شهد العنف في المكسيك تصعيداً خطيراً خلال السنوات الأخيرة. فقد قتل في العام الماضي وحده ما لا يقل عن 6500 شخص في حوادث لها صلة بترويج المخدرات. يذكر أن وزيرة الخارجية الأميركية أبدت ،مؤخرا، أسفها خلال زيارتها للمكسيك، على ما وصفته ب»دورة العنف والجريمة» وتأثيرها السلبي على كلا المجتمعين الأميركي والمكسيكي. وتعهدت كلينتون بمواصلة الجهود الرامية إلى مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة. والمعروف أن الحكومة المكسيكية تخوض حملة قوية ضد الجماعات ذات الصلة بترويج المخدرات. إن المكسيك شهدت تصعيداً كبيراً في أحداث العنف ذات الصلة بالمخدرات، نتيجة للحروب الدائرة بين العصابات بهدف السيطرة على طرق نقل المخدرات، لا سيما تلك الواقعة على الحدود الأميركية، والقريبة من الموانئ وطرق المرور السريع. وقد شملت هذه الأحداث جرائم الاختطاف والقتل والابتزاز وغيرها من الأفعال غير المشروعة. لكن العنف ليس ظاهرة عامة ولا عشوائية في المكسيك كما يروج البعض. وعلى رغم استهداف وقتل بعض المدنيين الذين لا تربطهم صلة بتجارة المخدرات في بعض الأحيان، فإن أحداث القتل الرئيسية لا تزال تنحصر بين عصابات المخدرات وحدها. كما تنحصر إراقة الدماء بالدرجة الأولى جغرافياً في معابر وطرق نقل المخدرات، خاصة في ولايات سينالوا وشيهوهوا وتاموليباس. وبينما يعكس العنف ضعف الحكومة الفيدرالية وعدم قدرتها على فرض الأمن في بعض أجزاء المكسيك، فهو لا يمثل تهديداً للحكومة الفيدرالية نفسها. تفتقر الحكومة المكسيكية إلى الموارد اللازمة لمكافحة اتحادات عصابات المخدرات. فقد نشرت صحيفة «مليناو» المكسيكية الأسبوع قبل الماضي، نتائج استطلاع عام للرأي، أشارت إلى اعتقاد نسبة 59 في المائة من المواطنين بأن الاتحادات هي التي تفوز بحرب المخدرات الدائرة الآن، مقابل نسبة 21 في المائة فحسب، تعتقد أن الحكومة هي الطرف المنتصر في الحرب. و يرى ملاحظون أنه وبفضل التزام المسؤولين الحكوميين، ودعم الولاياتالمتحدة المستمر لجهودهم، فقد تم إلقاء القبض على الكثير من قادة هذه العصابات خلال السنوات القليلة الماضية، بينما أضعفت بعض العصابات تماماً. كما يلاحظ أيضاً أن للحكومة المكسيكية من الموارد والأدوات الكافية التي تمكنها من الفوز بالحرب، لكنه يتعين عليها أن تعيد توجيه أهدافها، وخاصة تغيير استراتيجية وجود قوات الجيش والشرطة في مناطق العنف، وتنظيم الدوريات المستمرة فيها. يساعد انتشار الفساد الحكومي على ازدهار عصابات المخدرات. فعلى رغم أن الفساد الحكومي ظل أحد التحديات الكبيرة التي تواجهها المكسيك فيما يتعلق بالحرب على المخدرات، فذلك لا ينفي التزام عدد كبير من المسؤولين الحكوميين باجتثاث الممارسات الفاسدة. فعلى سبيل المثال أسفرت الاعتقالات وتوجيه الاتهامات لبعض المسؤولين مؤخراً، عن الإطاحة بمدير الإنتربول المكسيكي، وكذلك بعدد من كبار المسؤولين في مكتب النائب العام، وبرؤساء الأمن العام في ثلاث من الولايات، إلى جانب المئات من ضباط الشرطة في الولايات والمجالس المحلية، وعدد من العمد وقادة الشرطة المحليين. صحيح أن هناك الكثير الذي يجب القيام به في مكافحة الفساد الحكومي، إلا إن هذه خطوات لا بأس من البدء بها. يعتقد البعض أن المخدرات مشكلة مكسيكية وليست أمريكية. و يرى ملاحظون مكسيكيون إن الحدود المشتركة بين المكسيكوالولاياتالمتحدة لا تزيد على ألفي ميل، وإن الجار الجنوبي للمكسيك هو ثالث أكبر شريك تجاري عالمي لها. وطالما أن عصابات المخدرات تدير نشاطاً تجارياً ثنائياً بين البلدين، بتهريب المخدرات من الشمال إلى الجنوب، والأسلحة من الجنوب إلى الشمال، من الطبيعي أن تصبح واشنطن طرفاً في المشكلة و حلها في الوقت ذاته. كما أن القوة الرئيسية التي تقف وراء ازدهار تجارة المخدرات في المكسيك، هي ارتفاع الاستهلاك الأميركي لهذه المنتجات، لا سيما الكوكايين والماريجوانا والهيروين والميثامفيتامين التي تزيد عائداتها السنوية على 60 مليار دولار. ومن المؤشرات الإيجابية، إعلان المكتب القومي لسياسات الرقابة على المخدرات في البيت الأبيض مؤخراً عن سعيه إلى زيادة تمويل البرامج الهادفة إلى الحد من الطلب الأميركي على المخدرات. وهذه مبادرة في الاتجاه الصحيح دون شك. وعلى الرغم من عنف المواجهات التي شهدتها المكسيك بين عصابات المخدرات، فإن ذلك لم يحدث مطلقاً في أي جزء من الجانب الأميركي من الحدود المشتركة بين البلدين. وعلى أية حال، فلا شك في أهمية شراكة حقيقية أميركية- مكسيكية في مكافحة تجارة المخدرات. ويصعب عملياً تصور إيجاد حل للمشكلة في المكسيك دون مشاركة جارتها الجنوبية. وتتضمن هذه الشراكة: التصدي لاستهلاك المخدرات، وبذل المزيد من الجهود لتحسين مستوى تنفيذ القانون المكسيكي، والمؤسسات القضائية المكسيكية، إضافة إلى استمرار التعاون من أجل تحسين الفرص الاقتصادية لمواطني المكسيك.