحظر الاتفاقية التعدين الأولي للزئبق وتعمل على تخفيض استخدام الزئبق في محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، ومناجم الذهب الصغيرة، وفي إنتاج الإسمنت. غير أن الواقع الميداني لاستعمال الزئبق في المغرب مازال يبتعد بشكل كبير عن الإطار التشريعي المتقدم، فحجم نفايات الزئبق التي تقذفها سنويا المحطات الحريرية ومعامل الإسمنت ومطارح النفايات بالمدن المغربية يتجاوز 9 أطنان، ينقلها الهواء لتترسب في الماء والتربة مهددة حياة الملايين كقاتل صامت ظل ومازال يعيش بيننا.
9 أطنان من نفايات الزئبق السام تقذف في الهواء والماء والتربة بالمغرب معظمها يأتي من مطارح النفايات ومعامل الإسمنت والمحطات الحرارية لإنتاج الكهرباء رغم أن المغرب كان من بين المصادقين سنة 2013 على اتفاقية «مينياماتا»، التي التزم بموجبها بمنع استيراد وتصدير مادة الزئبق وتعزيز إلغاء التنقيب عنه والاكتفاء بإعادة استخدام الزئبق الموجود في الصناعات إذا لم يكن هناك بديل عنه، في أفق سنة 2020، فإن المنحى الذي يتخذه حجم نفايات الزئبق التي يتم قذفها في الهواء والماء والتربة لا يوازي هذا التوجه، حيث تكشف مضامين دراسة أنجزت من طرف مكتب الدراسات B2IS في إطار الصفقة رقم 3/DSPR/2008 لفائدة المديرية العامة للمراقبة والوقاية من المخاطر، قطاع البيئة، كتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة التابعة لوزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، والتي تم التحفظ عليها ولم يتم نشرها بسبب نتائجها الخطيرة، عن نتائج صادمة في هذا الإطار. أطنان من نفايات الزئبق السامة تقدر الدراسة التي أعدتها وزارة البيئة حجم النفايات السامة للزئبق بحوالي 9 أطنان في السنة، منها 3580 كيلوغرام تقذف في الهواء، و1280 تقذف في الماء، و3900 في التربة، مشيرة إلى أن حصة الأسد تأتي من مطارح النفايات التي تنتج أزيد من 4600 كيلوغرام من نفايات الزئبق، تليها المحطات الحرارية التي تعتمد على الفحم والفيول في إنتاج الكهرباء ب1758 كيلوغرام، ثم معامل الإسمنت ب1600 كيلوغرام، والبطاريات ب300 كيلوغرام، والتحليل الكهربائي لحمض كلوريدريك الصوديوم ب285 كيلوغراما، وملاغم الأسنان ب250 كيلوغراما، وصهر الرصاص والفولاذ ب180 كيلوغراما، ثم موازين قياس الحرارة ب150 كيلوغراما، بينما تظل نسبة نفايات الزئبق الناجمة عن المصابيح الكهربائية الاقتصادية غير معروفة. ورغم أن الدراسة تؤكد أن هذه المعطيات كاملة أو دقيقة بالتمام، إذ لم يتسن إجراء تقييم دقيق لكميات النفايات المعدنية بسبب عدم وجود المعطيات، وحتى بالنسبة للنفايات المائية، فهي تقترب نوعا ما من الحجم الحقيقي لنفايات الزئبق التي تهدد صحة المغاربة. المحمدية أكثر المدن تلوثا بالزئبق وتخلص المعطيات التي توصلت إليها «المساء» من خلال الدراسة إلى أن منطقة المحمدية تعد من بين أكثر المناطق تلوثا بمادة الزئبق السام، خاصة على مستوى الشواطئ، وتطرح هذه المسألة أكثر من علامة استفهام حول معرفة السلطات بهذه النتائج الخطيرة والتستر عليها والاقتصار فقط على عدم منح مجموعة من الشواطئ الواقعة بين المحمدية والدار البيضاء، مثل شاطئ الرمال والمركز ومانيسمان وأولاد حميمون وبالوما وزناتة الكبرى وزناتة الصغرى والنحلة والسعادة، اللواء الأزرق، وذلك دون اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل منع الاستحمام في هذه الشواطئ. ومن خلال تركيبة نفايات الزئبق ومصادرها المحتملة، تظهر المحطة الحرارية للمحمدية شركة «سنيب» على رأس قائمة المتهمين بتلويث المنطقة بالمعدن السام. ويتعزز هذا الطرح من مضامين الدراسة التي تورد في صفحتها 19، وانطلاقا من جدول يحدد مقدار المقذوفات من الزئبق في القطاع الطاقي، يتبين أن المحطة الحرارية للمحمدية تستهلك حوالي 700 طن من الفحم في السنة ينتج عنها 133 كيلوغراما من نفايات الزئبق تقذف في الهواء. كما تستهلك المحطة، كذلك، 420 طنا من الفيول في السنة ينتج عنها حوالي 420 كيلوغراما من الزئبق تقذف هي الأخرى في الهواء. غير أن المعلومة المفاجئة التي حصلت عليها «المساء» خلال زيارتها ل»سنيب» هو تخلي الشركة عن وحدة التحليل الكهربائي بالزئبق واستعمالها حاليا لتكنولوجيا نظيفة تعتمد على التحليل الكهربائي بغشاء، هذا إلى جانب استعمال الشركة لمحروقات نظيفة مثل الهيدروجين عوض البروبان، وإنشاء وحدة لمعالجة المقذوفات السائلة التي ترمي بها في البحر. لكن، وخلال اطلاعنا على وثائق صادرة عن مختبر «التلوث السمي والمخاطر الصحية»، الذي يشرف على الدراسات البيئية التابعة ل»سنيب»، ثبت لنا أن الشركة ما زالت تصرف نسبة تقدر ب 0.15 ملغ في اللتر من الزئبق، وهو ما يؤكد استمرار استخدامها لعناصر تحتوي على الزئبق، كما أن خبيرا في العناصر الثقيلة أكد لنا أن انقطاع الشركة عن استعمال الزئبق في عملياتها الإنتاجية لا يعني أن هذا الزئبق سيختفي من الشواطئ التي كانت الشركة ترمي فيها مقذوفاتها السائلة، وبالتالي، فإن احتمال وجود الزئبق في سواحل المحمدية نتيجة المقذوفات السائلة التي كانت ترمي بها «سنيب» قبل استخدامها لوحدة التحليل الكهربائي بغشاء يبقى واردا بقوة. ولابد من الإشارة هنا إلى أن الدراسات تؤكد أن إنتاج غاز الكلور والصودا بالتحليل الكهربائي لمحلول الملح يتطلب استهلاك كميات هائلة من الزئبق كقطب كهربائي غير ثابت، فالمصنع الذي ينتج مائة طن من غاز الكلور في اليوم يستخدم كمية من الزئبق تتراوح بين 30 و60 طن. ووفقاً لبعض التقديرات، فإن مصنعا كهذا يسرّب للبيئة ما يقرب من 0.17 كلغ من الزئبق مقابل إنتاج طن واحد من غاز الكلور. الزئبق يهدد البشر ومياه الشرب والمواشي معطيات أخرى كشفت عنها الدراسة التي أنجزتها وزارة البيئة، بعد تقييم الوضع في بعض مطارح النفايات، حيث أكدت أن التسممات الحادة والمزمنة بالزئبق حاضرة بقوة لدى أي شخص يقضي 6 ساعات على الأقل يوميا في مطرح عمومي، كما هو الحال بالنسبة للعاملين بالمطارح الذين يعملون على فرز النفايات، أو بالنسبة للأشخاص الذين تفرض عليهم مهامهم المهنية تكرار زيارة هذه المطارح. ومن المهم الإشارة كذلك إلى أن التلوث بالزئبق يصيب قطيع الأبقار المدرة للحليب بالضرر، إذا كانت تتردد باستمرار على هذه المطارح من أجل الرعي. وتدعو الدراسة إلى حتمية وضع إجراءات تستهدف التقليل في الأمد القصير من خطر «الزئبق»، سواء بالنسبة للكادحين في أزبال مختلف مطارح المغرب وأيضا بالنسبة لقطيع الماشية الذي يرتاد يوميا هذه المطارح. وعليه، فهذه المقاربة تدعو إلى تدشين تفكير حقيقي وموسع حول ضرورة بلورة دراسات وطنية موسعة على الصعيد الوطني، إذ ثبت فعليا بأن الزئبق يتبخر بسهولة، ويمكن لجزيئاته أن تتنقل عبر الرياح في شكل بخار أو بالالتصاق في الجسيمات الدقيقة، كما أن هذا المعدن السام يمكن أن يمكث في الهواء لمدة تفوق السنة ويخترق عدة مسافات. وبالنسبة للتعرض لخطر الزئبق عن طريق شرب مياه الآبار الملوثة بترشحات نفايات المطارح، ترى الدراسة أنه الوضع الأكثر سوءا، حيث أن الشريحة المفترض تعرضها لخطر المياه الملوثة بالزئبق تشمل الكبار والصغار، وتؤكد أن مستوى الزئبق في هذه الحالة يمكن أن يتجاوز تركيزه 14 ملغ وهي قيمة عالية بالنسبة لجميع الفئات العمرية. وللمزيد من التوضيح، تشير الدراسة إلى أنه إذا ارتفعت درجة حرارة النفايات، فإن تركز الزئبق يرتفع هو الآخر، وعليه فإن مؤشرات الخطر المسجلة تصل إلى 1000 عند الدرجة 50°C وتتضاعف إلى 000 10 عند درجة الحرارة 75°C، فإذا رجعنا إلى معطيات منظمة الصحة العالمية، نجدها توصي بأن لا تتجاوز نسبة تركز الزئبق في الهواء المحيط بالمطارح التي يمتهن فيها الأشخاص فرز الأزبال باعتبارهم الشريحة الأكثر عرضة لبخار الزئبق معدل من 25 μg/m3 إلى 500 μg/m3 عند أقصى درجات التعرض؛ غير أن الوضع عندنا بمطرح مديونة، مثلا، مختلف تماما، إذ يوازي معدل تركز الزئبق عند درجة حرارة 25 مئوية، ما بين 22 و 45 و 90 μg/m3 حسب اختلاف عمق النفايات ما بين 0.5 ، 1 و 2 متر على التوالي. أما في الدرجة القصوى فيصل معدل التركز إلى 560 و 1130 و 2260 g/m3 بالنسبة للعمق نفسه. ونتيجة لذلك تدعو الدراسة إلى حتمية وضع إجراءات تستهدف التقليل في الأمد القصير من خطر «الزئبق»، سواء بالنسبة للكادحين في أزبال مختلف مطارح المغرب، وأيضا بالنسبة لقطيع الماشية الذي يرتاد يوميا هذه المطارح من أجل الرعي. كما تناشد جميع المسؤولين، بضرورة فتح نقاش حقيقي وموسع، من أجل بلورة دراسات موسعة على الصعيد الوطني لمواجهة خطر انبعاثات الزئبق؛ فقد أصبح من الثابت علميا، قابليته للتبخر بسهولة، وقدرة جزيئاته على التنقل عبر الرياح في شكل بخار أو بالالتصاق في الجسيمات الدقيقة، أكثر من هذا، يمكن للزئبق المكوث في الهواء لمدة تفوق السنة واكتساح عدة مسافات، وقد تتأكسد جزيئاته في الأرض، ويصبح أمد حياتها أقل مقارنة مع تواجدها بالهواء ( أقل بأسبوعين)، لكنها خلال هذه الفترة، تحتل وتلوث كل الحيز البيئي الذي تسقط عليه، بفعل قوتها الكبيرة على التفاعل مع الماء والذوبان فيه.
قاتل صامت يستهدف الدماغ والكلي ويضعف الخصوبة يتبخر في درجة حرارة الغرفة وتختلط ذراته مع الهواء دون أن يدركها الإنسان يعتقد البعض أن سقوط مقياس الحرارة (تيرمومتر) على الأرض وتكسره، أو تهشم مصباح اقتصادي داخل غرفة، حادث بسيط، لكن الحقيقة صادمة بشكل كبير، إذ من الممكن أن يصبح ذلك أمرا شديد الخطورة على الإنسان نتيجة احتمال إصابته بتسمم الزئبق السائل. وتزداد الخطورة إذا حدث ذلك في غرفة الأطفال، ودخلت مادة الزئبق السائل جسم الأطفال أو الراشدين عن طريق الجروح السطحية مثلا. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن ما يجعل الزئبق يحمل بامتياز لقب القاتل الصامت، أنه يتبخر في درجة حرارة الغرفة وبالتالي تختلط ذراته مع الهواء دون أن يدركها الإنسان، خاصة أنها عديمة الرائحة واللون. وعندما يستنشق الإنسان هذا الهواء، فإن ذرات الزئبق تدخل للرئة وتصل بالتالي إلى الدم والمخ. ولا يشذ المغرب عن الإجماع حول خطورة الزئبق، حيث صنقت وزارة البيئة هذا الفلز من بين أخطر الملوثات على صحة الإنسان، معتبرة أنه شديد السمية بسبب خصوصياته الكيميائية في مختلف الأوساط البيئية والبيولوجية، حيث ينفذ إلى جسم الإنسان انطلاقا من قناتين رئيسيتين هما الاستنشاق والابتلاع. وتفيد المعطيات والوثائق الصادرة عن الوزارة بأن للزئبق القدرة على الوصول إلى «الأجهزة المستهدفة» المفضلة والتراكم داخلها، محدثا خللا في وظائفها البيولوجية على المدى الطويل. وتظهر دراسات عديدة أن التعرض للتلوث بسبب الرصاص والزئبق يمكن أن يؤثر على الجهاز العصبي وعلى ظائف الكلى والكبد والجهاز التنفسي والقدرة الإنجابية. ويعد الأطفال الصغار والنساء الحوامل الأشخاص الأكثر عرضة للآثار السلبية لهذه المواد التي تصيب في الغالب الجهاز الهضمي، القلب والأوعية الدموية، الكلى، والغدد الصماء. وتزداد خطورة التسمم الناتج عن الزئبق، في حالة تراكمه بالدماغ، وهو في شكل معدني، أو عند التعرض لإفرازاته بشكل مستديم؛ وتبقى الكلية في هذه الحالة الجهاز الأكثر عرضة للإصابة. ومن بين أعراض التسمم بالزئبق السائل، حدوث اضطرابات في النوم وتهيج الجلد، وحدد الأطباء مجموعة من الأعراض الخاصة بالتسمم الذي يسببه الزئبق السائل، كما يقول توماس جيبل خبير السموم بالهيئة الاتحادية للأمراض الناتجة عن ظروف العمل في مدينة دورتموند الألمانية: «ثمة حالات موثقة تاريخيا ترصد حدوث تغيير في طريقة كتابة بعض الأشخاص، مضيفا: «لاحظنا أن خطهم يميل دائما إلى أسفل في نهاية السطر إذ أنهم فقدوا القدرة على الكتابة بخط مستقيم». وتكمن خطورة بخار الزئبق السائل في أنه يبقى في المكان فترة طويلة كما يوضح جيبل قائلا: «الأمر هنا يختلف عن بخار الماء الذي يختفي بسرعة، فالزئبق السائل يتبخر ببطء على مدى أيام وأسابيع طويلة ويحتاج لفترات طويلة حتى تزول آثاره». وحسب منظمة الصحة العالمية، لا تقتصر الخطورة على الزئبق السائل فحسب، بل تمتد لملح الزئبق والكثير من مشتقاته. فعندما ينتهي الحال بهذه المواد في البحار والأنهار مع المخلفات الصناعية، فإن الكائنات البحرية تمتصها، وبالتالي فهي تعود للإنسان مرة أخرى بشكل مكثف عن طريق تناول الأسماك مثلا. ويؤكد المصدر ذاته أن وصول كميات مكثفة من الزئبق لجسم الإنسان عن طريق الكائنات البحرية لا يؤثر على الجهاز العصبي فحسب، بل على الخصوبة أيضا. وبالتالي ليس من الغريب أن تكشف دراسة علمية أجرتها الجمعية المغربية لأمراض المسالك البولية، أن 45 في المائة من الرجال في المغرب يعانون من ضعف الانتصاب، من بينها 13 في المائة من الحالات التي تعتبر من الحالات الشديدة». ومن المفارقات الغريبة في التعامل مع الزئبق السائل أن الأطباء في نهاية القرن التاسع عشر كانوا يعطون كميات كبيرة منه لمرضى الانسداد المعوي كوسيلة للعلاج، ويوضح خبير السموم بالهيئة الاتحادية للأمراض الناتجة عن ظروف العمل هذا التناقض قائلا: «شرب الزئبق السائل قد ينظف الأمعاء غير أن تناوله عن طريق الفم يختلف تماما عن استنشاقه…فعندما يتحول الزئبق السائل لبخار فإن ذراته تكون منفصلة في هذه الحالة وتمتصها الرئة بسهولة، وبالتالي تظهر آثارها السامة على الجسم على عكس تناوله بالفم في الصورة السائلة. لكن مع ذلك لا ينصح الخبير بتجربة تناول الزئبق السائل كوسيلة علاجية خاصة، مشيرا إلى أن معظم المرضى آنذاك لقوا حتفهم بسبب هذا العلاج، لأن مخاطر استنشاق بخار الزئبق تظل قائمة حتى أثناء تناوله كسائل.
المصابيح الاقتصادية.. خطر الزئبق يحلق فوق رؤوسنا تقارير توصي بإخلاء المكان مدة 15 دقيقة وعدم لمس الشظايا عند انكسار هذه المصابيح مخاطر الزئبق أصبحت أقرب إلى المغاربة من حبل الوريد، فقد حذر المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية التابع لوزارة الصحة من ارتفاع نسبة التسمم بهذا الفلز الذي يدخل في التركيبة الصناعية لبعض المصابيح الكهربائية الاقتصادية التي تدخل المغرب عن طريق التهريب، وذلك بسبب عدم احترام بعض الشركات المستورة لمعايير الجودة والسلامة الصحية كما هي محددة في المعايير الدولية، وغياب المراقبة للمنتجات المستوردة من الخارج، خاصة المنتوجات الصينية التي اكتسحت الأسواق. وتضطر العائلات المغربية إلى استعمال هذه المصابيح لخفض استهلاك الطاقة الكهربائية، كما يتبنى المكتب الوطني للكهرباء بدوره برنامجا لتعميم هذا النوع من المصابيح. وتتسبب المصابيح التي تفوق نسبة الزئبق فيها 18 ميلغراما في مخاطر عدة من بينها مشاكل تنفسية، تكون خفيفة إلا أنها من الممكن أن تصل خطورتها إلى ضيق حاد في التنفس، كما أن ارتفاع نسبة الزئبق يتسبب بمشاكل في الجهاز العصبي، ويؤثر بشكل خطير على الدماغ، وأيضا يتسبب في خلل في عمل الكليتين. ويجمع الأطباء المغاربة على أن خطورة هذه المصابيح الاقتصادية تزداد في حال تكسرها، إذ تنتشر مادة الزئبق بطريقة خطيرة في المكان، لذا ينصح بعدم لمس الشظايا، إلا بعد ارتداء قفازين، وعدم استعمال المكنسة الكهربائية، لأنها تساهم في انتشاره، وتزيد في خطورة التعرض إلى تسمم. ويؤكد المصدر ذاته أن هذه المصابيح ذات الاستهلاك الطاقي المنخفض، يجب أن تحترم نسبة الزئبق الموصى بوجوده عالميا، إذ يجب أن تكون نسبته ما بين 1 إلى 5 ميلغرامات، ولا يجوز أن تتعدى هذه النسبة 18 ميلغراما، لأنها تتحول إلى خطر حقيقي على صحة المستهلك. ويطلق هذا النوع غير المراقب من المصابيح أشعة ما فوق البنفسجية، تتسبب بشكل كبير في سرطان الجلد، كما أنها تساهم في ضعف البصر، إضافة إلى إطلاقها أشعة كهرومغناطيسية، تتسبب، هي الأخرى، في الإصابة بالدوار والغثيان وأمراض أخرى، وبالتالي، يوصي الخبراء بالابتعاد عن المصباح قدر المستطاع، والجلوس بعيدا عنه بمسافة لا تقل عن 30 سنتمترا. وحركت هذه المخاطر المحتملة جمعيات حماية المستهلك التي دعت إلى تدخل عاجل للدولة، وتفعيل قانون حماية المستهلك، وتنظيم تسويق المصابيح ذات الاستهلاك الطاقي المنخفض، من أجل ضبط المراقبة وإلزام الشركات المستوردة بتوفير المعلومات الكافية حول المصابيح الاقتصادية، عن طريق كتابة المعلومات الإرشادية على العلب، حتى يستطيع المستهلك معرفة نسبة الزئبق الموجودة بها، والتي يجب أن تحترم شروط الصحة. بالمقابل، حذّرت جمعيات أوربية من خطر استعمال المصابيح الاقتصادية، لما تتركه هذه الأخيرة من أثر سلبي على الدماغ والجلد بالدرجة الأولى، حيث أنها تطلق أشعة كهرومغناطيسية بكميات كبيرة، تشكل خطورة على صحة الأشخاص القريبين منها. وأثار تقرير أصدرته منظمة البيئة الهولندية مخاوف العديد من الأشخاص، حيث أكد احتواء المصابيح الاقتصادية على مادة الزئبق، مؤكدا أن هذه الأخيرة تعد من أكثر المواد السامة على وجه المعمورة. وذهب التقرير إلى أبعد من ذلك، حين أوصى في حال انكسر المصباح بمغادرة المكان لمدة 15 دقيقة، ثم جمع بقاياه باستعمال قفازات مطاطية، مع تجنّب استعمال المكنسة الكهربائية، ووضعها في كيس مغلق بإحكام ورميه في مواقع النفايات الآمنة.
مستحضرات تبييض البشرة.. الزئبق يتحول من نعمة إلى نقمة مضاره لا تقتصر على مستعمليه بل تتجاوزهم إلى الأطفال المحيطين بهم مستحضرات تبييض البشرة يمكن أن تتحول من نعمة إلى نقمة إذا كانت تحتوي على الزئبق ولو بنسب قليلة. فالأطباء يصنفون هذه المستحضرات في رتب متقدمة كمسببات للتسمم، مؤكدين أن مضار المعدن السام لا تقتصر في مستحضرات تبييض البشرة على الشخص الذي يستخدمها، بل تتجاوزه إلى المحيطين به، حيث إن أبخرة الزئبق قد تؤثر في الأطفال وتؤدي إلى تدمير أجهزتهم العصبية وتأخير نموهم العقلي. والخطير أن وزارة الصحة بالمغرب تقر بأن العديد من مواد التجميل لا تخضع للمراقبة، حيث تبقى مسؤولية أخذ الحيطة والحذر ملقاة على عاتق المستهلك الذي يستعملها. وتحذر منظمة الصحة العالمية من أن مادتي الزئبق والرصاص تدخلان في صناعة مستحضرات تفتيح البشرة وأحمر الشفاه ما يلحق ضررا كبيرا بملايين النساء. وكشف مسح أجرته وكالة الأغذية والعقاقير الأمريكية «إف دي أي» أن 35 من مستحضرات تفتيح البشرة تحتوي على مادة الزئبق التي تلحق أضرارا بالغة بالجلد، وتوصي الوكالة بقراءة مكونات المستحضر قبل اقتنائه. وأكد رئيس قسم تنظيم الصيدلة والمنتجات الطبية محمد أبو الخير، سعي كثير من الناس إلى استخدام مستحضرات تبييض البشرة، وأحياناً يستخدمونها لإزالة البقع أو الكلف، خصوصاً النساء، لافتاً إلى وجود هذه المستحضرات بكثرة في الأسواق المحلية، وتأتي أغلبيتها من الصين وتايلاند، وأكثرها لم يكتب عليه محتوياته، مضيفاً أنه خلال الأعوام الماضية تم تحليل كثير من مستحضرات التبييض من قبل جهات عدة، وصدر في كثير منها تحذيرات عالمية، بعدما وجد أنها تحتوي على مادة الزئبق بنسبة أعلى من المسموح بها عالمياً. وقال أبو الخير، قديماً كان يستخدم الزئبق أو مشتقاته في كريمات تفتيح البشرة والصابون، وهو فعال بشكل كبير في تفتيح اللون، وحتى عام 1970 كان من الطبيعي أن تجد مشتقات الزئبق في هذه المستحضرات، لكن وبعد سنة 1976 تم اكتشاف خطورة الزئبق، وحظر استخدامه في تلك المستحضرات في أوربا، وبعدها بسنوات تم حظره في الولاياتالمتحدة الأميركية ومجموعة من البلدان الأخرى. وكان المركز الوطني للوقاية من التسممات واليقظة الدوائية بالمغرب قد سجل ألف و74 حالة تسمم بواسطة مواد التجميل خلال 31 سنة الماضية، وأدى استهلاك بعض المواد إلى وفاة 13 طفلا ورضيعا واحدا. وذكر تقرير حديث للمركز ذاته أن مادة «البارافينيلين ديامين»، تبقى من المواد الأكثر إحداثا للتسمم وذلك بنسبة 18.65 في المائة، تليها المواد التي تستعمل لتبييض الوجه ب 14.25 في المائة، والتي لا تُعرف تركيبتها العضوية ولا مصدرها، يضاف إلى ذلك تلك المواد التي تستعمل في تصفيف الشعر ب 12.11 في المائة بسبب احتوائها على مادة سامة تنعت ب»الأسيتون». وكشف التقرير أن العديد من التسممات التي تسببها مواد التجميل تأتي عن طريق الفم وذلك بنسبة 90.15 في المائة من الحالات، و2.98 في المائة من الحالات عن طريق الجلد، و2.78 عن طريق الاستنشاق. وتحذر عدة هيئات صحية عالمية أخرى من استخدام مستحضرات تبييض البشرة التي تحتوي على مادة الزئبق، لافتة إلى أنها قد تؤدي إلى التسمم تدريجياً.
حشوات الأسنان الزئبقية.. قنابل موقوتة تدمر أنسجة الفم والمخ رغم أن الأطباء يجمعون على خطورة حشوات الأسنان المصنوعة من الزئبق، إلا أن وزارة الصحة والمؤسسات الاستشفائية بالمغرب لم تقم إلى الآن بدراسات معمقة حول الموضوع، ولم تتخذ إجراءات لوقف استعمال هذا النوع من الحشوات من طرف أطباء الأسنان. لكن بالمقابل، تصنف منظمة الصحة العالمية ملاغم الزئبق التي تستخدم في صناعة الحشوات كأحد المصادر الرئيسية للتعرض لخطر التسمم بالزئبق، موضحة أن الملايين لديهم حشوات في أسنانهم، وعندما يقول أطباء الأسنان إنهم يستخدمون حشو الفضة فإنهم عادة يقصدون الملاغم التي تتميز بلونها الفضي واحتوائها على 50 في المائة من الزئبق و25 في المائة من الفضة و25 في المائة من النحاس والقصدير والنيكل. وبرغم أن كل هذه المعادن المستخدمة في الحشو يمكن أن تكون سامة إلا أن الزئبق هو الأكثر ضررا، فحشوة واحدة من الملغم يمكن أن تطلق نحو 17 ميكروجرام من الزئبق كل يوم، ويتحد بخار الزئبق المتصاعد من الحشوة مع المواد الكيميائية الموجودة في الفم فتتكون كمية ضئيلة من ميثيل الزئبق السام الذي يتم امتصاصه عن طريق أنسجة الفم والممرات الهوائية ويصل إلى الدم ثم المخ وباقي أنسجة الجسم. ويستمر كثير من الناس في المعاناة من المشاكل الصحية أعواما عدة، خاصة أعراض تقلص العضلات والإرهاق المزمن والعدوى المتكررة التي لا تزول إلا بعد إزالة الحشوة الموجودة في الأسنان. وفي ظل صمت أطباء الأسنان المغاربة وعدم رغبتهم في الخوض في الموضوع، استعنا بتصريحات عضو جمعية طب الأسنان الكلي في العاصمة الألمانية برلين، الدكتورة كلاوديا هيسه التي أقرت صراحة بأن كميات صغيرة من الزئبق تنبعث من الحشوات باستمرار، جزء منها يترسب في الجسم مثل الأنسجة الضامة والأعضاء. ويضيف المصدر ذاته أن الزئبق لا ينبعث في شكل غبار فحسب، بل يمكن أيضاً أن تنبعث أيونات الزئبق من الحشوات بفعل الأحماض، ومن ثم تنتقل عبر اللعاب إلى الجهاز الهضمي، حيث يتم امتصاصها وتوزيعها في الجسم عبر الدورة الدموية، مؤكدة أن الخطورة كلها تكمن في بخار الزئبق الذي ينشأ في المقام الأول أثناء تناول الأطعمة والمشروبات الساخنة. وأوضحت الطبيبة الألمانية أن خطورة هذا البخار هو أنه يتم استنشاقه عبر الأنف والفم، ومن ثم يصل إلى الدم، وحينئذ يمكنه أن يخترق كل الأنسجة، وكذلك الحاجز الفاصل بين الدم والمخ، والذي يُشكل درعاً واقياً للمخ من السموم. وبحسب عضو الجمعية الألمانية لعلم سموم المعادن السريري، الدكتور بيتر ينريتش، فإنه «كثيراً ما تظهر أعراض عصبية مثل التوتر الداخلي والإنهاك، وكذلك الشعور بصداع أو متاعب معوية». ويقول ينريتش: «يمكن أن يكون التسمم بالزئبق عاملاً مساعداً للإصابة بجميع الأمراض المزمنة تقريباً». ويشير الدكتور ينريتش إلى أن «الفحوص التقليدية لا يمكنها تحديد الإصابة بتسمم الزئبق ودرجة شدتها»، معللاً ذلك بقوله: «فحص الدم التقليدي أو فحص عينة البول لا يظهران كل شيء». ونظراً لترسب السموم في الأنسجة والأعضاء، لا يمكن الاستدلال على وجود تسمم إلا من خلال إجراء اختبار استثارة خاص في إطار ما يُعرف باسم «العلاج بالاستخلاب»، إذ يتم إعطاء المريض عوامل استخلاب، وهي عبارة عن مركبات عضوية يمكنها تجميع أيونات المعادن المختبئة وتصريفها، ومن ثم يمكن تحديد مدى الإصابة الفعلي من خلال البول. وبالرغم من الخطورة البينة لملاغم الزئبق، ما زال العديد من أطباء الأسنان يفضلون استخدام هذا النوع من الحشوات، وبالأخص في الأسنان الخلفية، نظرا إلى قدرتها العالية على تحمل ضغط الأسنان، وبالأخص عند مضغ الطعام، كما أنها تُستخدم للأشخاص الذين لا يهتمون كثيرا بنظافة الفم والأسنان، حيث إن الأنواع الأخرى من الحشوات التجميلية تتطلب عناية أكثر وفما نظيفا طوال الوقت. ومن المشكلات التي يمكن أن يواجهها المرضى مع الحشوة الفضية، الحساسية المؤقتة بعد وضعها مباشرة، وبالأخص عند شرب السوائل الحارة والباردة. ويمكن القول إن العزوف عن استخدام هذا النوع من الحشوات، يكون بسبب لونها الفضي، وبالأخص في علاج الضواحك من الأسنان، أضف إلى ذلك أنه عند تحضير السن للحشوة يتطلب الأمر إزالة مساحة من السن قد تكون أكبر من مساحة التسوس، عكس الحشوة بلون السن التي تحافظ على مساحة أكبر من سطح السن السليم، إلى جانب توفر عدة بدائل أخرى.
عبد الحليم: الأسماك المشبعة بالزئبق أكبر خطر يهدد صحة المغاربة المتخصص في الطب العام قال إن استنشاق بخار الزئبق أو ملامسته يمكن أن يؤدي إلى الوفاة يرى الدكتور إبراهيم عبد الحليم المتخصص في الطب العام أن الزئبق من بين أخطر المواد سمية في الطبيعة، مؤكدا أن دخول كميات ضئيلة منه إلى جسم الإنسان يمكن أن تؤدي إلى نتائج صحية وخيمة أخطرها الوفاة. كما يشير الدكتور إلى أن الأسماك تبقى أخطر مصدر للتسمم بالزئبق في المغرب، بالنظر إلى أن المغاربة يستهلكونها بكثرة، وكذلك لحساسيتها المفرطة وقدرتها الكبيرة على امتصاص الزئبق السائل في المياه. – ينتج المغرب حوالي 9 أطنان من نفايات الزئبق تقذف في الهواء والتربة والمياه، ما مدى خطورة هذه النفايات على صحة المغاربة؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال، لابد أن نعرف بعض الخصائص الزئبقية كي تكون الإجابة واضحة، فالزئبق هو فلز من الفلزات القليلة التي لا يحتاجها جسم الإنسان، ولا يجب أن تكون منه ولو نسبة قليلة داخله، وهو يعتبر أكبر ملوث لمياه البحار، كما أن معظم التلوث الناجم عنه يأتي من الطبيعة، خاصة من مقذوفات البراكين والحث الطبيعي، أما باقي تلوث الزئبق فيأتي بالأساس من صناعة الطاقة والإسمنت والتحليل الكهربائي لكلوريدريك الصوديوم. ومثل الماء يتبخر الزئبق ويسافر بعيدا مع الهواء ليترسب في النهاية في البحار والمحيطات والبحيرات، حيث تمتصه الأسماك التي نستهلك جزءا مهما منه. ولابد من الإشارة هنا إلى أن مستوى الزئبق يقاس بجزء من المليون، وبالنسبة لشخص بالغ يصل وزنه إلى 70 كيلوغراما يجب ألا تتعدى نسبة الزئبق في دمه 7 ميكروغرامات. ويوجد الزئبق في الغالب في الطبيعة متحدا مع الكبريت على شكل عنصر يسمى «زنجفر»، وإذا تم لسبب أو لآخر فصل الزئبق عن الكبريت يصبح ساما للغاية، ويؤدي إذا ما دخل الجسم إلى أعراض وتغيرات في السلوك والغضب والنرفزة والاكتئاب وتهيج وزيادة في النشاط في بعض الأوقات وظهور الحساسية فجأة والإحساس بطعم معدن في الفم. – كيف يدخل الزئبق إلى جسم الإنسان؟ هناك 3 طرق لدخول فلز الزئبق إلى جسم الإنسان، أولها الملامسة عن طريق الجلد، وثانيها استنشاق الأبخرة التي تحتوى على هذا الفلز، ثم ثالثا عن طريق الابتلاع عبر الفم. وإذا ما لا حظنا أن هناك مساحات شاسعة من البحار والمحيطات والبحيرات تحيط بنا، وأدركنا أن الأسماك أكثر الكائنات الحية قدرة على امتصاص فلز الزئبق من المياه، لوجدنا أن هناك نسبة كبيرة من الخطر تأتي من استهلاك الأسماك، خاصة بالنظر إلى أن هذه الأخيرة تشكل غذاء مفضلا لدى المغاربة. وإذا نظرنا إلى الصناعات التي يدخل فيها الزئبق نجدها متعددة، لكن أهمها صناعة الكلور والورق والمصابيح الكهربائية والبطاريات والأصباغ وحشوات الأسنان والمبيدات الحشرية الفطرية وصناعة الذهب. وجميع هذه الصناعات تنتج كميات مهمة من نفايات الزئبق تنتشر في الهواء والماء والتربة، وتنتقل في ظروف معينة إلى جسم الإنسان. – متى يكون تسمم الزئبق أشد حطورة على جسم الإنسان؟ هناك حالات يكون فيها التسمم بالزئبق خطيرا للغاية، خاصة عند استخدامه من طرف بعض الأشخاص الذين لا يدركون خطورته لتحضير الزئبق الأحمر الذي يستعمله السحرة والمشعودون في التنقيب عن الكنوز، وأيضا عند استخدامه في صناعة الذهب، وهنا تكمن الخطورة، حيث أن ملامسته أو استنشاق بخاره تؤدي مباشرة إلى موت محتم على المدى القصير أو المتوسط، بالنظر إلى أنه في هذه الحالة تكون له قدرة كبيرة على تدمير الجهاز العصبي. وهناك حالات أخرى تكون فيها أعراض التسمم حادة أو مزمنة، خاصة عند استنشاق بخار الزئبق، حيث تبدأ الأعراض بشكل سريع، حمى، صداع، سعال، ألم في الصدر، وإذا كان التعرض شديداً يحدث التهاب رئوي مع قصور تنفسي. وعند ابتلاع أملاح الزئبق اللاعضوية يحدث التهاب معوي خلال بضع ساعات، وحروق فموية وبلعومية، وإسهال وقيء دموي، وألم بطني حاد، وتغوط دموي، وقد يحدث قصور في الدورة الدموية وفشل كلوي والوفاة. وبالتسمم المزمن ( الزئبق اللاعضوي) يحدث الرجفان واضطراب عصبي نفسي والتهاب اللثة والفم. وإذا كان التسمم عند الحوامل، يتم غالبا إنجاب مواليد ناقصي الوزن مع صغر الرأس، وتأخر في التطور، وتأثيرات سمعية بصرية، وقد يلي ذلك تخلف أو شلل دماغي. – ما هي أسهل الطرق لاكتشاف السمم بالزئبق، وكيف يمكن علاجه؟ أولا يجب إجراء تحليل للشعر، لأنه من بين أكثر الأعضاء أو المناطق في الجسد امتصاصا للزئبق، وهو أسهل أداه لقياس مستوى التسمم بهذا الفلز. وبعد التأكد من مستوى الزئبق في الجسم تأتي بعد ذلك العديد من الخطوات التي تساعد في التقليل من التسمم في حالة حدوثه، على رأسها تفادي استهلاك الخضر والفواكه التي استعملت في إنتاجها مواد كيماوية أو مبيدات حشرية، ثم شرب الماء المقطر بالبخار، وشرب كميات وفيرة من عصائر الفاكهة، مع تناول السمك باعتدال ومن أماكن اصطياد معروفة. ومن الضروري التأكيد هنا على أن أفضل طريقة للطهي تمكن من التقليل من تأثير الزئبق هي الشواء. وبالإضافة إلى ذلك يجب تفادي حشوات الأسنان المصنوعة من الزئبق. أما بخصوص العلاج، فالمصاب بتسمم الزئبق يمكن أن يستعمل بعض الأدوية العشبية مثل الثوم، والبرسيم الذي يوجد على شكل أقراص في الصيدليات، حيث ينصح بأخذ ثلاث أقراص منه قبل كل وجبة، هذا إلى جانب التفاح، خاصة النوع الأحمر منه، ويؤخذ منه يومياً ثلاث تفاحات، ويمكن للمصاب، كذلك، استخدام أقراص السيلينيوم، وفيتامينات أش وجيم، وأقراص الليثين، كما يمكن له تناول كمية قليلة من خميرة الخبز. ونلاحظ أن كل هذه المواد متوفرة عند المغاربة.
الانعكاسات السلبية للتلوث بالزئبق على المستويين الاجتماعي والاقتصادي المغرب لا يتوفر على دراسات مضبوطة لتحديد كلفة محاربة التلوث بالمعادن الثقيلة تلويث البيئة بنفايات المعادن الثقيلة، وعلى رأسها الزئبق، له أضرار بالغة على النشاط الاقتصادي وعلى إعادة تأهيل النظم البيئية المتضررة، كما أنه يعرقل خطط تنفيذ نظم الرعاية الصحية الخاصة بمحاربة مخاطر التعرض للتلوث. ويؤكد الخبراء أن الخسارة التي يتكبدها المجتمع هي أكبر بكثير من الجوانب المالية المباشرة، بالنظر إلى الانعكاس المؤكد لبعض المؤثرات الأخرى، فقد أثبتت التجربة في أوربا والولاياتالمتحدة أن تنظيف وتطهير النظم الإيكولوجية المتضررة يمكن أن يكلف مليارات من الأورو. وفي ظل عدم توفر المغرب على طرق منهجية واضحة لتقييم تكاليف محاربة التلوث، كان من الضروري العودة إلى بعض الهيئات الدولية كمنظمة التنمية والتعاون التي تملك العديد من المقاربات المنهجية لتقييم تكاليف محاربة التلوث، حيث يمكن أن نميز في هذا الصدد بين التكاليف المرتبطة بالصحة، مثل: الكشف، العلاج في المستشفى، الزيارات الطبية والأدوية، والتكاليف غير المباشرة المرتبطة بعدم قدرة الأشخاص على مزاولة نشاطهم المهني أو الوفاة في الحالات القصوى، وتكلفة محاربة التلوث والإجراءات العلاجية مثل: إعادة تأهيل المواقع الملوثة، ونقل السكان المعرضين للخطر أو ترحيل المقاولات ذات النشاط المصنف خطر، ووضع برامج لمراقبة الأنظمة البيئية. والمثير أنه لا توجد لحد الآن، أي تجربة أو معطيات تتعلق باستراتيجيات للحد من خطر التعرض للتلوث على المستوى الوطني في المغرب، وبالتالي يصبح من الصعب جدا وضع تحليل اقتصادي للمعادن الثقيلة، خاصة الزئبق. وبناء عليه، اقتصرت وزارة البيئة على الاعتماد على الدراسة المنجزة من طرف المعهد الوطني للدراسات البحرية INSERM ، ومن خلالها حاولت وضع مقارنة افتراضية بحتة على النحو التالي: من بين 000 60 طفل اكتشف لديهم وجود نسبة من الرصاص بالدم، وبالنظر إلى أن طفل واحد من ثلاثة تتجاوز لديه هذه النسبة l00 mg/، فإن التكلفة العامة لكشف واحد (الرصاص بالدم) يقدر ب 1 مليون دولار سنويا. وإذا افترضنا، توفر كل شخص على نسبة من الرصاص في الدم تتجاوز 100 mg/l وأن النساء في سن الإنجاب يعشن في مواقع ملوثة، سترتفع تكلفة الإجراءات العلاجية (إعادة الإسكان في مناطق أخرى) إلى 700 مليون درهم على قاعدة تقديرية تفترض وجود 000 7 سكن معرض للخطر ( 000 20 طفل أخضع للكشف و3 أطفال بالنسبة لكل مسكن)، و 1.5 مليار درهم إذا كان القضاء على التلوث مستهدفا. وعليه، لو تم استعجال العلاج وبدأ العمل من أجل القضاء على التلوث حالا، وحظيت حالة الأطفال المصابين بارتفاع نسبة الرصاص بالدم لمنع أي تدهور قد يتطلب تدخلا جراحيا لإزالة أثر المعدن الثقيل، لانخفضت التكلفة في هذه الحالة بشكل كبير. وعلى مستوى التدبير البيئي، ترتبط التكاليف أساسا بوضع نظم لمراقبة ورصد التصريف عند المصدر للحد من الانبعاثات والتصريفات، وبالتالي الحيلولة دون التعرض للملوثات التي تؤثر على السكان، وإجراء إحصاء للتربة الملوثة بالمعادن الثقيلة. أما على المستوى التنظيمي، فتحتم المعطيات الوبائية والبيئية المبعثرة وغير الكافية التي تم الحصول عليها من مختلف الوزارات والمؤسسات الوطنية، ضرورة التفكير على المستوى الوطني من أجل سياسة حقيقية في مجال الصحة البيئية مع تأسيس مركز لليقظة والمتابعة (يوازي مؤسسة لليقظة الصحية)، مهمته الاهتمام بتتبع أثر تلوث البيئة على صحة السكان بالمعنى العام للكلمة، وكذا ضمان مراقبة البيئة والأمراض الرئيسية المرتبطة بها، ومن ثم وضع البرامج الصحية العمومية الملائمة بالمغرب، بما في ذلك الأمراض المهنية. ويجمع الخبراء على أن قطاع البيئة ومصالح الجمارك ووزارة الصحة مطالبين حاليا بتحمل تكلفة فرض قيود على استيراد وتسويق أجهزة القياس ومعدات التحكم التي تحتوي على الزئبق الموجهة لعموم الناس، وتشجيع أطباء الأسنان على استخدام فواصل الملاغم في عياداتهم لاسترجاع نفايات الزئبق، ومنع استخدام معدن الزئبق لإعداد ملاغم الأسنان، ووضع حدود وعتبات أمام استيراد المنتجات المحتوية على الزئبق، بالإضافة إلى الحد من استعمال الزئبق على المدى الطويل، للتقليل من الانبعاثات ذات الطبيعة الصناعية على الصعيد الوطني والمساهمة في المبادرات المتخذة دوليا لتعزيز الحد من استخدام الزئبق في العالم، والحد من تسويق واستخدام بعض المنتجات التي تحتوي على الزئبق.