يتواصل منذ الخميس الماضي بقاعة العروض بالمتحف البلدي للتراث الأمازيغي بأكادير، معرض للصور الفوتوغرافية من إنجاز الفنان سعيد أوبرايم تستعيد أقوى لحظات رحلته إلى الهند و التبت خلال سنة 2010. وأكد سعيد أوبرايم، عاشق الأفلام الوثائقية و الدراسات الأنثربولوجية والأسفار، أن هذا المعرض الذي ينظم إلى غاية 2 ماي المقبل تحت عنوان "كأس شاي في التبت: من الأطلس الكبير إلى الهيمالايا الكبرى" يضم 36 لوحة تم نسخها للمرة الأولى على القماش. وأبرز أوبرايم (55 عاما) أن من جميع أسفاره، التي قادته من مرتفعات الأطلس وكثبان الرمال بالجنوب المغربي إلى الصين و الهند والنيبال مرورا بتركيا أو بغينيا الاستوائية، تكتسي رحلته إلى التبت طعما خاصا. ويحكي مدرس مادة علوم الحياة والأرض والحياة، الذي يشتغل بأكادير، كيف "كان علي أن أستقل القطار لأصل إلى عاصمة التبت على طول طريق سككي يبلغ علوه 5075 مترا فوق سطح البحر"، مشيرا إلى أن هذا القطار المجهز بأقنعة للأكسيجين ظل يخترق الهضاب والجبال المكللة بالثلوج لمدة 23 ساعة، قبل أن يصل إلى منابع أكبر الأنهار بآسيا. لكن ما الداعي لكل هذا الجهد وكل هذا الإصرار؟ "من الصعب أن أشرح لماذا أرغب بالسفر والترحال، فأنا لم أشاهد التبت بل أحسسته، وسأظل أحفظ في ذاكرتي تلك اللحظات الهاربة التي أود الاستمتاع بها واستعادتها حينما أعود إلى بيتي بأكادير". بعد خمس سنوات من هذه الرحلة التي طوحت به في قلب "سقف العالم"، هذا البلد الذي ما انفك يسحر بأبعاده الغرائبية، يبدو معرض سعيد أوبرايم كدعوة مفتوحة للسفر وارتياد فضاء تسكنه القداسة في أدق التفاصيل من الوديان إلى البحيرات إلى الجبال إلى الأشجار بل وحتى الطرقات. وبهذا الشأن تحديدا، يقول الكاتب والشاعر حسن وهبي في تقديمه لهذا المعرض، "إن ما يصل إلينا حينما ندقق النظر في هذه الصور هي مقاطع من الحياة، جغرافية إنسانية، أوجه وأوضاع، أي ما يجعل الأشياء البسيطة قادرة على فعل المفاجأة". ويضيف أن زائر المعرض، وهو ينتقل من صورة لأخرى، قد يجد نفسه أمام حالة من عدم الإشباع أمام تدفق المشاهد والصور، لكونها تبعث اهتماما متجددا بهذا الكم الهائل من الأشكال القادمة من بعيد "يحملها مصور فوتوغرافي من هنا، من جنوب المغرب". والحال أن المعرض يكشف، من خلال التدرج المتقن للوحات المعروضة، عن تماوج غني من الحالات والمشاهد الإنسانية الدافئة ضمن جو روحاني تزيد من عمقه وعبقه كثافة أدخنة البخور والصمغ والأعشاب المحترقة، على خلفية أديرة للرهبان البوذيين وهم يؤدون صلواتهم وطقوسهم في ظل رايات وأعلام متعددة الألوان، كل لون فيها يرمز إلى أحد عناصر الطبيعة. ويذكر الفنان أوبرايم كيف كان يتابع مشهد فرق فولكلورية من التبت وهي تسوي سطح أحد الأديرة على إيقاع من الغناء والرقص شبيه إلى حد بعيد بأغاني فرق موسيقية نسائية من منطقة تافراوت، أو حالة ذلك الرجل البوذي الذي جاء ليؤدي طقس الحج بترانيم أشبه ما تكون بأغنية "أجماع" التي تؤديها فرق أحواش بتارودانت. "علي أن أقر بأنني عشت تجربة الاغتراب بشكل معكوس بفعل هذا التطابق لأنني، في العمق، ذهبت لأكتشف الاختلافات بين الثقافات والبشر وانتهيت في آخر المطاف إلى اكتشاف نقاط التشابه"، يضيف الفنان الفوتوغرافي. جدير بالذكر أن سعيد أوبرايم سبق له أن أقام عددا من المعارض الفردية بالمغرب كما بالخارج، لاسيما في النرويج و ألمانيا و إسبانيا و فرنسا، فضلا عن مشاركته في معارض جماعية بكل من قطر و هونغ كونغ و سلوفينيا و البوسنة و الهند وإيران وتركيا. كما أحرز عددا من الجوائز الوطنية والدولية، منها الميدالية الذهبية لمؤسسة "آل ثاني للتصوير الفوتوغرافي" بقطر (2008) وجائزة كانون للصورة الفوتوغرافية (2012)، بالإضافة إلى مشاركته بالصور في عدد من الكتب والمؤلفات مثل "إيكودار: تراث أمازيغي" و "تافراوت: عناصر مكان" و "أجكال: تراث أمازيغي" وغيرها.