هناك أسئلة تتكرر بحذافيرها في بعض الندوات الصحافية، رغم مرور سنوات على عقدها، بشكل ينم عن أن طارحي هذه الأسئلة، لا يجدون بديلا عنها وأنهم لا يواكبون التطور، يمكن ملامسة هذا الأمر على سبيل المثال في الندوة التي تنظمها وزارة الثقافة بمناسبة تنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء. ومن هذه الأسئلة المكرورة: حكاية الكتب الصفراء. فخلال تقديم البرنامج الثقافي للدورة الحادية والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء الذي جرى افتتاحه مساء أمس، طرح أحد الصحافيين سؤالا بخصوص التدابير التي من المفترض أن تتخذها الجهة المشرفة على تنظيم المعرض، حتى لا يتم إغراقه بما أسماه الكتب الصفراء، ويقصد بها الكتب التي تروج للفكر الرجعي، غير أن أحد المسؤولين كان ذكيا في الرد على سؤال مماثل، حين أشار إلى أنه ليس كل كتاب يحمل اللون الأصفر هو بالضرورة كتاب رجعي، على اعتبار أن أبرز دور النشر التي تنتصر لقيم الحداثة والعقلانية، صارت تعتمد في تصميم كتبها على ذات اللون، أي اللون الأصفر، اعتمادا على معايير جمالية محضة. ومما يحسب للجنة المشرفة على تنظيم المعرض، أنها تشترط على الناشرين أن يعرضوا الكتب الحديثة الصدور؛ فأقدم كتاب يجب أن لا يتعدى خمس سنوات على تاريخ صدروه، كما أنه غير مسموح أن يعرض أكثر من خمسين نسخة لكل عنوان وبلا شك فإن هذه التدابير، تنم عن تجربة خولت لمنظمي المعرض الاستفادة من أخطاء الماضي. فالمعرض أنشئ خصيصا لعرض الإصدارات الجديدة، إضافة إلى أنه ليس سوقا للبيع بالجملة. هذه التظاهرة السنوية لا ينبغي أن تمر بشكل عابر، بل من الضروري أن تخلف أثرا، ولعل الأثر الإيجابي الذي تعكسه كل دورة من دورات المعرض، هي التحسيس بأهمية القراءة في أوساط مختلف الفئات العمرية، وبالأخص لدى الأطفال، وبهذا الصدد، يجب التنويه بمبادرة مجموعة من المؤسسات التعليمية التي تنظم زيارات جماعية لتلاميذها، وعيا بأن الأمل معقود على هؤلاء الأطفال لضمان مستقبل مزدهر للقراءة والنشر، رغم التحديات التي يفرضها واقعنا المعاصر، المتمثلة بالخصوص في طغيان الصورة وتعدد وسائط الاتصال، وما تتيحه من يسر في تلقي المعلومات، إلى حد من شأنه أن يوسع الهوة بين المتلقي والنشر الورقي. يظل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، الذي راكم لحد الآن أكثر من عقدين من الزمن، وهي تجربة لا يستهان بها، يظل حدثا هاما للغاية، بالنظر للعدد الكبير من دور النشر التي تشارك فيه، والكم الهائل من الإصدارات التي تحتضنها أروقته وللأنشطة الثقافية العديدة التي يقوم بتفعيلها نخبة كبيرة من المثقفين والمفكرين والمبدعين والتي تقام صباح مساء، على امتداد فترة تنظيمه. غير أن هذا الجهد في تفعيل الحركة الثقافية، الذي يشكل الدخول الأدبي الفعلي ببلادنا، لا يحظى بمتابعة إعلامية في مستوى التطلعات، خصوصا من قبل قنواتنا وإذاعاتنا، رغم المساحة الزمنية المتاحة لها، التي تسمح لها باستيعاب مختلف فقرات البرنامج الثقافي للمعرض، حيث بمقدورها أن تنقل بشكل مباشر مجموعة من اللقاءات الأدبية والفكرية الهامة، عوض الاستمرار في إعادة بث سلسلات درامية أجنبية لا حد لها، وسيتكومات رمضانية مغضوب عليها. هناك حاجة ماسة إلى توثيق أنشطة المعرض، ليس فقط عن طريق النشر، بل كذلك عبر الصورة والصوت.