يشكل شهر رمضان لدى بعض الأسر المغربية الفقيرة فرصة لامتهان شغل مؤقت وكسب بعض الدراهم، مستغلة في ذلك الإقبال الكبير للصائمين على الاستهلاك الذي تتضاعف معدلاته في هذا الشهر لحد كبير. تتحول الشوارع والأزقة في هذا الشهر الفضيل إلى ميدان للتنافس بين أطباق «المسمن»، «البغرير»، «رزة القاضي» وغيرها من التحضيرات التي تتفنن النساء في صناعتها في البيوت وعرضها في الأسواق والأماكن العمومية بأثمان تختلف حسب جودتها وتبقى على رأس هذه المعروضات خلال رمضان مادة الشباكية التي لا تحلو مائدة بدونها. وفي هذا الشهر نجد أيضا شباباً من حملة الشواهد يمتهنون مهنا لا تليق بهم ولا تتناسب والأحلام الوردية التي رسموها أيام الدراسة، لكنها تبقى حلا مؤقتا في انتظار الحصول على فرصة عمل، وتتشكل هذه المهن بالخصوص من بيع حلويات مختلفة ومعلبات وعصير الفواكه ومواد غذائية أخرى يغري منظرها الصائمين. ولا يقتصر النشاط التجاري خلال رمضان على المأكولات فحسب، بل يتعدى ذلك ليشمل الأثاث المنزلية،فالأسر المغربية معروف عنها حرصها على اقتناء الأواني الجديدة بمناسبة هذا الشهر الكريم حيث ربات البيوت يستعرضن أمام ضيوفهن تشكيلات متميزة من الأواني المخصصة لرمضان والتي تعكس مدى تشبث الأسر المغربية بتقاليد وأعراف ضاربة جذورها في القدم.ويجعل هذا الإقبال الكبير على هذه الأواني الفخارية الصناع التقليديين في هذا المجال يرفعون من وتيرتهم الإنتاجية لتصل إلى القمة قبل حلول شهر رمضان حيث يعرضونها في الأسواق والمحلات التجارية ويجنون من ورائها مداخيل مهمة تساهم في انتعاشة القطاع. ويحتل شهر رمضان مكانة عميقة في قلوب المغاربة، تتجلى في الإقبال الكبير خلال هذا الشهر المبارك على المساجد وأماكن العبادة في المدن كما في القرى.ويتحول عدد من الشباب إلى باعة لكتب القرآن والأحاديث النبوية والأدعية والأذكار، وتستقطب صلاة التراويح عدداً من المصلين من الجنسين معا والذين يفضلون الخروج من منازلهم بعد الإفطار وحضور مجالس الذكر، وحلقات الوعظ الديني وتلاوة ما تيسر من القرآن الكريم في دور العبادة. إلا أنه وفي هذا الشهر الكريم كذلك تنشط تجارة «البخور» ويكثر المشعوذون والدجالون الذين يستغلون سذاجة و أمية بعض الناس في البحث عن أدوية لأمراض مستعصية،بين جلود حيوانات نافقة وأعشاب غير ذات جدوى،فيبيع هؤلاء الدجالون الضحايا مواد يجهل مصدرها ومكوناتها بأثمنة باهضة قد تعرض حيوات مستعمليها للخطر. وتشكل النساء اللواتي فقدن الأمل في الطب،نسبة كبيرة من زبائن هؤلاء المشعوذين الذين يستدرجون إليهم الضحايا عبر تنظيم «الحلقة» في الشوارع المزدحمة بالمارة،حيث يروجون للدواء الذي يبيعونه عن طريق الحلف والإدعاءات التي تأجج حماس الناس وتجعلهم يشترون منهم «الدواء» الذي يقولون إنه يشفي الأمراض من الرأس إلى الرجلين من الشقيقة إلى السرطان.والعجب كل العجب،أن الكثير من الناس،يشترون هذه المواد من المشعوذين بأثمنة باهضة ويستعملونها بغرض الشفاء، لكنهم سرعان ما يكتشفون أنها كانوا ضحية خذعة المشعوذين، وأن «الدواء» الذي قيل إنه يعالج جميع الأمراض، لا ينفع إلا للقمامة.