يتخلص المغاربة، يموميا، كباقي سكان العالم، من هواتف محمولة، ومصابيح كهربائية مكسورة أو محترقة، وبطاريات الشحن، وأجهزة الموسيقى، وأقراص مضغوطة، وسماعات الأذن، وأجهزة تلفاز وفيديو وغيرها ينتهي مسارها في مطارح الأزبال، حيث لا تتوفر، في عمومها، على بنيات تحتية لمعالجة سموم هذه النفايات الخطيرة. ولأن ناقوس الخطر بدأ يدق أبواب المغرب، على اعتبار أننا سنعيش واقع تراكم النفايات الإلكترونية، بالنظر إلى ارتفاع نسبة استهلاك المواطنين للأجهزة الالكترونية، وجريهم وراء استبدالها بأحدث الابتكارات التكنولوجية، نحاول في ما يلي، لفت انتباه القراء إلى هذا الموضوع، سعيا وراء تدشين بداية تفكير حوله، لنساهم جميعا في تبني أسلوب استهلاكي خال مما يهددنا من مخاطر صحية وبيئية خطيرة، ومشاركة السلطات المسؤولية على وضع قوانين وآليات للتخلص الآمن منها. يدخل ضمن النفايات الالكترونية، مجموع الأجهزة التكنولوجية، التي لم تعد قابلة للتشغيل أو التي لم تعد تساير جديد الموضة، فتخلص منها أصحابها، ليأتوا بالمبتكر الجديد، ومنها الحواسيب والطابعات، والهواتف المحمولة وأجهزة التلفاز، ومختلف الأجهزة التي تستعمل في المطبخ وتنظيف البيت، (مكانس وخلاطات كهربائية) والبطاريات والمسجلات وأجهزة الفيديو، واللائحة طويلة، يمكن أن تدرج فيها مختلف الأجهزة، غير اليدوية، التي نستعملها في البيت أو المكتب. حاليا، نعيش في المغرب موجة استبدال أجهزة التلفاز العادية بأخرى أقل سمكا، ودون حامل، يمكن تعليقها على الجدار كما لوحة فنية، ناهيك عن التهافت وراء استبدال الهواتف المحمولة، للاستفادة من تسهيلات التكنولوجيا الجديدة، إلا أن مسايرة التكنولوجيات الحديثة، لا يوازيها حسن تخلص المستهلكين من القديمة، ولا يصاحبها تحرك الجهات المسؤولة لوضع إطار قانوني يضمن تدبيرا سليما للنفايات الالكترونية، ويوفر ظروف علمية آمنة للتخلص منها، إذ أن القانون رقم 28.00، لم يتحدث سوى عن النفايات بشكلها العام، دون أن يخص بنودا قانونيا بعينها لمعالجة النفايات الالكترونية. وفي ظل ذلك، يستمر الناس في التخلص من نفاياتهم الالكترونية في حاويات الأزبال العمومية، حيث تختلط مع النفايات المنزلية، فتصل إلى المطارح العمومية لتدفن بشكل عشوائي لا يخلو من مخاطر صحية كبيرة، يصل أذاها إلى الماء والتربة والحيوان والإنسان. بينما يتخلص أناس آخرون من هذا النوع من النفايات، عبر إهمالها وتناسيها فب محلات إصلاح التلفاز والأجهزة المنزلية مثل "الخلاطات" والأفرنة الكهربائية، أو لدى مصلحي الحواسيب، إذ تحدث أحد "المهندسين الشباب" في سوق درب غلف، عن أنه يتلقى سنويا قرابة 100 حاسوب، يتخلى عنه أصحابه بعد فقدانهم الأمل في إصلاحه، فيعيد استعمال قطع غياره متناهية الدقة لإصلاح أخرى، ماتزال أشغال الإصلاح تنفع معها. سموم خفية قليلون هم من يعون أنه بمجرد التخلص من جهاز الكتروني، يتحول من مصدر منفعة إلى قنبلة موقوتة، تهدد الطبيعة والإنسان، لما يحتويه من سموم متعددة، أكثرها خطورة الرصاص والزئبق وثنائي الفينيل، كلها مواد سامة تتسرب إلى الطبيعة، سواء بعد طمرها في المطارح أو عند حرقها، إذ تلوث الهواء والمياه الجوفية. وتكمن خطورة هذه المعادن الثقيلة، في أن تراكمها في الطبيعية، يجعلها تتفاعل في ما بينه، فتنتقل سمومها إلى الإنسان والحيوان والهواء والتربة، عن طريق المزروعات، أو عبر الفرشة المائية الملوثة او عن طريق الهواء، ما يسبب انتشار أمراض سرطانية ورئوية، حسب ما أوردته العديد من الدراسات الأجنبية حول سم النفايات الالكترونية. ولتقريب الصورة، فإن جهاز الحاسوب يتحول إلى قنبلة موقوتة، خلال شهور قليلة من رميه في المزبلة، لتضمنه نسبة عالية من الرصاص، يمكن أن تتجاوز الكيلوغرام الواحد، حسب حجم الحاسوب، إلى جانب مادة الزرنيخ (من أشد المواد سمية, كان يستخدم للتخلص من الأعداء لسهولة الحصول عليه)، والكوبالت والزئبق وجميعها تحتوي على مواد سمية. والأمر مشابه بالنسبة إلى شاشة التلفاز التي تحتوي على كيلوغرامين من الرصاص، حسب ما ورد في عدد من الكتابات الأجنبية المنجزة حول الموضوع. فعند حرق هذه النفايات، شديدة السمية، ينتج عنها غاز ثاني أكسيد الكربون، وأكسيد الحديد والنحاس، ما يؤدي إلى تلوث الهواء. وعند تعرض هذه الغازات إلى الرطوبة والأمطار، تتكون الأمطار الحمضية ما يؤدي إلى تلوث المياه والتربة، التي بالتأكيد تصل إلى الحيوان أثناء الرعي وإلى الماء الذي يشربه الناس والبهائم، وإلى المنتوجات الفلاحية، التي تسقى من المياه الجوفية. ويجدر بمستهلكي الأجهزة الالكترونية معرفة أن تكرار التعرض لهذه السموم، يسبب الأذى للجسم، والحديث عن "خمالة المزابل" الذين يجمعون ويفككون هذه الأجهزة لبيعها لجهات أخرى تستثمرها في أمور صناعية أخرى، إذ أن تراكم الرصاص في الجسم يؤدي إلى تلف خلايا الدماغ وانكماش في أنسجة الكليتين وتلف في الكبد، كما يؤدي إلى نقص في الهيموغلوبين وتسبب في الأنيميا، كما قد يؤدي إلى العقم ويؤثر على الأجنة، وعلى القدرة العقلية للأطفال، لأنه يؤدي إلى التخلف العقلي وصعوبات في التعلم. أما الزئبق الذي يوجد في البطاريات وأجهزة الهواتف المحمولة والشاشات المسطحة، ومصابيح الزئبق، وهو من العناصر السامة، وبالذات للجهاز العصبي، وهو سريع التأثير على كبار السن والأطفال، إذ أن الزئبق المنبعث من المطارح ومواقع رمي النفايات، يتحول إلى مركب غازي يمكن أن يدخل ضمن السلسلة الغذائية المختلفة. المخرج الآمن أول طريق نحو النجاة من سموم النفايات الإلكترونية، إخضاعها للمعالجة قبل دفنها في المطارح، تبعا إلى أن أكثر من 70 في المائة من المعادن الثقيلة، بما فيها الزئبق، والكاديوم، والقصدير، التي توجد في مطارح النفايات، مصدرها النفايات الإلكترونية، إلا أن عملية المعالجة، تعتبر باهضة الكلفة، إذ تكلف معالجة جهاز الحاسوب الواحد ما بين 100 و300 درهم لمعالجته بطريقة سليمة، حسب ما أفادنا به مصدر يعمل في مجال البيئة، فضل عدم ذكر اسمه. ورغم كل المخاطر التي ذكرناها، لم نتوصل إلى أي معلومات رسمية، حول وضعية معالجة النفايات الالكترونية في المغرب، من لدن الجهات الرسمية التي راسلناها حول الموضوع، في مقابل توصلنا بمعلومات مفادها أنه رغم كبر حجم المشكلة، التي يرتقب أن تواجهنا، إلا أن الحلول الشاملة غير متوفرة على الصعيد الوطني. وترى بعض المصادر البيئية أن المخرج الآمن يتمثل في توفير أرضية تشريعية لإجبار الشركات الموزعة للهواتف المحمولة في المغرب، على اتخاذ تدابير تحفيزية لزبنائها لاسترداد منتوجاتهم بعد انتهاء صلاحيتها لضمان إعادة تدويرها والتحكم في عملية التخلص منها دون إيذاء الإنسان والطبيعة. كما تجد أن التفكير في طريقة المقايضة، بين المستهلك والشركة المنتجة أو الموزعة لأي جهاز إلكتروني، على أساس استبدال الجهاز المتخلى عنه، بجهاز جديد، يتطلب تقديم تشجيعات وتحفيزات للشركات لإعادة تدويرها. يشار إلى أن اليابان فرض تشريعات صارمة لمعالجة النفايات الالكترونية قبل التخلص منها في المطارح العمومية، ما جعل شركة يابانية مثل سوني، تعيد تدوير ما يقارب 53 في المائة من إنتاجها. وهذا الرقم هو 5 أضعاف معدل إعادة التدوير على مستوى العالم. وتحدث إلينا مصدر فاعل في المجال البيئي قائلا إنه لا بد من التسريع بوتيرة إصدار قوانين وتشريعات حول كيفية التعامل مع هذا النوع من النفايات الخطيرة، وفرض غرامات رادعة على مستوردي الأجهزة ذات التأثير المضر بالبيئة. كما يمكن العمل على توفير مراكز أو مصانع تضمن إعادة معالجة النفايات الإلكترونية، مع توفر إمكانية الاستفادة من محتوياتها في صناعات أخرى، لاحتوائها على عناصر نادرة أو معادن نفيسة. كما لا يجب تناسي أهمية تنظيم حملات تحسيسية، منتظمة، للمستهلكين، للتقليل من كميات هذه المخلفات، وتعليمهم الطريقة السليمة للتعامل معها. أزيد من 13 ألف طن من متلاشيات أجهزة الحواسيب حسب دراسة مغربية، تعود إلى سنة 2000، حول النفايات الصناعية، التي يدرجها بعض البيئيين ضمن النفايات الالكترونية، فإن ما بين مليون طن من النفايات الصناعية المنتجة سنويا، 70 ألف هي عبارة عن مخلفات الصناعة الميكانيكية، والمعدنية، والكهربائية والإلكترونية، 7 في المائة منها عبارة عن نفايات ميكانيكية. في سنة 2007، أعطيت الانطلاقة في مدينة الدارالبيضاء، لإجراء دراسة لوضعية النفايات الإلكترونية والكهربائية، وهو برنامج أطلق من قبل المركز المغربي للإنتاج النظيف، إلا أن "المغربية" لم تتوصل من هذا المركز بخلاصات الدراسة، رغم الإلحاح وتكرار بعث الرسائل عبر البريد الالكتروني والفاكس، حتى اعتقدنا أن هذا الموضوع يكتسي خطورة كبيرة، جعلت مسؤولي المركز يرجحون عدم تحمل وزر الحديث عنه لعموم القراء. إلا أننا علمنا من مصادر فاعلة في المجال البيئي، أن كمية النفايات الالكترونية تصل في المغرب إلى 30 ألف طن في السنة، 15 ألفا و120 طنا منها عبارة عن نفايات من أجهزة التلفاز، و13 ألفا و500 طن عبارة عن أجهزة حواسيب، وألف و700 طن عبارة عن هواتف محمولة. وتتركز نصف كميات هذه النفايات بالمدن الكبرى، ضمنها طنجة والدارالبيضاء والرباط ومراكش وأكادير، بنسبة تصل إلى 54 في المائة،80 في المائة من النفايات مجمعة من قبل القطاع غير المهيكل(خاملة المزابل). وتتعدد مصادر النفايات الالكترونية في المغرب، إذ أن 22 ألف طن منها تطرحها البيوت المغربية سنويا، منها 15 ألف طن سنويا عبارة عن أجهزة للتلفاز، وهي بذلك تحتل الرتبة الأولى ضمن قائمة مصادر النفايات الالكترونية، يليها الشركات الخاصة، التي تطرح سنويا 7 آلاف و800 ألف طن من النفايات الالكترونية، 7 آلاف و700 طن عبارة عن حواسيب، حسب دراسة منجزة حول الموضوع، لم يجر بعد تعميم نتائجها. وتمثل مجموع هذه النفايات 5 في المائة من إنتاج النفايات الصلبة في العالم. ويأتي في المرتبة الأخيرة، الإدارات العمومية التي تطرح 500 طن سنويا، من الأجهزة المعلوماتية، في مجملها عبارة عن حواسيب، حسب ما أوضحته المصادر ذاتها، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها. وتتضمن النفايات الالكترونية العديد من المواد السامة والخطيرة، على رأسها مادة "الآمونياك" و"الزئبق ومواد معدنية ثقيلة، من شأنها الإضرار بصحة الإنسان والحيوان والبيئة، بما فيها الهواء والفرشة المائية، مع تكرار التعرض لها، ووجودها بتركيز كبير في البيئة. علما أن حرقها مع النفايات الصلبة في المطارح يضر بالبيئة ويتسبب في مشاكل صحية متنوعة. ورغم هذه المخاطر، يلقى بالنفايات الالكترونية في مطارح عمومية، أغلبها عشوائية، لا تخضع لتدبير خاص أو لإعادة تدوير خاصة، بسبب غياب قانون تشريعي يقنن هذه العملية، ويفرضها ويرتب عقوبات زجرية على المخالفين لها. ومع توفر النفايات الالكترونية، ازدهرت تجارة قطع الغيار الالكترونية، أبطالها رجال يعملون بشكل غير مهيكل، يجمعونها من قمامات الأزبال ومن المطارح العمومية، لإعادة بيعها لشركات ومحلات خاصة لإعادة استعمالها في إنتاج أجهزة أخرى أو استخدامها في مجال إصلاح الأدوات والأجهزة الالكترونية. ويوجد 63 في المائة من النفايات الالكترونية لدى باعة الأجهزة المستعملة، و24 في المائة منها تجمع من قبل رواد قمامات الأزبال، أو ما يعرف ب"الخمالة"، 13 في المائة تعطى للأصدقاء، أو تمنح لبعض مقاهي الأنترنيت أو المؤسسات التعليمية البعيدة. معالجة النفايات الالكترونية يعرف المغرب بعض المبادرات من جهات تشتغل في مجال البيئة، إحداها تبنتها المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية، حيث بلور فريق مغربي طريقة لمعالجة وتدبير النفايات الالكترونية والكهربائية، حازت على شهادة مسجلة لدى المركز المغربي للإنتاج النظيف، يتمحور حول استرجاع المواد والألواح المعدنية، المكونة من الحديد والنحاس والذهب والرصاص والمواد البلاستيكية وغيرها، الموجودة في النفايات. ويتضمن البرنامج جمع وتخزين هذه المواد، بعد تفكيكها وفرزها ومعالجتها الفيزيائية لاسترجاع الألواح المعدنية، مع مراعاة خصوصية كل نوع وطريقته الخاصة في المعالجة. كما تهم العملية المواد البلاستيكية، التي يبعث بها إلى مركز التدوير للبلاستيك والمعادن، بينما يجري فرز الذهب الأصلي. وانتهت هذه المبادرة بتأسيس شركة "إيكوتيكنو" في بوسكروة، ما يعني أن تدبير النفايات، يفيد البيئة كما يفيد في توفير فرص الشغل، لمتخصصين في الجمع والتفكيك وإعادة التدوير. إلى جانب ذلك، توجد شركة "فالديم" التي تجمع النفايات الإلكترونية من لدى الإدارات والبنوك ومن مصعني الإعلاميات والأجهزة الالكترونية، وقطع غيار الطيران، إذ تعالج قرابة 10 أطنان من النفايات الالكترونية كل شهر. وتتكلف الشركة بنقل تلك النفايات إلى الفضاء المخصص لتفكيكها وتوجيهها إلى جهات أخرى، سواء داخل المغرب أو خارجه، إذ تتخصص في معالجة شاشات التلفاز والمنتوجات المنيرة، المتوفرة على مادة الزرنيخ، أو الزئبق اللذين يعتبران أكثر خطورة للبيئة. وتمكنت "فالديم" من وضع منظومة معالجة ل150 شاشة تلفاز في اليوم، بمساهمة 4 أشخاص، بينما يمكن بلوغ 350 شاشة باستعمال آلة واحدة بمساهمة شخصين. ورغم هذه التجارب، فإن المغرب لا يشهد استثمارات في المجال، لعدم وجود مغريات من المداخيل المحصلة منها، وهو ما يجعل المتتبعين للشأن البيئي في المغرب، ومنهم أساتذة جامعيون، يرتقبون أن يواجه المغرب تحديا كبيرا بخصوص تدبير النفايات الالكترونية، لذلك تدعو إلى تأسيس وحدة تعنى بتفكيك هذا النوع من النفايات، تكون محلية لخفض الكلفة والحصول على مواد أولية.