حركة مواطنة من أجل إنقاذ سينما السلام حاخام.. قس.. وإمام.. ثلاث رموز دينية تناوبت على المنصة للدعاء والترحم على شهداء زلزال أكادير شاءت الأقدار أن يتقاسموا مقبرة واحدة وأن تتجاور جثامينهم تماما كما تجاورت بيوتهم يوما ما بهذه المدينة قبل القدر الإلهي. نعم كانت اللحظة رهيبة / عميقة تدفع إلى التأمل في الدعاء المشترك بين هذه الديانات الثلاث من جهة وبين هذا الحضور المتنوع والمتعدد عقيدة ودينا لتستحضر كيف أن آباءنا كانوا أكثر نضجا واستيعابا لقوله تعالى "ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" وكيف أن أجدادنا أسسوا لهذه المدينة هوية قوامها التعايش والتساكن بين كل الملل والنحل؛ وكيف أن أكادير قبل القدر الإلهي هي المدينة الوحيدة التي لا يوجد فيها "الملاح" لأنها بكل بساطة استطاعت أن تصنع فرادتها انطلاقا من كرمها وترحيبها بكل وافد عليها أيا كانت لغته أو عقيدته أو لونه.. لقاء بهذه الرمزية البليغة التي دأبت جمعية ملتقى ايزوران على تنظيمه كل شهر فبراير منذ تأسيسها قبل خمس سنوات، تميز هذه المرة بالتركيز على نشر قيم التسامح والتعايش بين الأديان خصوصا والجميع يستحضر ما يعيشه العالم اليوم من فكر ظلامي بلوبوسات دينية جهادية.. بعيدة عن المعا ني الجليلة للكتب السماوية وخاصة القران الكريم "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"؛ أو كما جاء في آية اخرى "وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة".. كلنا في هذا الصراط على حد سواء، إذ كلنا لله وكلنا إليه راجعون، وكلنا من نفس واحدة صارت أنفسا كثيرة وعقائد وأديانا وأمما وشعوبا نتخالف لنتعارف ونتسابق إلى الخيرات.. لا عيب إذا اعتقدنا أننا أحسن من غيرنا أو غيرنا أحسن منا في الخيرات، لكن المهم أن نحفظ الخير في ميثاق الولاء والتوجيه لله الرحمن الرحيم. هو الأفق المشترك لهذا اللقاء الروحي بامتياز وهو أيضا تأكيد على أن ساكنة أكادير استطاعت أن تترجم هذا الأفق بكل أبعاده الأخلاقية والثقافية بقدر ما نحن مطالبون اليوم بالحفاظ على الإرث ذي البعد الرمزي والروحي. هذا هو الانبعاث الحقيقي لأكادير، بذاكرته المعنوية والمادية، مثل البنايات التي عاصرت مرحلتين، وها هي تتعرض اليوم للطمس والنهب والتدمير في غياب تام لأصحاب القرار الذي يفترض فيهم أن يكونوا سباقين للدفاع عنها كحالة "سوليما السلام" التي نتركها في مكان قصي في الذاكرة والوجدان أخبارها اليوم تحمل في طياتها الكثير من الألم لأنه يدل على شيء واحد فقط هو أن حديثي النعمة ممن تقاطر بهم سقف أزمنة الأزمات لا يعرفون معنى تاريخ المكان بل ويتطاول الأمر إلى أن يصل مستقبل المكان نفسه.. إن اسوأ ما يمكن أن يصيب المدينة هو أن تسير من أشخاص لا تعني لهم أي شيء ولا يعرفون معنى الانتماء إلى المكان وهم بهذه الصفة يستطيعون أن يقبلوا بهدوء كبير هدم هذا الشكل المعماري بهندسة فريدة على المستوى الوطني وتحويله إلى عمارات... وبالمناسبة لماذا جل المدن المغربية تعود إلى إحياء ذاكرتها العمرانية ورصد أموال هائلة من أجل الترميم والصيانة كالبيضاء وفاس وتطوان.. بينما تبقى قصبة أكادير أوفلا بكل رمزيتها التاريخية والجغرافية وكأنها بدون هوية.. ولا تجد ربا يحميها وهي قصبة التابعة إلى أكثر من وزارة وجماعة ولا أحد يملك القرار... لأكادير هويتها وروحها وذاكرتها الحية.. وإذا كنا مؤمنين بالقدر الإلهي الذي دمر أبنية المدينة فإننا لن نقبل بالمرة أن تدمر بعض الممارسات غير المسؤولة ما تبقى من أمكنة تشكل ذاكرة مشتركة لنا وللأجيال المقبلة. ومن بين أهم فرادتها أنها المدينة الوحيدة القادرة على جمع الديانات السماوية في لقاء واحد خاشع لله رب العالمين.