سجل المنتدى المدني الديمقراطي المغربي الذي شارك بتعاون مع مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية في ملاحظة الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، أن الاقتراع الخاص بهذه الاستحقاقات والذي أجري في الرابع من شهر شتنبر الجاري، قد مر على العموم في ظروف ملائمة، هذا بالرغم من تسجيل حالات عنف وسلوكات خارجة عن الإطار التنافسي المشروع. كما حامت شبهات حول توظيف المال لاستمالة الناخبين، في عدد من الحالات التي تبقى معزولة. وقال عبد الله ساعف رئيس مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، في تصريح للصحافة، إن المنتدى المدني الديمقراطي المغربي ومركز الأبحاث الذي يشرف عليه، "اعتمدا نحو 240 ملاحظا وملاحظة لهذه الاستحقاقات التي تجري لأول مرة تحت الإشراف السياسي لرئيس الحكومة، فيما الجانب التقني واللوجستيكي اضطلعت به وزارة الداخلية حيث كانت مصدرا لجميع المعلومات المتعلقة بالعملية الانتخابية خلال مختلف مراحلها"، مشيرا إلى تسجيل الملاحظين لحرص الدولة ومؤسساتها على الحياد الإيجابي وعدم التدخل في العملية الانتخابية، هذا مع تسجيل بعض الاختلالات في مجموعة من المناطق لكنها لم تؤثر على عملية الاقتراع التي مرت على العموم في ظروف ملائمة". وأفاد ساعف على أن الاستنتاجات الأساسية التي يمكن تأكيدها بشأن هذه الاستحقاقات، تتمثل في بروز لأول مرة حملة انتخابية افتراضية باستعمال مكثف لمواقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك، التويتر، والفليكر واليوتوب والمدونات الشخصية"، كما سجل إعادة انتشار مكونات السوق اللغوية الافتراضية، حيث تم استعمال بكثافة اللغة العربية تليها الدارجة ثم الأمازيغية، وهذه الأخيرة خاصة في ترجمة الشعارات والأسماء. كما تشمل تلك الاستنتاجات نسب المشاركة، إذ أن هذه الانتخابات الجماعية والجهوية التي تعتبر الأولى من نوعها في ظل دستور 2011، عرفت نسبة مشاركة بلغت 53 في المائة، بما يتطابق مع الدينامية الجديدة التي حملها المتن الدستوري. وسجل ساعف في ذات الوقت ارتفاع عدد الناخبين في أوساط الشباب والنساء. وأشار، بالمقابل، إلى تسجيل تفاوت في المشاركة بين الجهات، فالتفاوت حصل بين مختلف المناطق حسب مميزاتها الاجتماعية والاقتصادية، وقدم نماذج لذلك، المناطق التي تشكل أحزمة للفقر أو ذات كثافة سكانية، أو المناطق ذات الطبيعة الحضرية أو القروية. إلى جانب تسجيل بعض الصعوبات التقنية من مثل غياب الولوجيات بالنسبة للمعاقين والمسنين. ولوحظ، كما يشير المتحدث، أن هذه الاستحقاقات عرفت حضور فاعلين جدد ممثلين في مرشحين لأول مرة بلغت نسبتهم على الصعيد الوطني 70 في المائة، ومرشحين هم في نفس الوقت ممارسون مؤسساتيون تم ترشيحهم كوكلاء لوائح ووصل عددهم 12 وزيرا ووزيرة، بنسبة 32 في المائة من وزراء الحكومة. أما على مستوى التنافسية، فهذه الاستحقاقات مثلت مؤشرا مهما لضبط الخريطة الانتخابية من خلال تغطية الأحزاب السياسية وحصر نسب حضورها في الدوائر الانتخابية. وأوضح أن مؤشر التنافسية تجلى في نسب التغطية على المستوى الوطني، إذ أظهرت الإحصائيات تبوء مجموعة من الأحزاب المكانة الأولى في تغطية جل الدوائر. هذا على الرغم من أن الحياة السياسية لم تعرف بعد بشكل معمق تنافسية تشمل مجموع التراب الوطني. وبالنسبة لدور المال، أفاد ساعف أنه، أثناء ملاحظة الانتخابات، سجلت شبهات حول استعمال المال لكنه أمر يصعب ضبطه، مشيرا إلى أن تراجع هذه الظاهرة مرهون بتقدم مشروع سيادة الحق والقانون. أما بالنسبة لظاهرة العنف، فسجل ساعف أن عملية الاقتراع مرت في ظروف ملائمة لكن تم بالمقابل تسجيل مجموعة من التهديدات وأعمال العنف باستعمال الأسلحة البيضاء ضد بعض المرشحين والناخبين، وفي بعض الحالات ضد أنصار هذا المرشح أو ذاك، قائلا "رغم خطورة هذا الأمر فإن الحالات إياها بقيت معزولة"، ولا يمكن تأكيد تأثيرها على نتائج الاقتراع. ومن جهتها اعتبرت كريمة عراب نائبة رئيس المنتدى المدني الديمقراطي المغربي، أن الانتخابات الجماعية والجهوية التي عرفها المغرب في الرابع من شتنبر الجاري تعد وقفة تاريخية مهمة في تاريخ المغرب السياسي، على اعتبار أنها أول استحقاقات تأتي بعد دستور 2011، وتنزيل مقتضياته الخاصة بالجهوية الموسعة، مشيرة أن مظاهر الحياد الإيجابي للدولة بدت بشكل جلي من خلال إصدار السلطات لقرارات توقيف في حق مجموعة من رجال السلطة، كالقياد والأعوان، بعد أن تبث دعمهم ومساندتهم لمرشحين في الانتخابات، وكذا اتخاذها لقرارات تنقيل البعض منهم، وإرسالها للجان تفتيش مشكلة من ممثلي وزارتي العدل والداخلية بعد توصلهم بشكايات حول سلوكات بعض رجال السلطة. وأضافت أن الحرص على الحياد يؤكده أيضا إصدار كل من المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني لبلاغ ينفيان ما تضمنته وثيقة مزورة نشرت بشأن توجيهات بالتدخل في العملية الانتخابية، مشيرة أن هذا التفاعل مع ما ينشر بمثابة إشارة على حرص الإدارة على الحياد وتأكيدها عليه. وأفادت المتدخلة في ذات السياق أن تدخل الدولة كان إيجابيا أيضا وتم على مستوى حث المواطنين على التسجيل في اللوائح الانتخابية والمشاركة في الاقتراع، حيث استعملت لهذا الغرض وسائل التواصل الحديثة، كما وضعت رهن إشارة الأحزاب السياسية آليات جديدة بهدف تسهيل عملية التواصل مع المواطنين. هذا ولم يفت المتحدثة الإشارة إلى أن الملاحظين والملاحظات التابعين للمنتدى ومركز الدراسات سجلوا خلال ملاحظتهم يوم الاقتراع أن بعض مكاتب التصويت المتواجدة بالمناطق التي تعرف كثافة سكانية لم يتم تزويدها بالحواسيب، فتحولت إلى أماكن لحملات انتخابية يوم الاقتراع، حيث أن إقرار التصويت بالبطاقة الوطنية لا غير والذي كان الهدف منه الرفع من المشاركة، أدى في بعض المكاتب إلى حدوث خروقات قانونية قام بها بعض أعوان السلطة وبعض ممثلي بعض الأحزاب السياسية.