لطالما سمعنا وقرأنا عن طقوس غريبة في الكتابة لدى العديد من الأدباء، ونادرا ما نجد أحدهم يبدع في ظروف سوية، إلى حد أن من لم يمارس تجربة الكتابة، قد يعتقد أن تلك الطقوس اختلقها أصحابها لإضفاء نوع من الغرابة والإثارة على تجربتهم، خصوصا وأنهم يعلمون أن خطابهم موجه إلى عموم القراء. وهناك اعتقاد سائد بأن بعض الأدباء حققوا نجاحا على مستوى رواج إنتاجهم الأدبي، عن طريق الصبغة المثيرة التي أضفوها على وضعهم الاعتباري، وليس بفضل قيمة ذلك الإنتاج في حد ذاته. ولا شك أن ذلك يدخل في إطار فن الترويج، خصوصا إذا علمنا ضعف الإقبال على القراءة. لقد اكتسب بعض الكتاب خبرة في هذا المجال، وصاروا يحرصون عند إصدار مؤلف جديد، على أن يحيطوه بشتى فنون الإثارة، منهم من يضع عناوين مستفزة، سواء ذات إيحاءات جنسية أو بكل بساطة غامضة، من شأنها -حسب اعتقاد أصحاب هذه العناوين- أن توقع القارئ في المصيدة. وغالبا ما يكون هذا الإنتاج عديم القيمة، ولا يصمد طويلا، أخذا بعين الاعتبار أنه لا يصح إلا الصحيح. ليس عنوان الكتاب ولا غلافه ولا الضجة التي تثار حوله، هي ما تجعله ذا قيمة. صحيح أن بعض هذه العناصر يشكل عتبات مهمة للولوج إلى عوالم العمل الأدبي، لكنها ليست المسؤولة عن نجاحه أو فشله. يا ما صدرت كتب في طبعات شعبية متواضعة حتى لا نقول بئيسة، لكنها حين رشحت لإحدى الجوائز الرفيعة استطاعت أن تقنع أعضاء لجان تحكيم نزهاء، وتحظى بالتتويج، ويعاد إصدارها بعد ذلك في طبعات متعددة وفاخرة وفي ترجمات مختلفة. وعلى العديد من أدبائنا، خصوصا أولئك الذين ينشغلون بالتفكير في نوعية الطباعة، أكثر من القيمة الفنية والإبداعية لما ينتجونه من كتابات، أن يضعوا في اعتبارهم أن النجاح يأتي من داخل العمل في حد ذاته وليس من خارجه. خلال المدة الأخيرة، صرنا نلاحظ ظاهرة غريبة، وهي حرص بعض الكتاب على طبع إنتاجهم في دور نشر بعينها، ليس لأنها تقدم امتيازات معينة، ولكن انطلاقا من كون بعض من نشروا فيها كتبهم استطاعوا نيل جوائز عن هذه الكتب. وهذا أغرب شيء يمكن أن يخطر على البال، إنه شبيه بنوع من الشعوذة، وهكذا يمكن القول إن بعض الأدباء من فرط تلهفهم للحصول على جوائز بأي شكل من الأشكال، تحولوا إلى مشعوذين، منهم من يتبرك بدور نشر بعينها، لا داعي لذكر أسمائها حتى لا نحرج من ينشرون فيها، مع العلم أن بينهم من يستحق التقدير والاحترام، وهناك من لا يزال يعتقد أنه لمجرد أن يملأ كتابه بالتعابير الجنسية والوقحة، ويلعب بالكلمات والعبارات تحت مسمى التجريب، سينال الشهرة وسيصير الجميع يتحدث عنه، وسيحظى منتوجه برواج منقطع النظير، غير مدرك أن موضة أو تقليعة الكتابة في الجنس وما إلى ذلك، قد ولت. كم تبعث على الشفقة هذه الفصيلة من الكتاب التي ابتليت بها ساحتنا الثقافية، سيما وأن منهم من لا يزال مستمرا في مراكمة هذا الإنتاج الذي ينبني على أسس خاطئة، وما بني على باطل فهو باطل. لكن هناك من يفلح بالفعل في تحقيق رواج منتوجه الأدبي على نطاق واسع، وقد يبلغ تبعا لذاك شهرة عالمية، بالرغم من أن ما ينتجه جد عادي، لا بل إنه لا يتوفر على قيمة تؤهله لبلوغ تلك المرتبة التي يسعى إليها كل أديب. لكن حين نبحث في أسباب هذا النجاح، يزول أي داع من دواعي الاستغراب والتعجب، إننا غالبا ما نجد أن فريقا متخصصا في فن الترويج يقف إلى جانبه، هناك من يتكلف بالتواصل مع مترجمين من بلدان مختلفة ولغات متعددة، هناك من يتفنن في طبع الملصقات الإشهارية، هناك من يهيئ له حوارات صحافية مع منابر إعلامية محلية وأجنبية، ويبحث له عن سبل أخرى عديدة للانتشار. لكن مهما يكن؛ فإن هذا النوع من النجاح لا بد أن يكون محدودا في الزمن، لأنه صادر من خارج العمل الأدبي، ولنا في ذلك عدة نماذج، لا داعي لذكرها حتى لا نحرج أصحابها، أخذا بعين الاعتبار أن أهم غربال يبقى هو الزمن. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته