لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث أبدت وزارة الداخلية استعدادها لإشراك الأحزاب السياسية في صياغة وبلورة السياسات الأمنية، وطرحت في هذا الصدد تصورا دعت فيه إلى الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومختلف الفاعلين المؤسساتيين إلى الإنتاج المشترك لهذه السياسية شريطة أن تكون هذه الأخيرة ترسيخا للمفهوم الجديد للسلطة المبني على رعاية المصالح العمومية والمحافظة على السلم الاجتماعي والقرب من المواطنين. وأكد ممثل وزارة الداخلية محمد أوزكان العامل مدير مديرية الحريات العامة، في تدخل ألقاه باسم وزير الداخلية في الندوة التي نظمها المركز المغربي للديمقراطية والأمن، التابع للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف حول «دور الفاعل الحزبي في بلورة السياسيات الأمنية»، أن الفاعل الحزبي بات مدعوا للمشاركة في بلورة السياسات الأمنية من خلال تبني رؤية شمولية وموحدة لمفهوم الأمن في سياقاته الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية ، على أساس أن يكون ذلك التصور ترسيخا لمفهوم الجديد للسلطة الذي أقره الملك محمد السادس ، وعلى أساس أن يندرج هذا التصور أيضا ضمن مشروع متكامل المعالم يكرس بناء دولة الحق والقانون ويبني جسور الثقة والتعاون والمصداقية بين المواطن ومختلف الأجهزة الأمنية . وأفاد المسؤول الوزاري على أن وزارة الداخلية ما فتئت تسعى إلى ضمان وفعالية تدخل المرفق العام للأمن وتنمية قدراته لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة التي أفرزتها التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم اليوم ، ممثلة في التهديدات الإرهابية وتقاطعاتها العضوية مع أنشطة جماعات الإجرام المنظم ولاسيما شبكات الاتجار في الأسلحة والاتجار في البشر . وأضاف موضحا على أن الوزارة عملت على اعتماد مقاربة أمنية لمواجهة مختلف تلك الظواهر سواء تعلق الأمر على مستوى بناء قدرات العاملين في الأجهزة الأمنية أو على مستوى التنسيق العملياتي بين كل مكونات هذه الأجهزة فضلا عن تعزيز التعاون الأمني الإقليمي والدولي، مشيرا في ذات الوقت إلى ضرورة دعم المرفق العمومي للأمن لمواجهة تلك التحديات ، قائلا» مهما بلغت إمكانيات المرفق الأمن العمومي لن يستطيع وحده حماية المجتمع من الجريمة وتعقب مرتكبيها وإنما سيحتاج إلى دعم ومساندة أفراد المجتمع ومؤسساته المختلفة «. ومن جانبه اعتبر بيد الله رئيس مجلس المستشارين، على أن سياسة الدولة الديمقراطية أمنيا لاتستقيم دون اضطلاع الأحزاب بدورها في هذا الميدان، خاصة وأن الأحزاب تعاظم دورها بفعل ما أفردته لها مقتضيات الدستور الجديد من دور كبير وقوي ، بحيث أصبحت مسؤولة في السياقات الجديدة على تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم وفي تدبير الشأن العام والمشاركة في ممارسة السلطة ، مستطردا بالقول «إن هذا الدور الجديد يستتبع بالضرورة توفير النخب الجديدة والمؤهلة لحمل المسؤولية «. وبالرغم من طرح رئيس مجلس المستشارين مجموعة من الأسئلة بخصوص مدى توفر الحكومة والأحزاب المشلكة لها بل وحتى تلك التي توجد في المعارضة لتصور واضح لإصلاح السياسات الأمنية ، فإن سرعان ما أشار إلى التوصيات التي أقرتها هيئة الإنصاف والمصالحة في الجانب المتعلق بالحكامة الأمينة والتي باتت تعد التزاما وطنيا ، مشيرا بطلك وبشكل ضمني إلى أن تلك التوصيات بمثابة تصور يحمله جميع الفاعلين. هذا ولم يفت بيد الله أن يؤكد على ضرورة إحداث المجلس الأعلى للأمن المنصوص عليه في دستور 2011 ،بصفته هيئة للتشاور في شأن استراتيجية الأمن الداخلي والخارجي وتدبير حالات الأزمة المحتملة والسهر على مأسسة ضوابط الحكامة الجيدة. ومن جهته قال مصطفى المنوزي رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن، رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف كهيئة تضم ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وأسرهم، (قال) إن بعض الأحزاب السياسة تعتبر الشأن الأمني يدخل ضمن المجال المحفوظ للملك وهي لذلك تبتعد عن مقاربته والتعامل معه وفق «مقولة كم من حاجة قضيناها بتركه»، داعيا في هذا الصدد الأحزاب السياسية إلى الحرص على تضمين برامجها السياسة تصوراتها للشأن الأمني في علاقته بالمصالح الوطنية ومشروع التنمية الذي تقترحه. وشدد المنوزي على أن الأحزاب السياسية مطالبة بتحمل مسؤوليتها في هذا الجانب، ذلك أن الأجهزة الأمنية لايمكن لوحدها أن تنهض بإصلاح المنظومة الأمنية، مضيفا في ذات الوقت على أن الشأن الأمني يجب أن يكون جزءا لايتجزأ من السياسة العمومية التي يقع على الهيئات السياسية واجب اقتراحها والعمل على تنفيذها في حالة تقلدها مهام التسيير الحكومي». أما خالد الناصري القيادي بحزب التقدم والاشتراكية ، فقد أكد أن الفاعل السياسي بات أمام مسؤوليات جديدة، ذلك أن الأحزاب السياسية مطالبة بأن تتأقلم مع واقع سياسي ساهمت جزئيا في تحريكه ، مشيرا أن المجال الأمني قبل سنوات كان مصدر توجس بالنسبة للفاعل السياسي بالنظر لما كان يحدثه من عرقلة في مسار الشأن الاجتماعي. واعتبر الناصري وزير الاتصال السابق والناطق الرسمي باسم الحكومة ، على أن هناك قضايا مركزية يجب التركيز عليها ، منها أن هناك حاجة لتوسيع مجال الديمقراطية ، وحماية المواطن الذي بات يطالب بحقه في الأمن، وتلك مهمة الدولة وأجهزتها ، والتي عليها أن تتعامل على أساس أن الأمن حق من حقوق الإنسان، يقول الناصري،. وأردف مضيفا على أن إصلاح المنظومة الأمنية أضحى ضرورة حيوية ، وهذا يستلزم الأخذ بعين الاعتبار ما يؤطره من وعاء مبدئي يجد مقوماته الأساسية في المتن الدستوري ، ممثلة أساسا في ربط المسؤولية بالمحاسبة وتتبيث مرجعية حقوق الإنسان . هذا ولم يفت عبد الحكيم بنشماش القيادي بحزب الأصالة والمعاصرة ، أن يؤكد أن حزبه شأن بقية الأحزاب السياسية الأخرى لايتوفر على رؤية وتصور متكامل بالمعنى الحقيقي يجيب على الإشكاليات المتنوعة والتحديات المتشابكة للمجال الأمني، داعيا إلى تبني نهج يستمد روحه من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وما نص عليه الدستور. واقترح أن يتم بهذا الخصوص العمل وضع إجراءات مسطرية تخص آلية الاستماع البرلماني إلى المسؤولين الإداريين للأجهزة الأمنية ن ووضع تعديلات ملائمة على مستوى النظامين الداخليين لغرفتي البرلمان تمكن من الولوج إلى المعلومات الأمنية ، والتفكير في آليات تشاورية تشاركية للتعامل مع المجلس الأعلى للأمن بصفته هيئة استشارية. واعتبر حامي الدين القيادي في حزب العدالة والتنمية أن السياسات الأمنية أصبحت مجالا مطلوب من الفاعل السياسي مقاربته والمشاركة في بلورته بالنظر للأدوار التي تضطلع بها الأحزاب السياسية والمنصوص عليها دستوريا، على أن يتم في ذات الوقت الاهتمام بالأدوار الجديدة للمجتمع المدني الذي يجب أن يواكب المؤسسة الأمنية ولا أن يعتبر مشوشا. وأكد أن الجمعيات الحقوقية مطالبة باعتماد الموضوعية والدقة في دفوعاتها وملاحظاتها بخصوص السياسية الأمنية، كما ثمن الإصلاحات التشريعية والتي تمس الجانب الأمني ، في إشارة إلى مسودة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية والذي سيسفر عن إعادة النظر في الحراسة النظرية، والتي كانت موضوع ملاحظات وجهت للمغرب من لدن المنتظم الدولي الحقوقي. وأكد أن إعمال التسجيلات السمعية البصرية لتوثيق التدخلات الأمنية لفك التظاهرات سيساهم في تعزيز الحكامة الأمنية بل وستتحول إلى دليل للرد على ادعاء بحدوث تجاوزات او تعذيب وكذا في التعاطي مع المسؤولين الأمنيين.