في غفلة منا، وفي زمن أصبح فيه التنكر عملة رائجة، غادرنا بدون سابق إنذار، نجم آخر من النجوم الكبار في تاريخ الرياضة المغربية. بعد سنة 2014 التي سميت بالفعل سنة الرحيل، ودعنا خلالها أسماء كبيرة حملت على عاتقها ولسنوات هم الشأن الرياضي في ظروف صعبة، لم تكن فيها الإمكانيات والوسائل متاحة بالوفرة التي توجد عليه الآن، من بينها محمد دومو، محمد أمجيد، فاطمة عوام وغيرهم...فاجأتنا سنة 2015 ببداية صادمة، بدأنها بفقدان كبار ممن احترقوا ليضيؤوا سماء الرياضة الوطنية، فقد رحل عنا الأسطورة محمد الكرش، وهو الكبير الذي قهر كبار رياضة الدارجات على الصعيد الدولي، وما إن لملمنا جراح الفراق، حتى جاءنا خبر آخر صادم، إذ حملت لنا الساعات الأولى من مغرب يوم الخميس نعي الراحل إدريس باموس، الاسم التاريخي الذي قاد أول منتخب إفريقي يشارك بالمونديال عن طريق الإقصائيات القارية، وكان لنا شرف كسب السبق من حيث المشاركة المتميزة بكأس العالم لسنة 1970، حيث وقف العالم مشدودا أمام عرض قدمه هؤلاء المغاربة الذين قهروا الألمان في عز سطوتهم وجبروت يجسده القصير فرانس بكنباور. بعد سنوات من الممارسة تميزت بأداء أكثر من رائع وقيادته بحنكة ورزانة لكتيبة "أسود الأطلس"، حقق الراحل كذلك العديد من البطولات والألقاب مع الجيش الملكي، واختبر تجربة قصيرة كمدرب للفريق العسكري. هذا السجل الغني والتجربة الميدانية وتكوينه المعرفي أهلاه لرئاسة جامعة كرة القدم، وكان خلال فترة دامت ثماني سنوات أكثر قربا وإنصاتا لنبض الرياضيين، لما لا وهو الذي خبر أغوار الكرة وصال وجال بميادينها سواء بالمغرب أو خارجه. مباشرة بعد إخفاق الفريق الوطني في الظهور بمظهر جيد خلال نهائي كأس إفريقيا للأمم بالسنغال سنة 1992، أدى باموس الضريبة بصفته الرئيس المسؤول الأول عن الجامعة، فقد كانت بداية تراجعه، حيث فضل الابتعاد شيئا فشيئا عن عالم كرة القدم الذي أحبه وقضى فيه أزهى أيامه، إلى أن اختفى نهائيا عن الأنظار، وظل مجرد اسم كبير حاضر في القلب والذاكرة. بالأمس القريب ودعنا محمد الكرش، واليوم نودع إدريس باموس، والأكيد أننا سنودع غدا هرما آخر من أهرامات الرياضة الوطنية، في وقت لم تعد فيه الممارسة الرياضية بالمغرب قادرة على إنجاب مثل هذه الجواهر التي لا يصيبها الصدأ، إلا أن المؤسف حقا هو أن مسيرة وتجربة ومسار كل هؤلاء النجوم لم تدون ولم يكتب تاريخها، لنفاجأ بفقدان أسماء كبيرة وبضياع المسارات الرائعة واحدة تلو الأخرى، ولا تبقى بعدها إلا الذكريات الجميلة والرائعة التي كثيرا ما افتخرنا بها جميعا بكثير من الاعتزاز والتقدير... وداعا إدريس باموس، وتأكد أنك ستبقى حاضرا بيننا كواحد من الأسماء الكبيرة التي نقشت بمداد الفخر...