منذ البداية يبدو العنوان مثيراً ويذكّر المشاهد بعناوين السينما المصرية الكلاسيكية في أزهى أيامها بتسمياتها التي تحاول أن تجاور في جملة واحدة بين الإثارة والسرّ، وذلك بتجميع المتناقضات الكلامية، والتأكيد على ارتباط العواطف الطيبة بنزعات غير طيبة بتاتاً. لكن «غرام وانتقام» المغربي يروم غير ذلك، فهو يستلهم خصوصيات السينما الحركية التشويقية المتداولة كي يمنح شريطاً بمواصفات محلية تبغي النجاح لدى جمهور يجب تعويده عليها. بين الشرّ والخير فنحن هنا إزاء فيلم بوليسي يطبق بالحرف شبكة النوع السينمائي هذا بكل ما يتصف به من إيراد شخصيات/نماذج فيها الأشرار والأخيار، ومن تصاعد درامي يتضمن مفاجآت، ومن أجواء تحيل على عالم تتداخل فيه النوازع النفسية بالاندفاع الحركي المتعارف عليه. كريم شرطي تحري يتعرض لهجوم جماعة من الملتحين ستؤدي به إلى البقاء في سرير المستشفى لفترة. الجماعة المعتدية حاضرة هنا كوظيفة لكي ينخرط المخرج في ريح العصر الذي تُشكل فيها هذه التكتلات لأفراد بإيديولوجية موحدة، أحد عوامل العنف الجديد في المجتمعات، وأيضاً لتأريخ الفيلم في الزمن الحالي كما هي الحال في هكذا نوع، بما أنه يريد أن يكون أيضاً شهادة على زمن ما بما يتصف به. داخل المستشفى تُعنى به ممرضة ما تلبث أن ترتبط به عاطفياً، لتصير زوجته بعد فترة معاشرة وإغواء لا بد منها. لكنها تعيش كوابيس ليلية تقض مضجعها، حيث تبدو فتاة مراهقة شاهدة على اغتصاب جماعي لصديقة لها من طرف فتيان من خلال صور استعادية يوردها الفيلم بشكل دوري في لحظات مختارة تغرق العمل في دوامة غموض من الواضح انه مبتغى لذاته. هؤلاء الفتيان صاروا شباباً لديهم مال ووظائف، ويقضون أوقات مرحهم في الملاهي الليلية عابثين رفقة مطربات وراقصات وفتيات هوى. لكنهم سيتساقطون قتلى الواحد بعد الآخر، جثثاً «مُشرملة» بحسب التعبير الشعبي الشائع حالياً الذي يعني التنكيل بالجسد سواء كان حياً أم ميتاً، الأمر الذي يكثف من رعب الجريمة، ويغلفها بالسر، كما هو معهود في الأفلام المشابهة، وهي تبدو هنا في شكلها المغربي على يد المخرج عبدالكريم الدرقاوي. يدور الفيلم ما بين التحري للقبض على الإرهابيين والتحري لتعرف لغز القتل المتسلسل وتقفي تطور العلاقة الزوجية بين البوليسي والممرضة المتوترة بدون صراع ثنائي، لكن بسبب أحلام هذه الأخيرة وغيابها ليلا بالمصحة. في النهاية يبدو الفيلم تواتر لقطات كوابيس وللقطات سمر في الملاهي ثم مطاردة وعرض لأمكنة جرائم. هي سينما التشويق الملغز في فضاء مغربي مميز بنوطين ملامح نوع فني معروف. تلوح الدارالبيضاء كمدينة كبيرة منذورة لتجاور الجريمة والعاطفة، أي تداخل البياض في السواد، الليل كمجال للتعقب في أماكن معينة كلاكورنيش جنب المحيط والحي التقليدي المهندس بجمالية خاصة. ثم الليل حاضنا للأسرة للعشق بأبطال عاريي الصدر كما أرست ذاك السينما الأمريكية من نفس الطينة. الشخوص النماذج ولتأكيد هذا الانخراط ركز المخرج على إظهار الشخوص الثانوية اللازمة لتحريك الوقائع جهة الحل. لأن الأحداث تظل في مجملها معروفة. سائق التاكسي الذي يقود الممرضة كل ليلة للمصحة مخافة تعرضها للصوص، وقد رسمه المخرج إنساناً متعاوناً راضخاً لكن بقدر كبير من الذكاء العملي وحسن التدبير في سلوكه كمخبر للشرطة ثم كمخبر لصحافي هو شخصية ثانوية ثانية. وهذا الأخير صُوّر متلهفاً لتحقيق السبق الصحافي، ولهذا الغرض فهو يطارد الشرطة لتلقف المعلومة الأمر الذي يعرضه لمواقف شد وجذب لا يملك معها سوى الرضوخ بشكل فيه الكثير من الحيلة وحسن التملص. يظهر بقبعته ودراجته النارية كما لو كان خارجاً من نفق رواية بوليسية (أميركية مرة أخرى لكن في قالب مغربي). شخص ثالث يسترعي الانتباه هو الشرطي المساعد بمعطفه الكولومبوي (نسبة إلى شخصية كولومبو المعروفة) والبريه على الرأس، والذي يقوم بالتقفي وتتبع الشخوص والإتيان بالمعلومات الثانوية اللازمة لرفد التحريات الأساسية. وأخيراً هناك مربية الزوجة الممرضة المقعدة على كرسي متحرك في مصحة خاصة. ميزة هؤلاء الشخوص تمنح الشريط نفساً مرحاً وتجعله يتنفس أجواء لطيفة. وما يزيد من قوة أدوارهم، أنها أسندت إلى ممثلين متمكنين جداً، ولهم أسلوبهم الخاص المعهود في التشخيص. فهناك طارق البخاري سائق ألتاكسي، وعبدالغني الصناك في دور الصحافي، ونور الدين بكر في معطف التحري المساعد، وعائشة مهماه في شخصية لطيفة ومتقنة لعجوز مليئة بالحنان. وهكذا تكتمل دورة مغربة للفيلم البوليسي التشويقي كما يرى عبر عدسة المخرج عبدالكريم الدرقاوي. على أية حال لا يتعين البحث في هذا الفيلم عن مقومات سينما أخرى غير تلك التي وجدت لترفد قاعات السينما. والحق أن الفيلم يندرج في خانة المنتوج الفليمي المتكاثف. ومن هنا يمكن تقدير قدرة المخرج على الالتزام أخيراً ب»صنع» أفلام مستغلاً في ذلك تجربته الطويلة في المجال برفقة أخيه المبدع المعروف مصطفى الدرقاوي، وعبر كل المحطات التي مر بها قبل أن يستقر مخرجاً خصيباً حالياً. سينما للوقت وللتشويق ولترسيخ فن يحتاج إلى الديمومة كي يستمر