حضور متألق ووازن للمسرح المغربي في أيام الشارقة المسرحية بصم فنانون وباحثون وأكاديميون مغاربة متخصصون في مجال المسرح، على حضور وازن خلال الدورة الخامسة والعشرين لتظاهرة «أيام الشارقة المسرحية»، التي احتضنتها إمارة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة في الفترة من 17 إلى 25 مارس الجاري.. وحظيت المشاركة المغربية في هذه التظاهرة الثقافية بتقدير كبير من لدن جميع المشاركين، واهتمام خاص من وسائل الإعلام الإماراتية، حيث سجلوا التطور الهام للمسرح المغربي سواء على مستوى التنظير والكتابة أو الإخراج والأداء. وشارك المغرب في فعاليات التظاهرة من خلال مجموعة من الأسماء البارزة في سماء المسرح المغربي من بينها على الخصوص الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد والفنان عبد الحق الزروالي والمخرج بوسرحان الزيتوني والمخرجة والممثلة هاجر الجندي والكاتب والمخرج بوسلهام الضعيف والمخرج محمد الحر والمسرحي عبد الكبير الركاكنة. وتوهج الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد، السبت الماضي، خلال مشاركته في اللقاء التذكاري الاستعادي الذي نظم تحت شعار «الأيام .. ذاكرة مسرحية» بمشاركة عدد من رواد الحركة المسرحية العربية الذين رافقوا أيام الشارقة المسرحية خلال السنوات الماضية. وشكلت المشاركة القيمة والأفكار الواضحة والاستشرافية التي عبر عنها عبد الكريم برشيد خلال هذا اللقاء، أرضية تأسيسية لجميع المشاركين في هذا اللقاء من باحثين ومخرجين وكتاب وممثلين مسرحيين من الإمارات والبحرين والجزائر والأردن والسودان والعراق وتونس ومصر...الخ. ودعا منظر المسرح الاحتفالي في ورقة بعنوان «من التأسيس إلى التجديد»، إلى ضرورة العمل على تجديد هذه التظاهرة بهدف استشراف المستقبل، والارتقاء بها إلى مستوى آخر تكون قادرة معه على مناقشة التحديات ومعالجتها. وحث عبد الكريم برشيد على ضرورة تطوير الفعل المسرحي الخليجي والعربي وذلك من خلال التأكيد على حرية المبدع والإبداع وعلى الاجتهاد والتأكيد على العقل والعقلانية والفكر والعلم والثقافة المسرحية. وشكلت أمسية «مسامرة مع عبد الحق الزورالي»، إحدى اللحظات الفارقة والمضيئة في هذه التظاهرة المسرحية، حيث استطاع عبد الحق الزروالي، الذي شارك قبل خمس سنوات في أيام الشارقة المسرحية بعرض «كدت أراه»، انتزاع اعتراف عربي وخليجي بالمكانة الراقية التي وصلت إليها الممارسة المسرحية في المغرب، في جميع أشكالها وتداعياتها. وأكد الزروالي أنه سعى في هذا العرض المفتوح، الذي قدم من خلاله عصارة تجربته في التمثيل والتأليف والحياة، إلى تقديم صورة مشرفة للإبداع المسرحي بالمغرب، مشددا حرص الوفد المغربي في الشارقة على تمثيل الحركة المسرحية بكل أبعادها وتجلياتها. وقال رائد المونودراما المغربية والعربية إن إجماع الحاضرين على أن المسامرة شكلت حدثا متميزا في أيام الشارقة المسرحية، «يجدد فينا الثقة في أننا لم ندخل غمار هذا المجال بمحض الصدفة، ولم نختر هذا الطريق عبثا». ومن جانبه، أكد المخرج والكاتب المسرحي بوسرحان الزيتوني خلال مشاركته في أشغال ندوة فكرية في موضوع «المسرح العربي وتحديات الراهن»، على أهمية إدراك وظيفة المسرح الاجتماعية والمعرفية بغض النظر عن الأشكال التي قد يختارها المبدع لتمرير رسائله. واعتبر مخرج «أوسويفان» أن إدراك هذه الوظيفة هو ما يقود لاختيار اتجاه مسرحي دون آخر، وإلى استخدام تقنيات، وتبني أشكال دون أخرى، مشددا على أنه بدون استحضار البعد الوظيفي للمسرح في مستويات البناء الاجتماعي داخل سياق التجاذبات المختلفة للمجتمع، ستظل الأشكال فارغة جوفاء. وشدد الزيتوني على الدور الهام للفنون وفي مقدمتها المسرح في التأثير على الفكر والسلوك الاجتماعيين، مؤكدا أن المسرح العربي يعيش مرحلة يتعين عليه التصدي لتحدي مواجهة الذات في أفق التمكن من مواجهة التحديات الخارجية. كما تميزت الندوة، بمشاركة وازنة للممثلة والمخرجة هاجر الجندي، التي أكدت على ضرورة جعل المسرح أداة من أدوات التفاعل الإيجابي مع معطيات الواقع في سياق يتسم بتسجيل أحداث ووقائع متسارعة على الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والإيديولوجية . ومن جانبه، يشارك المخرج المسرحي محمد الحر في تأطير الورشات التكوينية التي تنظم في إطار ملتقى الشارقة الرابع لأوائل المسرح العربي الذي يضم عشرة طلاب من متفوقي معاهد وكليات المسرح في الوطن العربي. كما يشارك الممثل والمخرج المسرحي والتلفزيوني الفنان عبد الكبير الركاكنة كضيف شرف لهذه الدورة. وشهدت الدورة الخامسة والعشرين لأيام الشارقة المسرحية، مشاركة ستة عروض إماراتية، إلى جانب عرض مسرحية «خيل تايهة» لفرقة «نعم» الفلسطينية التي فازت بجائزة أفضل عرض في الدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي الذي نظم بالرباط في يناير الماضي. وتميزت فعاليات الدورة الحالية بتكريم الفنانة الكويتية سعاد عبد الله والكاتب المسرحي الإماراتي اسماعيل عبد الله وفرقة «نعم». وتضمن برنامج الأيام المسرحية عددا من الندوات والملتقيات والورشات والدورات التكوينية لفائدة المسرحيين الشباب، إلى جانب مهرجان للمسرحيات القصيرة. وتعد أيام الشارقة المسرحية، التي تنظمها دائرة الثقافة والإعلام في حكومة إمارة الشارقة، من أعرق التظاهرات المسرحية العربية، حيث أسهمت على مدار دوراتها في تعريف وتقديم وتطوير المسرح الإماراتي والعربي على جميع المستويات.. الفنان عبد الحق الزروالي: على المسرحيين العرب أن يطلبوا اللجوء المسرحي في الشارقة دعا الكاتب والممثل والشاعر المغربي عبدالحق زروالي الفنانين العرب إلى الاعتكاف في الشارقة وطلب اللجوء المسرحي في أحضانها لما توفره من بيئة مكتملة المكونات والعناصر، جاء ذلك خلال حفل (مسامرة مع عبد الحق زروالي)، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي الذي أقيم في فندق هوليداي انترناشينوال في الشارقة. وكانت الأمسية قد تضمنت الكثير من الأفكار الثقافية والفكرية التي طرحها الزروالي من خلال سرده لتجربته في المسرح والشعر والتي بدأت منذ نحو خمسة عقود واشتملت على مسامرة فنية وغنائية بصوته وحضرها أحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة وعدد كبير من المسرحيين المشاركين في المهرجان. في بداية حديثه عبر الزروالي عن أسفه على حال المثقف العربي الذي يمثل شريحة من شرائح المجتمع من المحيط إلى الخليج، هذا المثقف الذي يحاول أن يخفي أكثر مما يظهر في سياق تعبيره عن رأيه وما يختلج في وجدانه، ونوه في هذا السياق بكتابه "وحيدا في مساحات الضوء" والذي يمثل تجربة حياتية ومداخلة في كشف الكثير من النقاط والتفاصيل والتجارب التي تطمح لتقديم نموذج في السلوك الثقافي والإنساني من خلال إحساسه بأهمية الأشياء البسيطة في الحياة، سواء كانت هذه الأشياء تعبر عن وجهة نظر شخصية أو عامة ومن حق الفرد أن يعبر عنها ويطرحها للنقاش والمدارسة. ودلل الزروالي على هذا بكثير من المفارقات التي أثبت العلم صحتها كتأكيد خبراء العطور على سبيل المثال: أن العطر الجيد هو ذلك الذي يستخرج من الورود التي تنبت في المناطق النتنة، كما عبر عن فكرته من خلال تبنيه رأيا قابلا للنقاش كقوله "أنا الجالس أمامكم لا أعرف ماذا أريد".. وذلك ما دعاه طوال مسامرته الفنية إلى طرح كثير من الأسئلة عن جدوى أن يربح الفرد العالم ويخسر نفسه، وأيضا عن جدوى الأشياء الجميلة التي تنتهي بمجرد أن تبدأ، وهو السؤال الذي يطرح عليه في صيغة من يكون؟ هل هو من فاس المغربية؟ حيث يجيب: وهل يعقل أن أكون من غيرها! هذه المدينة التاريخية التي تجسد نمطا ثقافيا وفلكلوريا وتعكس وهجا نابضا بالتجربة والأفعال التي يعرفها كل من عاش فيها من الناس أو لد في أحضانها وخبر أشخاصها وتعايش معهم. وفي سياق تعليقه على الفن المسرحي وعلى كتابة النصوص المسرحية على وجه الخصوص، عبر الزروالي عن فقر المنطقة العربية لهذه النصوص الجادة في محتواها الفكري والجمالي الرصين، وهو الذي انتقده في كثير من نتائج لجان التحكيم والمؤسسات والدوائر الرسمية، وهو أيضا ما حاول هو أن يكون على نقيضه في كل ما يكتب من نصوص لا يساوره أدنى شك في نجاحها كحصوله على جائزة عن مسرحية "اعتقو الروح" مناصفة مع عبد الكريم برشيد. وفي السياق ذاته تحدث الزروالي عن إنجازه لمسرحية "هاملت" في عام 2007، وفي هذا الشأن رأى أن شخصية هاملت في المسرح هي من الشخصيات الرئيسية التي يجب على كل ممثل أن يؤديها وبدونها لا يستحق لقب "ممثل" وقال بفخر "إن عبد الحق الزروالي خلق ليلعب هذا الدور". وانتقد الزروالي الرقابة الإدارية العربية على الفن المسرحي، وهو الذي أدى فيه الكثير من الأدوار الكبيرة المونودرامية كدوره في مسرحية "الوطن" التي جسد فيها شخصية "الأمير" وهو طفل صغير في قاعة سينمائية غاصة بآلاف المشاهدين ونالت إعجابهم، حيث قال "لولا المسرح لما كان عبد الحق الزروالي بينكم". وأضاف ربما كان مكاني القبر أو السجن أو مستشفى المجانين، وبفضل المسرح أنا لا أطلب أن يزيدني أكثر مما أعطاني، فللمسرح أدين بالفضل والعلم والتقدير والإيمان. وطرح الزروالي سؤال المعاناة العربية في مقابل من نحن؟ وما علاقتنا أو درجة قربنا من المسرح، وأجاب عن هذا السؤال بإيراد احتمالات ثلاثة هي: من يشتغل بالمسرح، ومن يشتغل في المسرح، ومن يعيش للمسرح. مؤكدا أننا حين نحدد هذه الإجابات سنرتقي ونتطور. وأكد زروالي أننا لا يمكن أن نمارس المسرح "المونودراما" من دون أن يكون الممثل نرجسيا، كما تحدث عن واحدة من المسرحيات التي استلهم فكرتها من رائدات المسرح المغربي والعربي، وهي بعنوان "نقطة صفر" والتي عبر من خلالها عن المرأة ككائن جمالي مدهش يستحق التقدير والاعتراف بفضلها الإنساني والقيمي والتربوي والأخلاقي. وفي ختام حديثه قال الزروالي: "إذا كان الراحل محمود درويش قال: على هذه الأرض ما يستحق الحياة، فأنا أقول: على خشبات المسرح ما يستوجب الحياة، وأنا أردد مع نيرودا: أشهد أني قد عشت"، وخاطب عبد الحق الزروالي المسرحيين العرب بأن يفدوا إلى هذا البلد الجميل في إشارة إلى الشارقة الإماراتية داعيا إياهم للاعتكاف فيها وطلب "اللجوء المسرحي". المخرج المسرحي بوسرحان الزيتوني يشارك في الملتقى الفكري بالشارقة المسرح تجمع سياسي بالضرورة شارك المخرج المسرحي بوسرحان الزيتوني ضمن فعاليات الندوة الفكرية التي حملت عنوان: "المسرح العربي وتحديات الراهن" التي انعقدت ضمن البرنامج الثقافي لأيام الشارقة المسرحية ال 25، بمداخلة بعنوان: "المسرح العربي.. الوجود والموت والاستعارات". ومنذ البداية تساءل المتحدث "هل من ضرر في استعارة تجربة واستنساخها من تربة لأخرى؟" مجيبا بسرعة "أقدر أن المهم في نهاية المطاف بالنسبة للفن هو ما يحققه من أثر في الفكر والسلوك الاجتماعيين، فالممارسة المسرحية لم توجد لذاتها/ منذ طقسية نشأتها، وصولا إلى الأشكال الحديثة في الكتابة والأداء، ظلت حاملة لرسالة، وباحثة عن السبل التي تسهل وصولها إلى الناس، لأن التحدي الأكثر لمواجهة أي تحد راهن، هو صناعة الإنسان. لهذا يعول على المسرح في أن يظل نطاق اتصال الناس..". ولهذا فالمسرح العربي، يضيف بوسرحان الزيتوني، يعيش تحد مواجهة ذاته أولا حتى يتمكن من مواجهة التحديات التي تواجهه على عدة أصعدة، ولن يتمكن من أداء وظائفه إذا ما صار تمارين تلميذ ناصح، أو عروض متباهية مبهرة إذا لم تكن حاملة فكر وقضية. المهم في المسرح هو ما يقوله مما يشغل متلقيه ويخدم مواقفه وقضاياه، ما يساهم به في بناء الذات الواعية المدركة لشرط حياتها ولمتطلبات التطور والتغيير والديمقراطية والحقوق، حاميا إنسانه من التشتت والتشرذم والضياع... ويؤكد المتدخل "أن استخدام أرقى التكنولوجيات في خطاب مسرحي متخلف ورجعي لا يعني لي أكثر من وضع مساحيق على وجه شمطاء عجوز، قد ينفعها للحظة في تغليط الآخرين لكن لن تتمكن من ذلك طويلا". هذا الإدراك للوظيفة، حسب المخرج الزيتوني، "هو ما قد يقودك إلى اتجاه مسرحي دون آخر، وإلى استخدام تقنيات، وتبني أشكال، هو ما يقودك إلى بومارشيه أو بريخت، أو بوب ويلسون، أو عبد الكريم برشيد،... إذن بدون استحضار البعد الوظيفي للمسرح في مستويات البناء الاجتماعي داخل سياق التجاذبات المختلفة للمجتمع، ستظل الأشكال فارغة جوفاء". ويضيف "بدون مسرح يغوص في وجدان الناس وفي قضاياهم الصغيرة بالأسلوب الواصل الموصل، لن ننجح في تشكيل وعي ولا في صوغ هوية. إن وضع خلفيات فيديو أو شاشات تفاعلية، أو ملأ الركح بالمكروفونات أو استحضار التكنولوجيات الحديثة أو تحويل العرض المسرحي إلى سهرة في كباريه، لا يعفي المسرح من تفكير رسالته التي هي رأسا، ومنذ البداية، في خطاب العرض، وخطاب العرض هو فكره، الذي يصاغ نصا سواء كان دراميا أو غير درامي أو ما قبل الدرامي أو ما بعد درامي ، شذريا كان أو كولاجا. وختم الفنان بوسرحان الزيتوني مداخلته بالقول: ..لأن المسرح جبريا هو تجمع سياسي، ولأن المسرحي لا يمكن أن ينفصل بذلك عن ذلك. فإنه يجدر أن نتنبه إلى أن المعركة الأساس هي معركة من أجل الإنسان ونحوه، وخاصة في ظرف دقيق جدا تكشف فيه الربيع العربي خريفا. وقادت صناديقه الانتخابية إلى عودة الديكتاتور المتخفي فينا تطرفا واعتلالا.