الإرهاب الفكري.. ظاهرة موغلة في القدم ومعروفة لدى مختلف شعوب العالم اغتيال المفكر والقيادى الروسى ليون تروتسكى ظاهرة الإرهاب الفكري موغلة في القدم ومعروفة لدى مختلف شعوب العالم. وإذا كانت العديد من الشعوب قد قطعت مع هذه الظاهرة المتوحشة لإيمانها بضرورة التعايش بين أطياف المجتمع الواحد، مهما اختلفوا فكريا وإيديولوجيا وسياسيا، بترسيخها لقيم الديمقراطية التي وحدها تتيح إمكانية التعايش هذه، فإن مجتمعاتنا العربية ما زالت ترزح تحت نير هذه الظاهرة التي باتت تستفحل ويتصاعد منسوب ضحاياها، إذ مازال هناك دعاة امتلاك الحقيقة في الفكر وفي السياسة وفي الدين، وهؤلاء بالضبط هم من ينظرون إلى خصومهم المختلفين على أنهم أعداء، ويوجبون، بالتالي، مضايقتهم أو تصفيتهم الجسدية. وفي تاريخنا الحديث والمعاصر ما ينم عن أن هذه الظاهرة ما تزال في استفحال، وأن دعاة امتلاك الحقيقة ومحتكريها في تصاعد حتى بات الاختلاف عن أو مع هؤلاء الدعاة أمرا محرما وتبعاته خطيرة تصل إلى حدود التكفير الذي تستتبعه إقامة حد القتل. إن قوائم الذين قضوا اغتيالا بسبب أفكارهم كثيرة، وقوائم المحكوم عليهم بالقتل مع وقف التنفيذ كثيرة هي الأخرى. وحسب وقائع الاغتيال التي كنا شهودا عليها في وقتنا الحاضر، أو تلك التي أرخت لها كتب التاريخ، تظل الفئة المستهدفة من عمليات التصفية الجسدية هي تلك التي آثرت أن تجدد في طرق التفكير وأعملت العقل من أجل فهم جديد لعناصر هويتنا بما في ذلك عنصر الدين الذي حرروه من إسقاطات المقاربات المتحجرة، وفتحوا بذلك بابا جديدا للاجتهاد، يتيح لنا استيعاب ماضينا وحاضرنا بشكل أفضل، كما يتيح لنا استشراف مستقبلنا... نأتي في هذه السلسة الرمضانية على استذكار بعض من هؤلاء ممن أصابهم سلاح الجهل في مقتل. نستذكرهم اليوم، رفقة قرائنا الكرام، اعترافا لهم بانتصارهم لقيمة العقل كضرورة لا محيد عنها لبناء المجتمعات الحديثة. ليون تروتسكي اسمه الحقيقي ليف دافيدوفيتش برونشتاين (25 أكتوبر 1879م - 21 غشت 1940م) هو ماركسي بارز وأحد زعماء ثورة أكتوبر في روسيا عام 1917م إضافة إلى الحركة الشيوعية العالمية في النصف الأول للقرن الماضي ومؤسس المذهب التروتسكي الشيوعي بصفته إحدى فصائل الشيوعية الذي يدعو إلى الثورة العالمية الدائمة، وتسلم بعدها مفوصية الحرب، وهو أيضاً مؤسس الجيش الأحمر، وقوى من خلالها كيان الجيش الأحمر، كما أنه عضو المكتب السياسي في الحزب البلشفي إبان حكم لينين. كان له الأثر الفعال في القضاء على أعداء الثورة، عينه لينين مفوض العلاقات الخارجية عندما أسس حكومته البلشفية الأولى عام 1917م، حيث يعتبره أفضل العقول في الحزب الشيوعي، وأقدر من لينين في بعض الأمور، فعملا جيداً مع بعضهما، وأعتقد أغلب الشعب الروسي أن تروتسكي سوف يخلف لينين في رئاسة الحزب ولكن ستالين كان ذا سلطة قوية أيضاً فانتصر في النهاية هازماً تروتسكي. النشأة ولد ليف برونشتاين في 25 أكتوبر عام 1879 في أوكرانيا بالأمبراطورية الروسية في عائلة يهودية من والدين يهوديين من أصحاب العقارات. وأجاد ليون في طفولته اللغتين الروسية والأوكرانية بالإضافة إلى لهجة الإقليم الألماني الشمالي. وأمضى السنوات التسع الأولى من حياته في مزرعة العائلة وترعرع في أيام شبابه ودراسته بالمدارس الثانوية في مدينتي "أوديسا" و"نيكولاييف" (أعوام 1889 – 1895) في عائلة ابن خاله صاحب دار النشر والطباعة. عاش حياة عنيفة عاصفة، وجاءت طريقة موته متماشية مع أسلوب الحياة التي عاشها. بداية نشاطه السياسي في عام 1896 وقبل أن يتخرج من مدرسة "نيكولاييف" كان تروتسكي قد انضم إلي إحدى الجمعيات الثورية بمدينة نيكولايف الأوكرانية والتي قامت بالدعاية للأفكار الثورية بين العمال. كما شارك عام 1897 بتأسيس اتحاد العمال في جنوبروسيا. وتم اعتقاله عام 1898 بتهمة الاشتراك في قيادة عدد من التظاهرات والإضرابات العمالية وطبع الكتابات الممنوعة في "نيكولاييف". احتجز في السجن مدة سنتين ثم نفي إلى مقاطعة إركوتسك في سيبيريا لمدة أربع سنوات بدون محاكمة. تزوج في المنفى من ألكسندرا سوكولوفسكايا وولد لهما طفلتان، نينا وزينا في سيبريا.في المنفى انضم تروتسكي إلى "الاتحاد الاشتراكي-الديموقراطي في سيبريا" واشتهر باسمه المستعار "آنتيد-أوتو" كمعلق سياسي ومحلل اجتماعي وناقد أدبي، هرب من المنفى عام 1902 إلى خارج روسيا حيث سمى نفسه ب"تروتسكي" أثناء هروبه حيث كان اسم تروتسكي هو اسم حارس السجن الذي أودع فيه في سيبريا، ومنذ ذلك التاريخ، عمل تروتسكي دون كلل أو تعب، وعلى نطاق واسع، لأجل الفكرة التي أوقدها كارل ماركس. لبى تروتسكي دعوة لينين في الذهاب إلى لندن حيث التحق بمجموعة الماركسيين التي كانت تصدر صحيفة "ايسكرا" (الشرارة) إلى جانب لينين وبليخانوف وأكسلرود وزاسوليتش ومارتوف وبتروزوف. ثم التحق بالحزب الاشتراكي الديموقراطي الروسي الذي انضم أثناء انعقاد مؤتمره الثاني الذي عقد في بروكسيلولندن عام 1903 والذي حدث فيه الانشقاق التاريخي بين البلاشفة والمنشفيك. انظم تروتسكي إلى جناحه اليميني المنشفيك لفترة ثم انفصل عنهم واتخذ موقفا مستقلا عن كلا الجناحين. تعرف في باريس عام 1904 على "ناتاليا سيدوفا" التي أصبحت فيما بعد زوجته الثانية. العزل كان تروتسكي يسعى دوماً إلى تولي زمام السلطة في الحزب والدولة. لكن لينين الذي حظي في مرحلة الثورة والحرب الأهلية بشعبية أكبر منه حال دون وقوع ذلك. بدأ التصادم مع ستالين، ونشأ أول جدال حول نقابات العمّال، فقد أراد تروتسكي جعلها تحت سلطة الدولة، ولم يرغب ستالين في ذلك. إلا أنه بعد موت لينين عام 1924م لم يحضر تروتسكي الجنازة لعدم تواجده في المدينة وقتها، فيما أعلن ستالين نفسه خليفة للزعيم واتهم تروتسكي بقلة الاحترام للينين، فاحتدم الصراع من أجل السلطة بينه وبين ستالين الذي تمكن من التحالف مع زينوفييف وكامنييف وبوخارين وغيرهم بل وتمكن أيضاً من عزل أنصار تروتسكي في الحزب وإشعال خلافات بينه من جهة وأنصاره من جهة أخرى. وفي عام 1926م تم إعفاء تروتسكي عن العضوية في المكتب السياسي في الحزب البلشفي بتهمة النشاط المعادي للحزب. ونفيه من الحزب الشيوعي من قبل ستالين. اغتياله أقيم في عام 1937م في الاتحاد السوفيتي المحاكمة على تروتسكي التي أصدرت بحقه حكم الإعدام الغيابي، ووجّه إليه تهمة الخيانة العظمى. تعرض تروتسكي في مايو عام 1940م لمحاولة الاغتيال فاشلة ترأسها المكسيكي سيكيروس الستاليني في غشت عام 1940م. صعّد ستالين جهوده لإزالة هذه الشوكة التي تؤذي خاصرته، وتمكن رجاله عام 1938م من التسلسل إلى مشفى باريس، حيث كان ابن تروتسكي ليون يرقد مريضاً هناك، وخطفوه ثم قتلوه باسم الثورة . أهمل تروتسكي حماية نفسه من أصدقائه، ففي عام 1940م، قدمت فتاة أمريكية سيلفيا آغليوف صديقها فرانك جاكسون إلى تروتسكي، وكانت قد عرفت فرانك قبل سنتين في باريس . لقد حاز فرانك صفات محببة، فهو مستمع جيد، وطالب مجدّ، ويحسن الإطراء، وبذلك صار ضيفاً دائماً على مائدة تروتسكي، وأحد أفراد الحلقة المحبّبة لديه. لم تدرك سيلفيا أن فرانك كان في الحقيقة عميلاً سوفييتاً اسمه رامون ميركادير، ويحمل على عاتقه مهمة اغتيال تروتسكي . وفي يوم 20 من شهر غشت 1940 دخل رامون منزل تروتسكي متسلّحاً بمسدس وخنجر، وحاملاً فأساً في ثنايا معطفه. ثم توجّه المتآمر إلى غرفة المكتب حيث أخفى الفأس، وبعد ذلك توجّه لمجالسة تروتسكي، وبعد ذلك وجه له ضربة بواسطة الفأس على الرأس لم يسقط تروتسكي على الأرض، فحاول القاتل إطلاق رصاص المسدس، لكن الباب فتح ودخل اثنان من الحرّاس وانقضّا على القاتل وأوسعاه ضرباً قاسياً مؤذيا .. وفي تلك الأثناء سقط تروتسكي متهالكاً ... نقل الرجلان إلى المشفى المركزي في مكسيكو، وقد تعافى رامون سريعاً، ومات تروتسكي في المستشفى بعد 26 ساعة متأثرا بجراحه يوم 21 غشت عام 1940م. *المصدر: ويكيبيديا، الموسوعة العلمية