يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عناء شديد، جسديا كان أو عقليا، يتم إلحاقه عمدا بشخص ما، بغض النظر عن الجهة التي تكون قد ارتكبت هذا العمل أو حرضت عليه، وفق ما هو منصوص عليه في المادة الأولى من إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. فأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة هو امتهان للكرامة الإنسانية، ويدان بوصفه إنكار لمقاصد ميثاق الأممالمتحدة وانتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفق المادة 1 من نفس الإعلان. من هذا المنطلق لا يجوز لأي دولة تعتبر نفسها معنية باحترام حقوق الإنسان أن تسمح بالتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو أن تتسامح فيه. كما لا يسمح لها باتخاذ أي ظرف قياسا على ما ورد في المادة 3 من نفس الإعلان، كذريعة لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الذي يمكن أن يمارس من أي جهة كانت. الدولة ملزمة وفقا لأحكام عدد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان باتخاذ تدابير فعالة لمنع ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة داخل إطار ولايتها بغض النظر إن كان مصدر التعذيب موظفين مكلفين بإنفاذ القوانين أو مواطنين عاديين أو تنظيمات معينة. فالأصل هو توفير الحماية اللازمة لحق الإنسان في الكرامة. كما يتعين على الدولة أن تكفل النص في قانونها الجنائي على أن جميع أعمال التعذيب المعرفة في المادة 1 تعتبر جرائم وهذا موجود ولله الحمد في المغرب ومحمي أيضا دستوريا. وتنطبق الصفة ذاتها علي الأفعال التي تشكل اشتراكا في التعذيب أو تواطؤا عليه أو تحريضا عليه أو محاولة لارتكابه. ويتعين في السياق ذاته على السلطات المختصة في الدولة المعنية، حيثما وجدت دواع معقولة للاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب المعرفة في المادة 1 قد ارتكب، أن تشرع فورا في إجراء تحقيق محايد حتى وإن لم تكن هناك شكوى رسمية. وإذا ثبت من تحقيق أجري بموجب المادة 8 أو المادة 9 من إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أن عملا من أعمال التعذيب المعرفة في المادة 1 قد ارتكب، تقام الدعوى الجنائية ضد المتهم أو المتهمين بالجريمة وفقا للقانون القومي. وإذا اعتبر أن الإدعاء بارتكاب أشكال أخري من المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة يستند إلي أساس صحيح، يخضع المتهم أو المتهمين بالجريمة للإجراءات الجنائية أو التأديبية أو غيرها من الإجراءات المناسبة. لا شك أن الدولة المغربية قطعت أشواطا مهمة في مجال حقوق الإنسان من خلال تصديقها على عدد من الاتفاقيات الدولية، من صمنها اتفاقية مناهضة التعذيب، والبروتوكول الملحق بها، لكن، هذا لا يعفينا من القول أن هناك ممارسات طبّع معها المجتمع تنطوي على مساس كبير بروح هذه الاتفاقيات، وهنا لا بد من استحضار مطالب الحركة الحقوقية الوطنية، التي طالبت في أكثر من مناسبة بضرورة إغلاق ضريح بويا عمر بسبب الممارسات الماسة بحقوق الإنسان، والتي يمكن أن ينطبق عليها وصف التعذيب، التي تمارس فيه ضد فئة من المواطنين المغاربة يعانون من أمراض نفسية أو عقلية يتم تسليمهم من قبل عائلاتهم لوسطاء وسماسرة بمبرر إخضاعهم للعلاج ببركات الولي الصالح!!! من حيث مصدر الأفعال الماسة بحقوق هؤلاء المرضى، ليس هناك ما يفيد أن الدولة متورطة في ذلك، على اعتبار أن الأسر هي التي قامت بشكل إرادي بالتخلص من أبنائها المصابين بأمراض عقلية أو عاهات نفسية في ذلك المكان، لكن مسؤولية الدولة التقصيرية تصبح ثابتة، عندما لا تتدخل لوضع حد لأنشطة وسطاء احترفوا الدجل، واستغلوا جهل الناس لممارسة طقوسهم السادية بشكل مؤدى عنه في حق مرضى لا حولة ولا قوة لهم إلاّ بالله. فمهما وقع الاختلاف من الناحية الحقوقية حول التكييف القانوني لتلك الممارسات، هل تدخل في خانة التعذيب أم لا تدخل، فالمؤكد أن فعل الاحتجاز يبقى قائما، وهو فعل مجرم دوليا إذا استندنا على المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، التي اعتمدت ونشرت علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 43/173 المؤرخ في 9 كانون الأول/ديسمبر 1988. فوفق هذه المبادئ فالشخص المحتجز هو كل شخص محروم من الحرية الشخصية ما لم يكن ذلك لإدانته في جريمة. وكما هو معلوم ضحايا ضريح بويا عمر مرضى وليسو مجرمين. ومن باب حماية حقوقهم كبشر كان ينبغي على السلطات أن تتدخل تلقائيا لمنع الممارسات الحاطة من كرامتهم وإنسانيتهم مند سنوات مهما كان تواجدهم هناك بفعل إرادي لعائلاتهم، لأن حقوقهم كبشر مقدمة عن أي شيء آخر. معركة الكرامة التي قادها الوزير الحسين الوردي والقاضية بتحرير المحتجزين في ضريح بويا عمر معركة إنسانية نبيلة كان يفترض أن ينخرط فيها الجميع لبعدها الإنساني بالدرجة الأولى. فأي مواطن مغربي معرض أن يكون ضحية من ضحايا الدجل الذين يتاجرون في معاناة البشر مستغلين في ذلك حالة الإحباط الذي يصيب نفوس عائلات هؤلاء المواطنين المرضى ويدفعهم مضطرين لا راغبين إلى تصديق هؤلاء المرتزقة والسماسرة والدجالين الذين يعتدون على المرضى ويسمسرون عائلاتهم ويبيعون لهم وهم العلاج بالبركة المفترى عليها. صحيح أن قطاع الصحة في المغرب قطاع هش و يعاني من أعطاب كثيرة، وصحيح أن الولوج للاستفادة من الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية يطرح مشاكل جمة، وصحيح أيضا أن واقع البنية الصحية في المغرب لا يرقى إلى ما هو مطلوب، وأن واقع الاستشفاء مزري، وأن عدد الأطر الطبية ضعيف مقارنة مع المعمول به وفق المعايير الدولية، ولا شك أن هناك أقاليم لا تجد فيها المرأة ظروف الوضع الملائم....الخ لكن، هل يعفينا هذا من الاعتراف للوزير الوردي بشجاعته وبتحديه وبجرأته على خوض المعركة؟ هناك أطراف سياسية، ناورت بطرق خسيسة للحيلولة دون تنفيذ الوزير الحسين الوردي لقراره الشجاع، وهناك من وصل به الإسفاف حد وصف الوزير ببويا الحسين، ومع ذلك أصر الوزير العاقل، على استكمال معركة الكرامة والعزة والإباء، التي لقيت استحسانا من قبل المغاربة، وتجاوبا منقطع النظير على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يلتف إلى الوراء لأن المهم هو البداية. ما الذي يعنيه أن يتقلص العدد من 800 إلى ما يقرب 300 مريض؟ أين اختفى الآخرون؟ من له المصلحة في اختفائهم؟ أين ذهبوا؟ ومن يسر لهم الخروج؟ هذه الأسئلة ينبغي الإجابة عليها لتحديد المسؤوليات فيما وقع، والمجتمع ينبغي عليه أن يصطف ويقف وقفة رجل واحد من أجل الدفاع عن كرامة وإنسانية هؤلاء المرضى ضد كل محاولات إفشال العملية التي شرع فيها الوزير الوردي. التدافع السياسي لا يمنع الدولة من التحقيق في ظروف وملابسات مغادرة أكثر من 500 مريض لضريح بويا عمر والمنطقة المحيطة به أياما قبل استئناف عملية تحرير المحتجزين. الصورة الحقوقية للمغرب في اعتقادي الشخصي أهم من الاستغلال السياسي لمعاناة المواطنين والمواطنات . شكرا للوزير الوردي على شجاعته وشكرا لكل من وقف وساند هذه الخطوة التي ستحسب للمغرب وليس لحكومة عبد الإله بنكيران أو لحزب التقدم والاشتراكية كما يعتقد بذلك صغار العقول.