لا أحد يمتلك القدرة على أن ينسى بلدا مثل الأراضي المنخفضة سمحت له الفرصة بأن يزوره يوما. ولا أحد بإمكانه أن تسعفه ذاكرته بأن يخط خطا أحمر على كل الصور التي اكتنزتها ذاكرته طيلة مقامه في المملكة الهولندية. إن الأراضي المنخفضة بقدر ما هي بلد صغير، قد تشكل مساحته جهة بأكملها من بين الجهات الست عشر بالمملكة المغربية، بقدر ما ينتابك إحساس خارق بأن العقول والسواعد التي تسيرها وتبنيها، على قدر كبير من المهنية. خلال مسافة طيران ليست باليسيرة تجاوزت ثلاث ساعات ، كانت تزدحم بخلدي العديد من الأسئلة حول المجتمع الهولندي الذي يضم أكثر من 150 جنسية عبر العالم من بينها أبناء الجالية المغربية في هذا البلد ، والذين ينحدر أغلبهم من منطقة الحماية الاسبانية والريف في شمال المغرب. غير أنه ما أن حطت الطائرة فوق أرضية ميناء أمستردام الجوي حتى اكتشفت بلدا مزج أبناؤه بين الهندسة والفن في تناغم كبير مع الطبيعة لتشكيل فسيفساء تتعايش فيها الديانات الثلاث، الاسلام والمسيحية واليهودية، وهو الأمر الذي تأكد خلال ملتقى حوار الاديان والتعايش والتسامح الذي احتضنته مدينة «نوردفايك» والذي نظمته الأحد قبل الماضي جمعيات «بيل إيفانت» (الحدث الجميل) و«مرحبا» و«ويندكراخ» (طاقة الرياح)، وجمع لأول مرة أعضاء السلك الديبلوماسي المغربي، أي السفير عبد الوهاب البلوقي ورؤساء الدوائر القنصلية الأربع عشية الاحتفال بالذكرى الواحدة والسبعين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي احتضنتها الثلاثاء الماضي مدينة أوتريخت الهولندية. فقد جعل ملتقى حوار الاديان والتعايش والتسامح من الديانات السماوية الثلاث، الاسلام والمسيحية واليهودية ثلاثة ورود تؤثث حقول مدينة «نوردكايك» لكل منها لون مختلف غير أنها بكل تأكيد تنتج رحيقا بذات العذوبة»، ومجالا من شأنه أن يساهم في تبديد ما تلبد من سحب في سماء العلاقة ما بين معتنقي الديانات السماوية الثلاث في بلد الأراضي المنخفضة وفضاء يتسع للجميع ليشكل جوابا على كل الدعوات التي تحث على الكراهية والعنصرية، ومناسبة تضمن استمرارية الحوار بين معتنقي الاسلام، المسيحية واليهودية في الديار الهولندية في أفق تحقيق تعايش أفضل بين سكان الأراضي المنخفضة مهما كانت معتقداتهم. قدمت ««لِيلا»»، من أقصى شمال الأراضي المنخفضة كي تشارك المغاربة المقيمين في الديار الهولندية والهولنديين غير المسلمين، لقاء استثنائيا عاشته المملكة الهولندية الأحد الماضي بمدينة «نوردفايك» جمع جاليات من الديانات السماوية الثلاث: الإسلام، اليهودية والمسيحية. لم يثن ««ليلا»» الطالبة في معهد لعلوم الصحة، التي سمحت لها الفرصة بأن تكتشف بلد المغرب في وقت سابق، طول المسافة بالرغم من صغر رقعة هذا البلد في أن تبذل جهدا مضاعفا بتشجيع ودعم من صديقها المغربي «نبيل» كي تتعرف عن قرب على الدين الإسلامي في تعايشه مع الديانتين اليهودية والمسيحية. إن «ليلا» المواطنة الهولندية المولودة من أب تايلاندي وأم هولندية حديثة العهد بالإسلام، فقد اعتنقت الدين الاسلامي منذ ما يقارب السنتين بطريقة استثنائية أيضا لا تخلو من المعجزة. فقد صادفت «ليلا» أسرة مسلمة في أحد المطاعم الهولندية غير أنها لم تكن تعي أن ذلك اللقاء سوف يتجدد في مكان آخر وبصيغة جديدة. فقد حدث وأن زار الفتاة «ليلا» ذات ليلة في حلم أشبه بالرؤية، رجل مسلم يدعوها فيه للالتحاق بالنسوة اللاتي صادفتهن في وقت سابق بأحد المطاعم في ما يشبه دعوة لحثها على اعتناق الاسلام، فكانت أيام قليلة لتلتقي «ليلا» ذات النسوة وذات الرجل في مكان آخر كما لو أنها إشارة إلهية لاعتناقها الاسلام والتحاقها بأمة محمد عليه السلام. لم تكن وحدها الفتاة «ليلا» من حضرت بمدينة «نوردفايك» لقاء حوار الأديان، الذي نظمته الأحد الماضي «بيل إيفانت» (الحدث الجميل) ورئيستها حنان الغزواني و«مرحبا» ورئيسها عبد الحميد اليعقوبي و«ويندكراخ» (طاقة الرياح) ورئيستها الكاهنة البروتستانتية يانيكي نييبور من أجل إشعاع قيم التعايش والتسامح، بل كان جزء من ساكنة نوردفايك المسلمة والمسيحية واليهودية، شباب وكهول رجال ونساء قدموا لإسماع صوت السلم والسلام أيضا من بينهم مستشارة لوزير الشؤون الاجتماعية والشغل الهولندي لودفيك آشر. وهكذا فقد مكنت هذه المبادرة، التي وصفتها حنان الغزواني رئيسة جمعية «بيل إيفانت» (الحدث الجميل) الأولى من نوعها في التراب الهولندي والتي تم الإعداد لها مذ حوالي السنة، من أن تحول مدينة «نوردفايك» الهولندية إلى ملتقى للتسامح بين الديانات والشعوب في ظرفية استثنائية عاشتها العاصمة الفرنسية باريس مؤخرا، طبعها الهجوم المسلح على الأسبوعية الفرنسية الساخرة «شارلي إيبدو» واحتجاز ومقتل رهائن بمتجر للمواد الغذائية اليهودية وما صاحبه من اعتداءات متكررة على عدد من المساجد ودور العبادة الاسلامية، مبادرة اعتبرها عبد الحميد اليعقوبي وسيلة لنبذ العنف ومحاربة التطرف ونشر قيم التسامع في تعايش متكامل بين كل الديانات على أرض هولندا. فقد أصبحت مدينة «نوردفايك» مجالا من شأنه أن يساهم في تبديد ما تلبد من سحب في سماء العلاقة ما بين معتنقي الديانات السماوية الثلاث في بلد الأراضي المنخفضة وفضاء يتسع للجميع ليشكل جوابا على كل الدعوات التي تحث على الكراهية والعنصرية، ومناسبة، كما أكدت على ذلك حنان الغزواني في كلمتها الافتتاحية، لضمان استمرارية الحوار بين معتنقي الاسلام، المسيحية واليهودية في الديار الهولندية في أفق حقيق تعايش أفضل بين سكان الأراضي المنخفضة مهما كانت معتقداتهم. لبس ملتقى «نوردفايك» المشترك حول حوار الأديان لبوس حوار الأديان والتعايش، حضره مسلمون ويهود ومسيحيون من أرجاء هولندا من أجل طرد كل الكليشيهات المتعلقة بالدين الإسلامي والأحكام المسبقة عن المسلمين كجزء من فسيفساء المملكة الهولندية وشارك فيه عمدة مدينة «نوردفايك» يان رييبسترا وشخصيات سياسية وازنة على الصعيد المحلي والوطني. لم يساهم ملتقى حوار الأديان فقط في تلاقي ممثلي الأديان الثلاث في لقاء موحد، من خلال استضافته فعاليات مسلمة وأخرى هولندية غير مسلمة، بل تمكن بمصداقية عمل الجمعيات المنظمة له ولنبل فكرته ومساهمتها في خلق التقارب بين الشعب الهولندي والجاليات المقيمة على أرضه، في أن يجمع ممثلي الديبلوماسية المغربية جميعهم حيث شارك في هذا اللقاء سفير المغرب بالعاصمة الهولندية «لاهاي»، عبد الوهاب البلوقي إلى جانب القنصل المغربي في «أمستردام» طلال جنان، قنصل المغرب في «روتردام» محمد سونة، والقنصل المغربي بدين بوش محمد بنتاجا وقنصل المغرب في «أوتريخت» اسماعيل الواريغي. حضر مغرب التعادلية والوسطية بتعدد روافده الثقافية بقوة خلال ملتقى حوار الأديان ليس فقط عبر الحضور المتميز للجالية المغربية بل حمله معه في قلبه عمدة مدينة «نوردفايك» فنفض الغبار بينهم عن صور اختزنتها ذاكرته حول طفولته رفقة والده قبطان البحرية الذي زار موانئ كل من مدن أكادير، الدارالبيضاء، القنيطرة، وآسفي. فالعيش المشترك المبني على قيم التسامح في إطار حوار سلمي منفتح على الأديان يعني بالنسبة لعمدة مدينة «نوردفايك»، الذي تحدث باللغة الفرنسية والفلامانية، يعني العمل الجماعي وتقاسم الأشياء جماعيا أيضا، وهو أمر لا يمكنه إلا أن ينتج مجتمعا حيويا متعدد الروافد، يروم تحقيق الاندماج المبني على الطموح والتعلم من الآخر، وأن الهجوم المسلح واحتجاز وقتل الرهائن كما عاشته باريس مؤخرا، لا يمكنه إلا أن يوحي بشعور أنه هجوم على القيم. قريبا من عالم عمدة مدينة «نوردفايك» البحري وغير بعيد عن مرافئ المغرب وهولندا كانت إشارة سفير المغرب بالعاصمة الهولندية «لاهاي»، عبد الوهاب البلوقي قوية حين أكد أن الجميع اليوم يركب في ظل الظرفية الحالية قاربا واحدا يمخر عباب بحر مجتمع يروم دفع السلبيات ، ومقاومة رفض الآخر ويلتزم بالتشبث بقيم الانسانية كمطلب لتحقيق التجاوب في إطار الاحترام المتبادل بين كل أطراف مدينة مثل «نوردفايك». فمدينة «نوردفايك»، التي تعكس التعدد والتنوع والاحترام المتبادل وأيضا المجهود المبذول من قبل كل فعالياتها ومكوناتها بالرغم من الخلفية الدينية والثقافية، قد تشكل فيها الاسرة والمدرسة أحد مفاتيح التعايش والتسامح وبناء مجتمع القيم الانسانية الذي لا يمكن معه إلا استحضار أبهى صوره في حقبة ذهبية من تاريخ الاندلس في شبه الجزيرة الإيبيرية. ذات التأكيد كان محور النقاش الذي شارك فيه كل من الإمام ياسين الفرقاني والرابين مينو تين برينك والكاهنة يانيكي نييبور. فقد تمت الإشارة، خلل هذه المائدة المستديرة، التي نشطها الفاعل الجمعوي ابراهيم فتاح وتفضل بترجمة أهم خطوطها الفاعل الجمعوي لخصر الكراد إلى على أن الطريق الأوحد والسبيل الوحيد لتحقيق مجتمع التسامح والتعايش هو الحوار واحترام جميع الديانات السماوية الثلاث من أجل تحقيق التقارب والتفاهم والسلم. المتدخلون الثلاثة ساروا في نفس سياق تدخلات ممثلي الديانات الثلاث، المسيحية (يانيكي نييبور وكلاس فان دير كامب)، واليهودية (هانيكي غيلدربلوم) والاسلام (حسن لشرقاوي)، الذين افتتحوا هذا الملتقى بإيقاد ثلاث شموع على التوالي ايذانا بانطلاق احتفالية التعايش في جو أخوي ومتسامح، فقد أكدوا على ضرورة نبذ العنف وجعل من الحوار، الذي يشكل القاسم المشترك للديانات الثلاث، آلية لتحقيق السلام وترجمته إلى أفعال على أرض الواقع، وشددوا على أهمية العيش المشترك وأنا لا أحد سواء إماما أو حاخاما أو قسا يدعي الحقيقة المطلقة، وأكدوا على ضرورة إسماع صوت الحقيقة الذي دون شك هو صوت السلم والسلام والتعايش عوض صوت التفرقة والعنصرية والاختلاف. وبالموازاة مع المائدة المستديرة، التي نظمت خلال ملتقى «حوار الأديان» أثثت قاعة العروض لثانوية «نورثغو» بمدينة «نوردفايك» ، فقرات روحانية قدمتها فرقة الدراويش التركية إضافة إلى فرقة مسيحية (مجموعة معا) وفرقة «الأصالة» لفن المديح والسماع من المغرب إيذانا باختتام الملتقى في احتفالية جمعت بين اللحن الجيد والغناء والرقص الملتزمين. وفي أذهان المدعوين وهم يغادرون القاعة استحضار لما قاله أحد الدراويش ومثلها مثل باقي المدعوين الذين شاركوا المغاربة المقيمين في الديار الهولندية والهولنديين غير المسلمين في لقاء مدينة «نوردفايك» لحوار الأديان، تغادر «ليلا»، التي قدمت من أقصى شمال الأراضي المنخفضة كي تحتفي بقيم التعايش والتسامح، تغادر القاعة وصدى كلمات الدرويش التركي «نحن كذلك في الأراضي المنخفضة، جميعنا ورود، لكل منا لون مختلف غير أننا بكل تأكيد ننتج ذات العذوبة» يتردد في دواخلها مثلها مثل أبناء الجاليات من الديانات السماوية الثلاث، الإسلام، اليهودية والمسيحية ممن حضروا اللقاء.