تحاول إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إيجاد مكان فارغ لإيران في المفاوضات التي من المقرر عقدها حول سوريا تحت اسم مؤتمر "جنيف 3" وسط لاعبين لا يحبذ معظمهم هذا الدور الذي ينطوي على كثير من الالتباس. وينعكس التقارب الذي أعقب الاتفاق النووي بين القوى الغربية وإيران بشكل تدريجي على القضايا الساخنة في المنطقة، خاصة الملف السوري الذي تبذل واشنطن مساعي لحسمه دبلوماسيا من خلال منح دور كبير لإيران على طاولة المفاوضات. وتضغط دوائر رسمية في واشنطن من أجل دعوة إيران إلى المؤتمر الذي تأمل طهران في أن يبقي على نظام الرئيس بشار الأسد في السلطة لأطول وقت ممكن، بينما تريد قوى إقليمية أخرى نقل السلطة إلى فصائل تحظى بدعمها منذ بداية الحرب الأهلية قبل أربعة أعوام. ومن المنتظر أن يطرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري على نظرائه الخليجيين، في اللقاء الذي من المتوقع أن يجمعهم اليوم في الدوحة بعد انتهاء الحوار الاستراتيجي الذي عقده مع الحكومة المصرية في القاهرة، اقتراح مشاركة إيران في المؤتمر. وسيحضر اللقاء بشكل خاص عادل الجبير وزير الخارجية السعودي ونظيره الروسي سيرجي لافروف، الذي وصل أمس إلى الدوحة. ويقول مراقبون إن اقتراح كيري سيواجه حتما برفض خليجي واسع، وسيسهم إلى حد كبير في توسيع الشقاق بين الولاياتالمتحدة وحلفائها التقليديين، وعلى رأسهم السعودية. وأضافوا أن دعوات إشراك إيران في المؤتمر تعكس حقيقة أن المفاوضات النووية، التي بدأت في منتصف عام 2012 وحتى الشهر الماضي، لم تقتصر فقط على منع طهران من امتلاك قنبلة نووية، وإنما تطرقت كذلك إلى الملفات السياسية الشائكة في المنطقة. والأزمة السورية هي أولى تلك الملفات التي تسعى الإدارة الأميركية إلى وضع نهاية لها في مرحلة ما بعد الاتفاق. وفي منتصف الشهر الماضي، قال أوباما إن "على القوى التي تمتلك مصالح في سوريا أن تدرك أن الحرب هناك لن تنتهي عبر القتال المسلح". وأكد حينها أن إيران "من بين هذه القوى، وأعتقد أنه من المهم بالنسبة إليها أن تكون جزءا من التفاوض". وإذا ما وافقت طهران على المشاركة في المؤتمر، الذي من المقرر انعقاده في وقت لاحق هذا العام، فستتحول من شريك للنظام السوري الذي يواجه مقاومة شرسة أجبرته على الانسحاب من مساحات واسعة في سوريا، إلى شريك للمجتمع الدولي لا يمكن تجاهله. وتجد إيران في مخاوف الغرب من اتساع الرقعة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية مدخلا لإقناع واشنطن ولندن بضرورة التخلي عن سياسة الإصرار على إسقاط نظام الأسد، وبدلا من ذلك الدخول في مواجهة على الأرض مع التنظيم المتشدد. ويقول ميرزاد بوروجيردي، الأستاذ والباحث في العلوم السياسية في جامعة نيويورك إنه "بينما لا يشعر الناس في إيران بالارتياح تجاه الرئيس الأسد، فإنهم كذلك يرون داعش كتهديد خطير تجب مواجهته والقضاء عليه". وتحاول طهران استخدام محاربة الإرهاب كورقة ضغط على الغرب الذي يرى أن الإيرانيين لديهم الإصرار على مواجهة التنظيمات المتشددة في العراق، ولديهم الرغبة في فعل الشيء نفسه على نطاق أوسع في سوريا. ولا يفصح الإيرانيون بشكل كبير عن تفاصيل الدور الذي يقومون به على الأرض في سوريا بالنظر إلى حرص النظام في طهران على عدم الإعلان عن أنشطته في الخارج. ورغم ذلك، بات من المعروف أن إيران قدمت دعما عسكريا وماليا هائلا إلى دمشق، ساهم حتى الآن في إطالة أمد الحرب في سوريا. وفي الدوحة، سيحاول كيري مع نظرائه الخليجيين البناء على النتائج الضئيلة التي حققتها قمة كامب ديفيد التي عقدت في مايو الماضي بدعوة من أوباما إلى الزعماء الخليجيين لمناقشة الاتفاق النووي مع إيران. وسيحاول كيري طبقا لمسؤولين أميركيين فضّلوا عدم الكشف عن هويتهم، إقناع الخليجيين بتعزيز التعاون الأمني وزيادة مبيعات السلاح لحماية المنطقة من أيّ هجوم إيراني محتمل في المستقبل.