المتفرج لا ينبغي أن يؤدي تذكرة الولوج إلى القاعة السينمائية ليجد نفسه أمام مرآة تعكس الواقع كما هو كان المخرج السينمائي محمد عبد الرحمن التازي من بين أعضاء اللجنة التي كلفها المركز السينمائي المغربي لانتقاء الأفلام الصالحة للمشاركة في الدورة السادسة عشر للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، بالمناسبة كان لبيان اليوم حوار معه، شمل عدة قضايا ذات صلة وطيدة بالقطاع السينمائي المغربي إنتاجا وإبداعا ودعما، ومما أكد عليه صاحب أفلام «باديس» و»عابر سبيل» و»البحث عن زوجة امرأتي»، و»العايل».. مما أكد عليه في هذا الحوار أن احترام التخصصات شيء لا بد منه في العمل السينمائي، ولا رجعة فيه، إذا أردنا أن نلج ميدان الصناعة السينمائية. تم اختيار خمس عشر فيلما طويلا للمشاركة في الدورة السادسة عشر للمهرجان الوطني للفيلم، وهي أهم حصيلة خاصة بسنة كاملة، هي السنة الماضية، ما هو تقييمك لهذه الحصيلة السينمائية؟ لقد وصلنا إلى عدد يتراوح بين عشرين وخمس وعشرين شريطا سنويا، رغم أن صندوق الدعم محدود، وحصيلة أفلام هذه السنة، فاقت العشرين وهناك أفلام أخرى محسوبة على السنة نفسها يتم وضع اللمسات الأخيرة عليها، في نظري أننا أصبحنا في طريق مضاعفة الإنتاج، بما أن الإمكانيات التقنية تشابه الإمكانيات التلفزية، أخاف أن ينزلق هذا النوع من الإنتاج نحو هذه الطريقة. بحيث أن عدد الأفلام التي تم انتقاؤها للمشركة في الدورة الأخير للمهرجان الوطني للفيلم يصل إلى خمسة عشر، وربما لو أنه كان هناك حزم، حيث أنه لا يتم تحديد مسبق لاختيار خمس عشرة فيلما، ربما أن العدد كان يمكن أن يكون أقل. هذه نظرتي الخاصة، باعتباري سينمائيا، وممارسا بهذا الميدان منذ خمسين سنة، ينبغي أن تكون الجودة هي الهدف، لقد وصلنا إلى طريق يخول لنا الاختيار بالنسبة للإنتاج، لكن لا بد أن تظهر الجودة في هذه الأفلام. العديد من الأفلام السينمائية ترشح للمشاركة في مهرجانات دولية، غير أن جل هذه الأفلام لا تحظى بجوائز، فعلى سبيل المثال، لم يحدث أن فاز فيلم مغربي بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للسينما بمراكش، رغم أنه ينظم منذ سنوات ببلادنا، لماذا يعجز الفيلم المغربي حتى اليوم، على انتزاع جوائز من هذا العيار؟ في كل سنة يكون للمغرب حظ التقدم للأوسكار، لكن الثلاثة الأوائل هي التي يذكرها التاريخ، لكن الفيلم المغربي حاضر في مهرجانات أخرى، في مراكش وفي البندقية وكان، وحضور يظل مشرفا، رغم كل شيء، غير أن سبب عدم حصول هذه الأفلام على جوائز، ربما يعود إلى كون بعض هذه المهرجانات يكون لها طابع تجاري. وبالنسبة إلي ليس من اللازم أن ينال شريط سينمائي مغربي على جوائز في المهرجانات، لكن حضوره يظل مهما جدا ومشرفا.عندما يحضر يقدم نظرة عن المغرب وعن إمكانيات الإنتاج السينمائي المغربي، وهذا شيء جيد في حد ذاته. الفيلم السينمائي المغربي لا يزال يشكو من عدة نقائص، بالرغم من تراكم الإنتاج، والدعم المادي الذي تمنحه له الدولة، وهذا يجرنا للحديث عن أصابع الاتهام التي توجه للمخرجين السينمائيين المغاربة، بكونهم يوظفون الجزء الأكبر من أموال الدعم لأغراضهم الشخصية، أين يكمن الخلل؟ الفن المغربي ليس له عهد طويل، كانت هناك نقائص على المستوى التقني، حاليا تم تجاوز ذلك، الشريط المغربي هو في مستوى أي شريط أجنبي غربي، كانت تنقصنا بعض الآليات والمختبرات، لكن لم يعد الفيلم يعاني من نقص أمام الأفلام الأخرى من هذه الناحية على الخصوص. ولعل من مميزات السينما المغربية أنها سياسيا لا تخضع للتوجيه، حتى عندما تحصل على الدعم، لم يحدث لأي وزير أو مدير المركز السينمائي في حدود علمي، أنهم فرضوا شروطا على المخرجين، لكي يحصلوا على الدعم، لم يوجهوا إشارة معينة إلى الجانب الفلاحي مثلا أو أي نظام ما، السينما المغربية تتمتع بحرية التعبير كاملة، مما جعلها تخوض مواضيع مختلفة، منها الاجتماعية والكوميدية إلى غير ذلك، هذه أشياء مفيدة جدا وعندها امتياز، مقارنة مع بعض الأفلام العربية، مثل السينما الجزائرية التي تعاني من التوجيه. هناك شبه غياب للأعمال الإبداعية للأدباء المغاربة عن السينما المغربية، كما أنه من النادر أن يتم إشراك أديب مغربي في إنجاز سيناريو هذا الفيلم أو ذاك، أغلب السيناريوهات يكتبها المخرجون أنفسهم، ماذا ينبغي عمله، لكي يكون للأدب المغربي حضور في شاشة السينما لمغربية؟ هذا النقص تعاني منه السينما المغربية بالفعل، وهو واحد من تجليات غياب التواصل بين الكتاب والمخرجين، لأننا نتحدث كثيرا عن كون القصة والسيناريو يشكو من ضعف، وهذا الضعف الموجود في الحكاية وليس في السرد الفيلمي، يجعل أن كل واحد يفكر في ميدانه الخاص، وهو ما يؤدي إلى عدم التعاون بين المخرجين والكتاب. منذ سنتين، كان قد تم توقيع اتفاقية في المهرجان الوطني للفيلم، توصي بأن يكون هناك تواصل بين السينمائيين والكتاب. لحد الآن لم يتم تفعيل هذه التوصية، هذا النقص حاصل، ربما لأن السينما عمل جماعي، وهذا العمل يستدعي أن يكون هناك حوار بين التقنيين والكتاب وحتى النقاد. مع الأسف ليس هناك حوار بين هذه الفئات المختلفة. هل يمكن الحديث عن أنانية المخرجين، سيما وأننا نجد بعض المخرجين لا يكتفون فقط بكتابة السيناريو، بل يشخصون بعض الأدوار كذلك في الفيلم نفسه؟ انشغال المخرجين بكتابة السيناريو، لا يعبر عن أنانية، السينما المغربية عندما انطلقت في سنوات السبعين، كانت هناك موجة سائدة هي سينما المؤلف، هناك عدد من المخرجين الذين تكونوا في أوروبا، هم الذين أعطوا الانطلاقة للسينما المغربية، وظلت سائدة فكرة سينما المؤلف. هكذا كانت الانطلاقة، لكن التخصص لا بد منه، شخصيا لا أقوم بهذه الأعمال المختلفة، أحمل قبعة المخرج وأخرى لكاتب السيناريو والممثل ومؤلف الموسيقى.. احترام التخصصات شيء لا بد منه، وهذه التخصصات بدأت تتحقق، الاعتراف بكل حرفة، يتطور سنة بعد أخرى، ويترسخ، وهذا شيء لا رجعة فيه، إذا أردنا أن نلج ميدان الصناعة السينمائية. من خلال القيام بجرد للحصيلة السينمائية الخاصة بالسنوات الأخيرة، نلاحظ حضورا لافتا للأجانب، في ما يخص الجوانب التقنية للفيلم، من قبيل إدارة التصوير وغير ذلك، هل السينما المغربية لم تتمكن لحد اليوم من توفير تقنيين مغاربة، بالرغم من إنشاء معاهد سينمائية وتحقيق تراكم على مستوى الإنتاج؟ ظاهرة الاستعانة بتقنيين أجانب، تحصل عندما يتعلق الأمر بشريط لمخرج مقيم في الخارج، في أوروبا مثلا، أو حاصل على دعم من هناك، لكن أغلب الأفلام المغربية، نجد بها مدراء تصوير مغاربة أكفاء، لكن يحصل أنه عندما يكون هناك إنتاج مكثف، وخصوصا أننا نعلم أنه عندما يقترب رمضان، الكل يشتغل لأجل التلفزة، ويتعاملون مع مدراء التصوير المغاربة، فيحصل خصاص، وبالتالي يضطر المخرج السينمائي المغربي، إلى اللجوء إلى خدمات مدير تصوير أجنبي، هذا ينطبق كذلك على مهن تقنية أخرى. مجموعة كبيرة من الأفلام السينمائية المغربية، وفق الحصيلة الأخيرة التي عرضت بالمهرجان الوطني للفيلم، تعكس المجتمع المغربي بشكل مشوه، هناك إغراق في البؤس أو طغيان للغة الفرنسية، ما مدى حضور مجتمعنا في السينما المغربية، انطلاقا من تتبعك لهذا الإنتاج؟ لا ينبغي أن نعمم على سائر الإنتاج السينمائي المغربي، لقد كنت في لجنة اختيار أفلام المهرجان الوطني، وشاهدت حضورا للمجتمع المغربي والبادية المغربية والمدينة في هذه الأفلام، يعني المجتمع المغربي حاضر بكل مكوناته، هناك أفلام صورت بالبادية، أو على الحدود، أو تدور وقائعها بالعاصمة، ربما يحدث في أفلام قليلة، أن تكون معالجة هذه المواضيع بكيفية سطحية. بالنسبة للسينما التي أفضل أن أشتغل عليها وأشاهدها، تنطلق من قناعة أن هناك أشياء في الشارع محزنة، ويطغى عليها البؤس وغير ذلك، وبالتالي فالمتفرج السينمائي لا ينبغي أن يؤدي تذكرة الولوج إلى القاعة السينمائية، ليجد نفسه أمام مرآة تعكس الواقع كما هو، المتفرج محتاج إلى مشاهدة هذا الواقع بعين أخرى، لهذا نجد كيف أن الأفلام الهندية يكون عليها إقبال، لا أدعو إلى أن تحاكي أفلامنا هذه السينما من حيث الرقص والغناء، ولكن يوجد في المغرب أشياء تدعو إلى الفرح وتؤشر على النمو، من المهم أن تعكسها السينما المغربية، ولا ينبغي أن تظل الكاميرا موجهة فقط نجو البؤس. من ميزات السينما المغربية أنها تتناول مواضيع مختلفة. المركز السينمائي المغربي بصدد العمل على تطوير آليات الدعم السينمائي، لكن من منظورك الخاص، باعتبارك سينمائيا، هل ترى أن الإنتاج السينمائي بالمغرب لا يمكن له أن يتحقق بدون دعم الدولة؟ إذا لم نكن نعرف تاريخ السينما المغربية، فلا يمكن لنا أن نقول كيف ينبغي أن يكون توجهها، لا ينبغي أن ننسى أن السينما المغربية في سنوات السبعين بدأت بدون صندوق الدعم، وكانت الأفلام في المستوى، سواء من حيث الموضوع أو كيفية التعامل مع السينما، مع مطلع الثمانينات، نشأ صندوق الدعم السينمائي الذي يعد شيئا مهما جدا، وهو لحد الآن الممول الوحيد للإنتاج السينمائي المغربي، غير أن ما يبعث على الأمل، أنه ضمن الحصيلة السينمائية الأخيرة، توجد خمسة أفلام أنتجت دون الحصول على إعانة صندوق الدعم السينمائي، لقد انعطفنا نحو الخوصصة، إن السينما المغربية ستسلك طريقها، لكنها ستأخذ وجهين، وجهة تجارية، تخضع لرغبات قطاع واسع من الجمهور، ولكن في نفس الوقت، نجد أفلاما تقوم حاليا بجولات، في مهرجانات عالمية، هي أفلام تنطوي على قيمة فنية، موضوعية إلى غير ذلك. إذن هناك اختلاف، وفي نفس الوقت، أن الخواص بدؤوا ينخرطون في هذا الميدان، اقتناعا منهم بأنه ميدان مربح.