حسب دراسة مغربية، تعود إلى سنة 2000، حول النفايات الصناعية، التي يدرجها بعض البيئيين ضمن النفايات الإلكترونية، فإن من أصل مليون طن من النفايات الصناعية المنتجة سنويا، هناك 70 ألفا منها هي عبارة عن مخلفات الصناعة الميكانيكية، والمعدنية، والكهربائية والإلكترونية، و7 في المائة منها نفايات ميكانيكية. في سنة 2007، أعطيت الانطلاقة في مدينة الدارالبيضاء لإجراء دراسة لوضعية النفايات الإلكترونية والكهربائية، وهو برنامج أطلق من قبل المركز المغربي للإنتاج النظيف. وقالت مصادر فاعلة في المجال البيئي، ل"المغربية"، إن كمية النفايات الإلكترونية تصل في المغرب إلى 30 ألف طن في السنة، 15 ألفا و120 طنا منها عبارة عن نفايات من أجهزة التلفاز، و13 ألفا و500 طن عبارة عن أجهزة حواسيب، وألف و700 طن عبارة عن هواتف محمولة. وتتركز نصف كميات هذه النفايات بالمدن الكبرى، ضمنها طنجة والدارالبيضاء والرباط ومراكش وأكادير، بنسبة تصل إلى 54 في المائة، 80 في المائة من النفايات مجمعة من قبل القطاع غير المهيكل (خمالة المزابل). وتتعدد مصادر النفايات الإلكترونية في المغرب، إذ أن 22 ألف طن منها تطرحها البيوت سنويا، منها 15 ألف طن سنويا عبارة عن أجهزة للتلفاز، وهي بذلك تحتل الرتبة الأولى ضمن قائمة مصادر النفايات الإلكترونية، تليها الشركات الخاصة، التي تطرح سنويا 7 آلاف و800 ألف طن من النفايات الإلكترونية، 7 آلاف و700 طن عبارة عن حواسيب، حسب دراسة منجزة حول الموضوع، لم تعمم نتائجها بعد. وتأتي في المرتبة الأخيرة الإدارات العمومية،التي تطرح 500 طن سنويا، من الأجهزة المعلوماتية، في مجملها عبارة عن حواسيب، حسب ما أوضحته المصادر ذاتها، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها. وتتضمن النفايات الإلكترونية العديد من المواد السامة والخطيرة، على رأسها مادة لامونياك والزئبق ومواد معدنية ثقيلة، من شأنها الإضرار بصحة الإنسان والحيوان والبيئة، بما فيها الهواء والفرشة المائية، مع تكرار التعرض لها، ووجودها بتركيز كبير في البيئة. أما جمع النفايات الصلبة في المطارح فيضر بالبيئة ويتسبب في مشاكل صحية متنوعة. ورغم هذه المخاطر، يلقى بالنفايات الإلكترونية في مطارح عمومية، أغلبها عشوائية، لا تخضع لتدبير خاص أو لإعادة تدوير خاصة، بسبب غياب تشريع يقنن هذه العملية ويفرضها، ويرتب عقوبات زجرية على المخالفين لها. ومع توفر النفايات الإلكترونية، ازدهرت تجارة قطع الغيار الإلكترونية، أبطالها رجال يعملون بشكل غير مهيكل، يجمعونها من قمامات الأزبال ومن المطارح العمومية، لإعادة بيعها لشركات ومحلات خاصة لإعادة استعمالها في إنتاج أجهزة أخرى، أو استخدامها في مجال إصلاح الأدوات والأجهزة الإلكترونية. ويوجد 63 في المائة من النفايات الإلكترونية لدى باعة الأجهزة المستعملة، و24 في المائة منها تجمع من قبل رواد قمامات الأزبال، أو ما يعرف ب"الخمالة"، 13 في المائة تعطى للأصدقاء، أو تمنح لبعض مقاهي الإنترنيت، أو مؤسسات تعليمية بعيدة. أنواع النفايات الإلكترونية يدخل ضمن النفايات الإلكترونية مجموع الأجهزة التكنولوجية، التي لم تعد قابلة للتشغيل، أو التي لم تعد تساير جديد الموضة، فتخلص منها أصحابها، ليأتوا بالمبتكر الجديد، ومنها الحواسيب، والهواتف المحمولة، وأجهزة التلفاز، ومختلف الأجهزة التي تستعمل في المطبخ وتنظيف البيت، (مكانس وخلاطات كهربائية)، وبطاريات شحن الهواتف المحمولة، والمسجلات وأجهزة الفيديو، واللائحة طويلة، يمكن أن تدرج فيها مختلف الأجهزة غير اليدوية، التي تستعمل في البيت أو المكتب. وحاليا، يعرف المغرب موجة استبدال أجهزة التلفاز العادية بأخرى أقل سمكا، ودون حامل، يمكن تعليقها على الجدار كلوحة فنية، ناهيك عن التهافت وراء استبدال الهواتف المحمولة، للاستفادة من تسهيلات التكنولوجيا الجديدة. إلا أن مسايرة التكنولوجيات الحديثة لا يوازيها حسن تخلص المستهلكين من القديمة، ولا يصاحبها تحرك الجهات المسؤولة لوضع إطار قانوني يضمن تدبيرا سليما للنفايات الإلكترونية، ويوفر ظروف علمية آمنة للتخلص منها، إذ أن القانون رقم 28.00 لم يتحدث سوى عن النفايات بشكلها العام، دون أن يخص بنودا قانونية بعينها لمعالجة النفايات الإلكترونية. في ظل ذلك، يستمر الناس في التخلص من نفاياتهم الإلكترونية في حاويات الأزبال العمومية، حيث تختلط مع النفايات المنزلية، فتصل إلى المطارح العمومية لتدفن بشكل عشوائي، لا يخلو من مخاطر صحية كبيرة، يصل أذاها إلى الماء والتربة والحيوان والإنسان. بينما يتخلص أناس آخرون من هذا النوع من النفايات، عبر إهمالها وتناسيها في محلات إصلاح التلفاز والأجهزة المنزلية مثل "الخلاطات" والأفرنة الكهربائية، أو لدى مصلحي الحواسيب، إذ قال أحد "المهندسين الشباب" في سوق درب غلف، بالدارالبيضاء، إنه يتلقى سنويا قرابة 100 حاسوب، يتخلى عنها أصحابها بعد فقدانهم الأمل في إصلاحها، فيعيد استعمال قطع غيارها لإصلاح أخرى. سموم النفايات الإلكترونية قليلون هم من يعون أنه بمجرد التخلص من جهاز إلكتروني، يتحول من مصدر منفعة إلى قنبلة موقوتة، تهدد الطبيعة والإنسان، لما يحتويه من سموم متعددة، أكثرها خطورة، الرصاص والزئبق وثنائي الفينيل، وكلها مواد سامة تتسرب إلى الطبيعة، سواء بعد طمرها في المطارح، أو عند حرقها، إذ تلوث الهواء والمياه الجوفية. وتكمن خطورة هذه المعادن الثقيلة، في أن تراكمها في الطبيعة، يجعلها تتفاعل في ما بينها، فتنتقل سمومها إلى الإنسان والحيوان والهواء والتربة، عن طريق المزروعات، أو عبر الفرشة المائية الملوثة أو عن طريق الهواء، ما يسبب انتشار أمراض سرطانية ورئوية، حسب ما أوردته العديد من الدراسات الأجنبية حول سم النفايات الإلكترونية. ولتقريب الصورة، فإن جهاز الحاسوب يتحول إلى قنبلة موقوتة، خلال شهور قليلة من رميه في المزبلة، لتضمنه نسبة عالية من الرصاص، يمكن أن تتجاوز الكيلوغرام الواحد، حسب حجم الحاسوب، إلى جانب مادة الزرنيخ، وهو من أشد المواد سمية، والكوبالت والزئبق، وجميعها تحتوي على مواد سامة. والأمر مشابه بالنسبة إلى شاشة التلفاز التي تحتوي على حوالي كيلوغرامين من الرصاص. عند حرق هذه النفايات شديدة السمية، ينتج عنها غاز ثاني أكسيد الكربون، وأكسيد الحديد والنحاس، ما يؤدي إلى تلوث الهواء. وعند تعرض هذه الغازات إلى الرطوبة والأمطار، تتكون الأمطار الحمضية، ما يؤدي إلى تلوث المياه والتربة، التي تصل إلى الحيوان أثناء الرعي وإلى الماء، وإلى المنتوجات الفلاحية التي تسقى من المياه الجوفية. أضرار المعادن الثقيلة يجدر بمستهلكي الأجهزة الإلكترونية معرفة أن تكرار التعرض لهذه السموم يسبب الأذى للجسم، والحديث عن "خمالة المزابل" الذين يجمعون ويفككون هذه الأجهزة لبيعها لجهات أخرى تستثمرها في أمور صناعية أخرى، إذ أن تراكم الرصاص في الجسم يؤدي إلى تلف خلايا الدماغ، وانكماش في أنسجة الكليتين وتلف في الكبد، كما يؤدي إلى نقص في الهيموغلوبين ويتسبب في الأنيميا، كما قد يؤدي إلى العقم ويؤثر على الأجنة، وعلى القدرة العقلية للأطفال، لأنه يؤدي إلى التخلف العقلي وصعوبات في التعلم. أما الزئبق، الذي يوجد في البطاريات وأجهزة الهواتف المحمولة والشاشات المسطحة، ومصابيح الزئبق، وهو من العناصر السامة، وبالذات للجهاز العصبي، فهو سريع التأثير على كبار السن والأطفال، والزئبق المنبعث من المطارح ومواقع رمي النفايات، يتحول إلى مركب غازي يمكن أن يدخل ضمن السلسلة الغذائية المختلفة. حلول بديلة تعتبر عملية معالجة النفايات الإلكترونية باهظة الكلفة، إذ يكلف جهاز الحاسوب الواحد ما بين 100 و300 درهم لمعالجته بطريقة سليمة، حسب ما أفاد به مصدر يعمل في مجال البيئة. ورغم كل هذه المخاطر، لم نتوصل إلى معلومات رسمية حول وضعية معالجة النفايات الإلكترونية في المغرب، من لدن الجهات الرسمية التي راسلناها حول الموضوع، مع توصلنا بمعلومات مفادها أنه رغم كبر حجم المشكلة، إلا أن الحلول الشاملة غير متوفرة على الصعيد الوطني. وترى بعض المصادر البيئية أن المخرج الآمن يتمثل في توفير أرضية تشريعية لإجبار الشركات الموزعة للهواتف المحمولة على اتخاذ تدابير تحفيزية لزبنائها لاسترداد منتوجاتهم بعد انتهاء صلاحيتها، لضمان إعادة تدويرها والتحكم في عملية التخلص منها دون إيذاء الإنسان والطبيعة. وقال مصدر فاعل في المجال البيئي إنه لا بد من تسريع وتيرة إصدار قوانين وتشريعات حول كيفية التعامل مع هذا النوع من النفايات الخطيرة، وفرض غرامات رادعة على مستوردي الأجهزة ذات التأثير المضر بالبيئة. كما يمكن العمل على توفير مراكز أو مصانع تضمن إعادة معالجة النفايات الإلكترونية، مع توفر إمكانية الاستفادة من محتوياتها في صناعات أخرى، لاحتوائها على عناصر نادرة أو معادن نفيسة، بالإضافة إلى أهمية تنظيم حملات تحسيس منتظمة للمستهلكين، للتقليل من كميات هذه المخلفات، وتعليمهم الطريقة السليمة للتعامل معها. وهناك إمكانية المقايضة،بين المستهلك والشركة المنتجة أو الموزعة لأي جهاز إلكتروني، على أساس استبدال الجهاز المتخلى عنه بجهاز جديد، وهذا يتطلب تقديم تشجيعات وتحفيزات للشركات لإعادة تدويرها. يشار إلى أن اليابان فرض تشريعات صارمة لمعالجة النفايات الإلكترونية قبل التخلص منها في المطارح العمومية، ما جعل شركة يابانية مثل سوني، تعيد تدوير ما يقارب 53 في المائة من إنتاجها، وهذا الرقم هو 5 أضعاف معدل إعادة التدوير على مستوى العالم. مبادرات محدودة يعرف المغرب بعض المبادرات من جهات تشتغل في مجال البيئة، إحداها تبنتها المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية، إذ بلور فريق مغربي طريقة لمعالجة وتدبير النفايات الإلكترونية والكهربائية، حازت شهادة مسجلة لدى المركز المغربي للإنتاج النظيف، تتمحور حول استرجاع المواد والألواح المعدنية، المكونة من الحديد والنحاس والذهب والرصاص والمواد البلاستيكية وغيرها، الموجودة في النفايات. ويتضمن البرنامج جمع وتخزين هذه المواد، بعد تفكيكها وفرزها ومعالجتها الفيزيائية لاسترجاع الألواح المعدنية، مع مراعاة خصوصية كل نوع وطريقته الخاصة في المعالجة. كما تهم العملية المواد البلاستيكية، التي يبعث بها إلى مركز التدوير للبلاستيك والمعادن، بينما يفرز الذهب الأصلي. وانتهت هذه المبادرة بتأسيس شركة "إيكوتيكنو" في بوسكورة، ما يعني أن تدبير النفايات يفيد البيئة كما يفيد في توفير فرص الشغل، لمتخصصين في الجمع والتفكيك وإعادة التدوير. إلى جانب ذلك، توجد شركة "فالديم" التي تجمع النفايات الإلكترونية من لدن الإدارات والبنوك ومن مصعني الإعلاميات والأجهزة الإلكترونية، وقطع غيار الطيران، إذ تعالج قرابة 10 أطنان من النفايات الإلكترونية كل شهر. وتتكلف الشركة بنقل تلك النفايات إلى الفضاء المخصص لتفكيكها وتوجيهها إلى جهات أخرى، سواء داخل المغرب أو خارجه، إذ تتخصص في معالجة شاشات التلفاز والمنتوجات المنيرة، المتوفرة على مادة الزرنيخ، أو الزئبق، اللذين يعتبران أكثر خطورة على البيئة. وتمكنت "فالديم" من وضع منظومة معالجة ل150 شاشة تلفاز في اليوم، بمساهمة 4 أشخاص، بينما يمكن بلوغ 350 شاشة باستعمال آلة واحدة بمساهمة شخصين. ورغم هذه التجارب، فإن المغرب لا يشهد استثمارات في المجال، لعدم وجود مغريات من المداخيل المحصلة منها، ما يجعل المتتبعين للشأن البيئي في المغرب، ومنهم أساتذة جامعيون، يترقبون أن يواجه المغرب تحديا كبيرا بخصوص تدبير النفايات الإلكترونية، لذلك يدعون إلى تأسيس وحدة تعنى بتفكيك هذا النوع من النفايات، تكون محلية، لخفض التكلفة والحصول على مواد أولية.