ضمانات قانونية ودستورية لجعل الجماعة وحدة فاعلة لترسيخ الديمقراطية المحلية و التشاركية قدم فؤاد حجير عضو فريق التقدم الديمقراطي بمجلس النواب وجهة نظر الفريق الديمقراطي في ما يخص مشروع القانون التنظيمي للجماعات، حيث قدم ملاحظات هامة و سجل بايجابية المقتضيات المتقدمة الواردة فيه والتي تؤسس لثقافة تدبيرية عملية ومتقدمة، تستهدف تكريس مبادئ الديمقراطية المحلية وقواعد الحكامة الجيدة في تدبير الشأن المحلي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإرساء آليات تشاركية للتشاور والحوار. فيما يلي النص الكامل لمداخلة فؤاد حجير. يشرفني أن أتناول الكلمة في إطار مساهمة فريق التقدم الديمقراطي، في مناقشة مشروع القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، والتي تروم تسليط الضوء على هذا المشروع من خلال بسطنا لبعض الملاحظات والمقترحات التي تقدمنا بها في جميع مراحل إعداد هذا المشروع منذ أن كان في صيغة مسودة، وذلك من خلال مذكرتنا الحزبية ذات الصلة، ومساهمتنا في المناقشة العامة والتفصيلية داخل لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، وذلك انطلاقا من تصورات فريقنا في إغناء تجربة تدبير الشأن العام المحلي، واستحضاره لتعزيز المكتسبات التي تم تحقيقها في مجال اللامركزية الترابية، مع الأخذ بعين الاعتبار التراكمات الايجابية التي تم تحقيقها منذ العمل بالميثاق الجماعي في سنة 1976، وما تلاه من تعديلين أساسيين في سنتي 2002 و 2008، من جهة، والإكراهات والعوائق التي شابت تنفيذ المضامين المتقدمة والديمقراطية التي جاء بها كذلك الميثاق الجماعي لسنة 2002، والتعديلات التي لحقته سنة 2008 من جهة ثانية، ومنها أساسا، عدم صدور جميع النصوص التنظيمية المنصوص عليها في الميثاق الجماعي، وعدم تعديل نظام التعويضات المخولة لرؤساء المجالس ونوابهم، وعدم تفعيل نقل الاختصاصات من الدولة إلى الجماعات المحلية، علاوة على عدم الوضوح بالشكل الكافي في ما يخص الولوج إلى التمويلات وحق الاستفادة من صندوق تنمية الجماعات المحلية وهيآتها، وتعثر عمليات وضع مخططات التنمية الجماعية، وعدم الاستمرار بشكل أكبر في المصاحبة في وضعها وتنفيذها وتمويل برامجها، إضافة إلى تداخل وتعدد الاختصاصات على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي، مع التعتثر المسجل أحيانا في التعاطي مع مقررات المجالس الجماعية من قبل سلطات الوصاية، وبالخصوص تلك التي لها انعكاس مالي، وعدم تفعيل لجن المساواة وتكافؤ الفرص وضعف مصاحبتها عند تشكليها وعملها. إلا أنه ورغم هذه الاكراهات والمعيقات المشار إليها، فإنه مع ذلك تم من خلال التعديلين المشار إليهما، تحقيق قفزة نوعية في مجال التدبير الجماعي. و علاوة على ذلك، فإن منظور فريقنا، يعتبر بأن مبادئ الحكامة الجيدة المحلية، كأحد المداخل الرئيسية لإرساء قواعد التدبير الحر والشفاف والنزيه، وانطلاقا كذلك من مقتضيات دستور 2011 الذي وضع منظومة قانونية و مؤسساتية للتدبير الترابي للمغرب وفق مبادئ و قواعد قانونية، تستهدف الارتقاء بجودة تدبير هذه الوحدات الترابية لتستجيب لمتطلبات التنمية المندمجة و الشاملة. وكذلك من خلال تصدير دستور 2011 وإقراره كون المغرب اختار منهج التدرج، بهدف ترسيخ وتعميق الدولة الديمقراطية و الحديثة، دولة المؤسسات المبنية على مبادئ التعاون والتشاور والتعددية الحزبية والحكامةالجيدة. وتأتي هذه الأهمية كذلك في المقتضيات الدستورية، بحيث أفرد الدستور مقتضيات خاصة لترسيخ ومأسسة التراكم الايجابي الحاصل في التدبير الترابي للجماعات المحلية، من جهة، ووضع لبنات إضافية جديدة تقوي من صلاحيات المجالس المنتخبة في تدبير شؤونها المحلية، وإرساء دعائم صلبة للديمقراطية المحلية والديمقراطية التشاركية، من جهة ثانية. وتضمن كذلك الإجابة عن العديد من الاكراهات والمعيقات المشار إليها سابقا، ومنها ما تمت ترجمته في مواد هذا المشروع بشكل دقيق وواضح، من دون شك، ستقوي وترسخ ممارسة تدبير الشأن العام المحلي، في أفق إرساء قواعد الديمقراطية التشاركية، كأحد المداخل الأساس لتحقيق التنمية المستدامة. وقد سجل فريقنا بايجابية، العديد من المقتضيات التي ترتبط بقضايا جوهرية في نظرنا من قبيل المرجعيات والاقتباسات، بحيث يستلهم هذا المشروع مضامينه من المقتضيات الدستورية خاصة في الفصول 140 و145 و 146، و هو مشروع بمضامين متقدمة مقارنة مع الميثاق الجماعي وفق آخر تعديل لسنة 2008، كما نسجل كذلك التماهي والتلاؤم والتكامل مع مشروع القانون التنظيمي للجهة على مستوى الهندسة وعلى مستوى المضمون كذلك، مما يتيح تحقيق انسجام مؤسساتي على مستوى الوحدات الترابية من حيث وحدة الضوابط وانسجام الآليات. وينتهز فريق التقدم الديمقراطي، هذه المناسبة ليجدد التحية من جديد لوزارة الداخلية وعبرها إلى الحكومة على مجهوداتها الجبارة في إعداد النصوص التشريعية من جهة، وعلى انفتاحها على العديد من المقترحات الحزبية، من جهة ثانية، والتي يمكن إجمالها في الأخذ بعين الاعتبار توزيع الصلاحيات بين الجهات والجماعات الترابية الأخرى، مع استحضار مبدأ التفريع كما هو منصوص عليه في الدستور، ووفقا لمبادئ التدرج والتمايز والتعاقد كركائز محددة في منح الاختصاصات للجماعات الترابية، و هو ما يثير الانتباه إلى أنه لأول مرة يتم التنصيص من داخل هذا المشروع على مبدأي التفريع و التدبير الحر، لما لذلك من دلالات قانونية ودستورية، لتمكين الجماعات الترابية من المزيد من الحصانة والاستقلالية لتقوم بأدوارها في تحقيق التنمية المحلية المستدامة. علاوة على تبني الأحكام القضائية كقرارات حصرية لممارسة سلطة الحلول. ثم الأخذ بحصر المراقبة الإدارية في مراقبة الشرعية، وجعل القضاء وحده الكفيل بالبت في النزاعات المتعلقة بالمراقبة الإدارية. وفي إطار حفظ الاعتبار المعنوي للمنتخب، فقد تم تخويل الرئيس السلطة الكاملة في التعيين بالوظائف التي تهم الجماعة بما فيها مدير المصالح، إضافة إلى مقتضى نعتبره مهما في فريق التقدم الديمقراطي، وهو الأخذ بتحديد الآجال التي يتم فيها إجراء انتخاب أعضاء المجلس الجماعي الذي تم حله. و في مقابل ذلك، نسجل بايجابية كذلك بعض المستجدات التي أتى بها مشروع القانون التنظيمي للجماعات، وهي تعتبر هامة من قبيل السعي إلى تحقيق المناصفة في رئاسة اللجان الدائمة، و تقييد إمكانيات طلب العامل حل المجلس في الحالات التي تكون مصالح الجماعة مهددة لأسباب تمس بحسن سير مجلسها، وكذا المقتضى القاضي بتصريف الأمور الجارية إلى حين انتخاب مجلس جديد مسير، ووضع صيغ جديدة تتعلق بتقديم العرائض، علاوة على صيغة جديدة بخصوص ممارسة رئيس مجلس الجماعة للسلطة التنظيمية، ثم منح إمكانية القيام بمهام الرئيس من طرف أحد نوابه بصفة مؤقتة، علاوة على إلغاء الحساب الإداري، وحذف التميز بين الجماعات الحضرية والقروية، بالإضافة إلى بعض الاختصاصات التي أحاطها المشروع بضمانات قانونية. وهناك العديد من المقتضيات الهامة، التي ستقوي مكانة المنتخب وتعزز جسور الثقة بينه وبين وسلطة الوصاية. ومن المقتضيات التي نعتبرها في فريق التقدم الديمقراطي، محورية وستؤسس لثقافة تدبيرية عملية ومتقدمة، تستهدف تكريس مبادئ الديمقراطية المحلية وقواعد الحكامة الجيدة في تدبير الشأن المحلي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإرساء آليات تشاركية للتشاور والحوار، مسألة انتخاب رئيس المجلس الجماعي ونوابه في جلسة واحدة مخصصة لهذه الغاية، وعن طريق التصويت العلني كقاعدة لانتخاب أجهزة المجلس وكقاعدة لاتخاذ جميع مقرراته. وهذا فيه تكريس للشفافية والنزاهة والديمقراطية. ومن المقتضيات المهمة كذلك في اعتقادنا، تلك التي تدخل في خانة تحصين الديمقراطية من كل ما يمكن المس بنزاهتها، وتفعيلا لمبدأ الحكامة السياسية، فقد أصبح ممنوعا على كل عضو منتخب بمجلس الجماعة، التخلي طيلة مدة الانتداب عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه في الانتخابات، وذلك بهدف منع الترحال السياسي والقطع مع ظاهرة لطالما شوهت ممارستنا السياسية، وضربت في العمق مسألة الانتماء الحزبي والتنظيمي للهيئة السياسية. وارتباطا بهذا المقتضى، فإننا ننبه من جديد، إلى كون ما ورد في المادة 51 من كون العضو المنتخب في مجلس الجماعة يعتبر في وضعية تخلي عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه، إذا قرر هذا الحزب وضح حد لانتماء العضو المنتسب إليه، بعد استنفاذ مساطر الطعن الحزبية والقضائية. ننبه، إلى كون هذا المقتضى قد تعتبره المحكمة الدستورية في حكم مخالفة الدستور، رغم انخراطنا، في الإرادة المشتركة والجماعية لدى مختلف الهيئات السياسية في رد الاعتبار للعمل السياسي والالتزام الحزبي ، بيد أن التجريد من العضوية، يرتبط بالتخلي عن الانتماء السياسي، وهذا الانتماء يتم التعبير عنه صراحة وكتابة، إذ يمكن للمنتخب أن لا يتخلى عن انتمائه، ولكن في المقابل لا ينضبط لقرارات الهيئة السياسية الذي ترشح باسمها. ونتمنى بصدق أن يكون قرار المجلس الدستوري ايجابيا لفائدة هذه المادة ولا يقضي بإلغائها. وفي إطار إحداث التوازن بين مؤسسة الرئاسة، التي يعتبر الاستقرار أساس نجاحها، من جهة، وبين مؤسسة المكتب كمؤسسة تنفيذية تتحمل المسؤولية إلى جانب الرئاسة وبين باقي الأعضاء المنتخبين، وضرورة إشراكهم في اتخاذ المقررات التي تهم الساكنة التي منحتهم الثقة في تولي تدبير شؤونه المحلية، من جهة ثانية، فقد أتاح هذا المشروع إمكانية طلب التصويت على مقرر يقضي بإقالة الرئيس من مهامه، بعد مرور ثلاث سنوات على انتخابه، أي عند منتصف الولاية بعد توفر شرطي 3/2 من أجل تقديم طلب الإقالة و 4/3 لقبوله، ولا يعتبر الرئيس مقالا إلا بعد حكم قضائي يصدر عن المحكمة المختصة. وهذا مقتضى نسجله في فريقنا بايجابية ونثمنه، لما يتضمنه من تفعيل للقضاء الإداري وجعله يقوم بدوره الدستوري لفض النزاعات بين أعضاء المجلس الجماعي من جهة، وبينهم وبين باقي المؤسسات، من جهة أخرى. و يتضح من خلال هذا المشروع، أن المشرع المغربي أعطى للجماعات ضمانات قانونية ودستورية لجعلها وحدة فاعلة لترسيخ الديمقراطية المحلية والتشاركية. أخذا بعين الاعتبار، أن القانون يعتبر أساسيا للتمكين لديمقراطية محلية قادرة على الدفع بعجلة بلادنا نحو مزيد من الانجازات لرفع التحديات. ونكتفي السيد الرئيس بهذه النقط، على اعتبار أننا تطرقنا إلى بعض النقط الأخرى، وعبرنا عن موقفنا بشأنها، كتلك المتعلقة بالمستوى الدراسي أو في ما يتعلق بإسناد لجنة دائمة وجوبا لامرأة منتخبة في مداخلة الفريق المتعلقة بمشروع القانون التنظيمي للجهات. تلكم إذن السيد الرئيس، السيدين الوزيرين، وجهة نظر فريق التقدم الديمقراطي في ما يخص مشروع القانون التنظيمي للجماعات، الذي نسجل بايجابية وارتياح كبيرين المقتضيات المتقدمة الواردة فيه. وانطلاقا من ذلك فإننا سنصوت بالإيجاب لصالح هذا المشروع.