يعيش المغرب منذ مدة صراعا محتدما بين دعاة تحرير الفن من رقبة الأخلاق، ودعاة تحويله إلى أداة من أدوات زرع الفضيلة. هؤلاء يبحثون عن فن «نظيف نقي»، وأولئك يبحثون عن «فن متحرر» من كل ما يعتبرونه رجعيا وماضويا. اشتد الصراع واحتد لدرجة أصبح مناسبة للسب والشتم والتنابز بالألقاب، بعيدا عن أي حوار هادئ وعميق يأخذ بعين الاعتبار أن الموضوع المطروح ليس من السهولة والبساطة التي يعتقدها كل متحمس حفظ جملتين عن ظهر قلب، وخرج على الناس يناصر هذا التيار أو ذاك. عن تبعية الفن عمق الإشكال ينطلق من واقع قديم ومزمن عنوانه تداخل القيم واختلاطها، وهي خاصية تميز المجتمعات التقليدانية التي لا يعرف نسقها القيمي استقلال عناصره عن بعضها البعض. بل وإن هذا النسق كثيرا ما يعرف سيطرة قيم بعينها على باقي القيم؛ وأهم هذه القيم المسيطرة: الدين والسياسة والاقتصاد، والتي من خلالها تبدو القيم الجمالية مجرد تابع لهذا الثالوت، الذي بدوره يجتهد من أجل أن تستقل عناصره عن بعضها البعض (فصل الدين عن السياسة / فصل الاقتصاد عن السياسة / فصل الدين عن الاقتصاد). عاش الفن المغربي ومنذ القديم مندمجا في هذا الثالوث، ولا يستمد قوته إلا بانخراطه فيه. فقبل أن تتشكل ملامح التجربة الفنية المغربية الحديثة، ظل الفن المغربي رهينا بالنافع والمقدس. لاشيء يبرر وجوده سوى أن يكون زخرفا وتزيينا لصيقا بمنفعة مادية كالصناعة التقليدية أو في مجال العمارة، أو أن يكون رهينا بالطقس الديني كما هو الشأن في العديد من التعابير الكوريغرافية والموسيقية التي تميز الكثير من الطقوس الدينية الشعبية. وفي أحسن الأحوال أن يكون رهينا بالاحتفال كحالة استثناء تبرر وجوده في لحظة تسامح هي لحظة الاحتفال الموسمي التي ترفع فيه القيود والحواجز الاجتماعية لتمنح الفرد لحظة استثنائية للتعبير عن خوالج الذات البشرية لمدة محدودة، لتعود بعد ذلك القيود والحواجز. الفن في هذه الحالة مجرد لهو وترف ومضيعة للوقت لا ينبغي الانقياد لسحره وغوايته إلا لمدة محدودة، ولا يمكن أن يستمر كمؤسسة قائمة الذات لأنه ليس عملا مذرا لمنفعة، بل وحتى وإن خضع جزء من المجتمع لهذه الغواية، فإن مجال الممارسة الفنية المستجيبة لتطلعاته، لا يتجاوز حدود الهوامش الحضرية والممارسات الزائلة التي لا تحتويها مؤسسة اجتماعية قائمة الذات ترفع الممارسة الفنية إلى درجة العمل. غير أن السياسة اكتشفت في الفن المغربي منافع لم يكتشفه فيه التدين قبل ذلك. لقد غدا الفن أداة لمقاومة المستعمر واكتسب من السياسة شرعية قد لا تعود لخصائصه الجمالية، بقدر ما تعود للخطاب السياسي والإصلاحي الذي يروج له. فبعد صدمة الاستعمار بدت العديد من التعابير الفنية وسيلة لحشد الهمم وتربية المجتمع، ما يهم فيها هو المضمون النضالي أو الإصلاحي التوعوي وليس الجوانب الشكلية والأسلوبية. لقد جعل هذا الواقع الفنان المغربي في العديد من الحالات يستمد عوامل نجاحه من مضمون عمله الفني أكثر من شكله، كما جعل هذا الواقع المضمون في حذ ذاته معيارا للتقييم النقدي. لا يهم كيف يصيغ الفنان عمله الفني، بقدر ما يهم الخطاب الذي يروج له. وإذا كنا اليوم نتساءل كيف استطاعت أعمال فنية متواضعة أن تحقق نجاحا باهرا في فترة ما، فليس بسبب عبقرية مبدعيها، بل بكل بساطة لأنها تلاءمت مع ما تتطلبه اللحظة السياسية من انتصار لهذا الطرف أو ذاك. وبنفس المنطق من الصعب التكهن أن مسارا تاريخيا كهذا يمكن أن يقود إلى أعمال خالدة تتحدى الزمن وتصبح يوما أعمالا خالدة، لأن القيمة الفنية وبكل بساطة تبنى على استقلالية المبدع ونظرته الخاصة خارج أي تأثير أو ضوضاء أو عوامل خارج فنية (extra-artistiques)للنجاح الفني. عن استقلالية الفن اليوم وفي جدال «الفن النظيف» و»الفن المتحرر»، لا يعيد الفن المغربي سوى نفس ميكانيزمات تعثره التاريخي، في إطار معطيات اجتماعية جديدة عنوانها البارز صراع الفن والأخلاق الموازي لصراع الدين والسياسة بين قوى محافظة وأخرى حداثية. بالنسبة للفريق الأول على الفن أن يكون في خدمة أخلاق مجتمع محافظ، وبالنسبة للفريق الثاني على الفن أن يكون في خدمة الحداثة وعلى الفنان أن يبدع بمعزل عن أي تأثير أخلاقي. مشكلة الطرفين أن الأول يجره نحو الأخلاقوية الدينية والثاني يجره نحو العداء لكل ما هو أخلاقي... الأول يرى في الفنان أداة للهداية والإصلاح، والثاني أداة لإشاعة قيم التفتح حتى ولو أصبح الفن أداة لهتك هذه الأخلاق ذاتها. مثل هكذا وضعية تفترض إعادة طرح السؤال القديم الجديد: هل استقلالية الفن تعني بالضرورة أن يناهض الأخلاق العامة في حدودها المشتركة بين الأفراد؟ وبنفس المنطق: هل ربط الفن بالأخلاق يعني بالضرورة أن يصبح الفن أخلاقويا لدرجة أن يتحول العمل الفني إلى خطاب محض عن الفضائل ومكارم الأخلاق؟ نحن أمام سؤالين يعودان بنا إلى إشكالية قديمة في فلسفة الفن تتمحور عناصرها حول ثلاث إمكانيات: - الفن في خدمة الأخلاق: ويمثل هذا الطرح كل التوجهات التي لا ترى في الفن سوى وسيلة تربوية مباشرة للتربية على الأخلاق الحميدة... وهي التوجهات نفسها التي لا ترى للفن من وظيفة سوى هذه وإلا صنفته كممارسة «شيطانية» ينبغي محاربتها؛ - الفن ضد الأخلاق: بمعنى أن وظيفة الفن الأساسية – حسب دعاة هذا الطرح- أن يكون صادما ومشككا في القواعد التي تحكم العلاقات الاجتماعية بما فيها المنظومة الأخلاقية المتحكمة في مجتمع ما، من أجل حث المجتمع على تجديد ذاته ومرجعياته ومسلماته؛ - الفن مستقل عن الأخلاق: هذا الموقف يرى في العمل الفني نسقا قائما بذاته، له نواميسه وقوانينه المتسمة بالرمزية والكلية، واللتين بموجبهما تصبح هذه الاستقلالية أداة للتفاعل مع باقي منظومة القيم (بما فيها القيم الأخلاقية). من بين الإمكانيات الثلاث تبقى استقلالية الفن أقواها وأكثرها انسجاما مع طبيعة الفن وخصوصيته كظاهرة جمالية، تتسم بالرمزية والكلية. في التجربة الفنية نحن أمام تجربة رمزية تندرج في عالم المتخيل الذي يمنحنا قدرا كبيرا من الإحساس بالأمان وبالتالي القدرة على معايشة وقائع وأحداث وصور قد تكون صادمة وغير مقبولة في واقع الحياة العادية الجارية، ونحن نقبلها في التجربة الفنية لا لسبب آخر سوى أنها ليست واقعا حقيقيا. ولذلك فأخلاقيات الفن لا ينبغي خلطها بأخلاقيات الحياة اليومية، لأن الفن يخرجنا من هذه الحياة نحو عالم المتخيل لكي ننسى أنفسنا كأفراد أنانيين. إنه نوع من التعالي الأخلاقي الذي يعيد صياغة الواقع ولا ينقله كما هو لكي نعيد قراءته بشكل خلاق. ومثلما يتسم الفن بالرمزية فهو يتسم بالكلية أيضا، العمل الفني كل لا يتجزأ، ولا يمكن الحكم على أخلاقيته من عدمها اعتمادا على جزء، بل على الانطباع العام أو الإحساس الذي يثيره في مجمل العمل. العمل الفني قد يصور المتهتكين والمجرمين والعاهرات والشواذ والكذابين والأفاقين وليس مجرد تصوير هؤلاء دليل على لا أخلاقيته، لأنه في النهاية قد يكون ذلك مجرد نظرة ساخطة أو هازئة أو إنسانية عن وضع قذر في واقع الحياة اليومية لا نستطيع رؤيته، ويمنحنا العمل الفني فرصة مشاهدته في عالم المتخيل ما دمنا نشعر بالأمان بأن ما نشاهده مجرد خيال مستمد من واقع. استقلالية الفن عن الأخلاق تختلف جوهريا عن الصراع بينهما... العمل الفني في الحالة الأولى وإن بدا ظاهريا أو جزئيا غير أخلاقي، هو أخلاقي في العمق لأن غايته ليست مصارعة الوعي الأخلاقي للمجتمع، بل من أجل تحريك هذا الوعي وحثه على التغيير من خلال حسن استعمال سلطة المتخيل. الفنان الذي يحاول هتك الأخلاق لمجرد هتكها دون مبرر ولا حس كياسة يصل في النهاية إلى هدم سلطة الخيال، ويحول العمل الفني إلى مجرد خطاب جارح، بمعنى أو بآخر يعود بالمتلقي إلى الأخلاق بمفهومها العادي اليومي وبالتالي يخرج بالمتلقي من دائرة الفن إلى دائرة الواقع بسبب فقر الموهبة وانسداد أفق الخيال. الهتك السافر وغير المبرر فنيا للأخلاق لا يثير في المحصلة إحساسا جماليا، بل إحساسا بالرفض للعمل الفني ويعوق تلقيه. إنه في نهاية المطاف عمل لا أخلاقي بمرجعية أخلاق الفن قبل أخلاقية الحياة اليومية. بنفس المنطق، فالعمل الفني الذي يتوسل بالتعبير الجمالي من أجل الدعوة والإرشاد، بشكل مباشر ودعائي عبر سلسلة من النصائح والحكم، هو أيضا عمل لا أخلاقي بمفهوم الفن، لأنه بدوره يخرجنا من دائرة الفن وعالم المتخيل ويعيدنا إلى الحياة. استغلال الفن من أجل هتك القيم الأخلاقية بشكل مجاني وغير مبرر فنيا شأنه شأن استعمال الفن لغايات أخلاقوية، كلاهما لا أخلاقيان بمفهوم الفن قبل أن يكون بمفهوم الأخلاق بشكل عام. إنه نوع من الغش والتزوير لطبيعة العمل الفني كنسق جمالي مستقل ومتفاعل مع القيم الأخرى وليس مندمجا فيها أو تابعا لها. حرية الابداع - حس الكياسة - الرقابة الذاتية لصراع الفن والأخلاق أيضا وجه حقوقي عادة ما يتم التوسل به من قبل المدافعين عن حرية الإبداع من أي تضييق. صحيح أن حرية الإبداع هي الأصل الذي ينبغي أن يسود في أي مجتمع ينحو نحو الحداثة والديمقراطية والتقدم. وصحيح أيضا أن الحجر على حرية الإبداع تقيد الإبداع وتحجم من دوره الاجتماعي الريادي في طرح القضايا ومقارعة طابوهات المجتمع في قالب فني الشيء الذي لا يقود في النهاية سوى إلى معرفة عميقة بهذا الواقع.. غير أنه وعلى الرغم من ذلك، تبقى إمكانية الاستغلال السيء لهذه الحرية أمر وارد عملا بالمبدأ الكوني: «تنهي حريتك عند بداية حرية الآخر». لكن من الذي يقيد هذه الحرية ومن له الحق في تقييدها؟... هنا لابد من التوقف عند الخلط الذي عادة ما يتم بين حرية التعبير وحرية الإبداع. وهي أولا أن حرية الإبداع أوسع من حرية التعبير بسبب خاصية الفن الرمزية وطبيعته الكلية. فحتى في البلدان الأكثر ديمقراطية والتي يعرف نظامها القيمي انفتاحا مهما، قد يجد المرء نفسه في مواجهة الشرطة إذا ما ثم ضبطه عاريا في الشارع، لكن لن يتم ذلك إذا ما فعلها ممثل يؤدي دورا على الخشبة أو على شاشة السينما. لماذا؟ لأن الأمر يتعلق في الحالة الأولى بحدث واقعي مرفوض اجتماعيا، أما في الحالة الثانية فيتعلق الأمر بمجال للتعبير الفني لا يكون فيه هذا العري مجانيا، بل له غاية أخرى تستنتج من غاية العمل الفني في مجمله وليس فعل العري في حذ ذاته، أما وإن كان حتى في العمل الفني مجانيا ومجرد نزوة لا مبرر لها فسيتولى النقد الفني الأمر، وسيتولى الجمهور أيضا مهمة رفضه ووضع العمل الفني في حجمه الحقيقي. حرية الإبداع إذن أوسع بكثير من حرية التعبير وتمنح المبدع مجالا واسعا عليه أن يحسن استغلاله لكي يقنع الآخرين بفنه. المسألة الثانية التي تميز حرية التعبير عن حرية الإبداع، أن تجاوز الخطوط الحمراء في التعبير تجعل المرء في مواجهة السلطة، بينما تجعله في حالة الإبداع في مواجهة مجتمع أو جزء منه وأحيانا في مواجهة الأفراد أو المجتمع المدني أو جماعات الضغط أو القضاء بناء على شكاية متضرر. بمعنى أو بآخر أن الذين يتوجه إليهم الفنان بخطابه هم من يمكن أن يعارضوه أو يرفضوا عمله. فهل هناك فنان يبحث أن يرفضه الجمهور أو جزء منه؟ كونيا لا، في حالة المغرب نعم. وذلك أن أغلب المنتوج الفني المغربي مدعم أو مرعي، وبالتالي ليست له رهانات اقتصادية كالتي قد يربحها من إثارة ضجة على هامش المنتوج الفني حتى ولو لم يشاهده أحد. الجمهور أو جزء منه لا يملك السلطة، وبالتالي لا يملك الحق، في معاقبة من يعتقد أنه ينتهك قيمه اقتصاديا، والمتحمس لهذا النوع من الأعمال الفنية بدوره لا يمتلك لا السلطة ولا الحق في مجازاة الفنان الذي يراه يعكس ثقافته وذوقه. في هذه الحالة أي في غياب ضغط الجمهور، يتم إبدال صراع من المفروض أن يكون مجاله الفن بجدال ذي طبيعة سياسية محضة بين قوى حداثية وأخرى تقليدية، ليجد الفنان نفسه من جديد أمام إغراء نجاح سهل مبني على عوامل خارج فنية سياسية بالأساس. ولذلك ليس من الغريب أن تكون الكثير من الجدالات التي عرفها صراع «الفن النظيف» و»الفن المتحرر» قد دارت تحت قبة البرلمان أكثر مما تمت في قاعات العروض والندوات والملتقيات وتحدث فيها الساسة أكثر مما تحدث فيها النقاد... إنه نوع من الاحتواء الجديد للقيمة الفنية من قبل القيمة السياسية. ففي الوقت الذي عرف فيه الإسلام السياسي نموا كبيرا، أصبح الفن في نظر القوى التقدمية والحداثية أداة مهمة لإحراج الأول سياسيا أمام قاعدته من جهة التي كانت تنظر منه تخليقا إسلامويا للحياة العامة، وأمام الرأي العام الدولي من واجهة حقوقية، بالمقابل يجد الإسلام السياسي في خطابه الأخلاقوي حول الفن أداة لتعزيز رصيده من خلال خطاب الإدانة لكل فن متحرر بالارتكاز على خلفية اجتماعية ذات أغلبية محافظة. في كلا الحالتين نحن أمام فن في المحصلة غير مستقل عن التجاذبات السياسية. والتي حولت علاقة الفن بالأخلاق من الاستقلالية والتفاعل الإيجابي بين القيمتين إلى تطاحن يكاد يعصف بالحس الاجتماعي المشترك، كما دفعت الفنان أو الناقد بوعي أو بدونه وأحيانا أخرى بانتهازية مقيته إلى ضرورة الاصطفاف مع أحد الفريقين. خارج السياق المغربي وفي وجود قانون رقابة على المصنفات الفنية أو بدونه، واقع الممارسة الفنية ونموذجها الاقتصادي الخاص، تفرض على الفنان أن يمتلك قدرا كبيرا من الرقابة الذاتية لكي لا يخسر جمهوره، أو أن تلصق به تهمة الإساءة للأخلاق العامة أو معاداة السامية أو التحريض على الكراهية أو العنف أو العنصرية أو تشجيع الجنسانية وبصفة عامة يجد نفسه مجبرا على احترام الحد الأدنى من القيم المتواضع حولها. وبنفس القدر يخشى جماعات الضغط وفئات المجتمع المدني التي قد تدعو الى مقاطعة أعماله، وبنفس الدرجة يتفادى أيضا احتمال لجوء الأفراد أو الهيئات إلى القضاء، وهي كلها سلوكيات من صميم العملية الديمقراطية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتراض عليها. حرية الإبداع، إذن، بقدر ما هي واسعة، فهي، لاعتبارات اقتصادية وقانونية، حساسة، خصوصا عندما يساء استغلالها، أو عندما يتم اللجوء إليها كمبرر لضعف الموهبة عن طريق تعويض الخطاب الفني في أبعاده الجمالية الرمزية بخطاب مباشر يهدف الاستفزاز من أجل الاستفزاز. الفنان عندما يستشعر أن خطابه قد يفهم في غير مقاصده يلجأ لقدرة من أهم القدرات التي تميز الشخصية المبدعة: حس الكياسةLe sens de la mesure التي يربط من خلالها إبداعه بخط الخيال الرهيف الذي يمكن أن ينقطع في أية لحظة من خلال إثارة شعور غير جمالي، بسبب مقطع أو لحظة عابرة تفسد كلية العمل الفني الذي بدل فيه كل جهده، ولذلك فهو يهذب ويشذب بحرص شديد واضعا متلقيه المفترض نصب أعينه. قد يقول قائل إن الفن نظرة ذاتية للوجود وعلى الفنان أن يبدع بمعزل عن كل القيود المفترضة.. نعم هذا صحيح، الفنان لا ينبغي أن يكون مجرد تابع للذوق العام ولما يريده الآخرون، بل عليه أن يترجم حساسيته الذاتية ورؤيته الخاصة... لكن ومع هذه العوامل النفسية اللاشعورية، تبقى العوامل العقلية أساسية في نهاية أي سيرورة لعملية الإبداع، لأن العمل الفني في نهاية المطاف لا تتحقق غايته إلا من خلال حكم المتلقي المفترض. * فنان وأستاذ باحث