تعيش بلدان أوروبية تحت وقع صدمة العمل الإرهابي الهمجي الذي استهدف صحيفة "شارلي إيبدو" بباريس، وفي غمرة ذلك تنامت أعمال عدائية عنصرية ضد جاليات مسلمة وعربية، وبرزت في هذا البلد الأوروبي أو ذاك مواقف وتصريحات لا تخفي أهدافها العنصرية والإقصائية تجاه المهاجرين، وهذا ينذر بتطورات سلبية ومخاطر قادمة في حق مواطناتنا ومواطنينا بأكثر من بلد أوروبي. الأمر هنا يؤكد أولا أن ملايين العرب والمسلمين الذين يكدحون يوميا في بلدان المهجر، ويواجهون مصاعب الحياة بعرق الجبين هم أيضا ضحايا الإرهابيين القتلة، وهؤلاء المجانين استهدفوهم أيضا في أمنهم واستقرارهم ورزقهم، ولذلك هم يستحقون التضامن والمساندة، بدل حشرهم بشكل أعمى ضمن الخانة نفسها مع الإرهابيين . من جهة ثانية، يفرض الواقع اليوم على أوربا وكامل المجتمع الدولي صياغة أجوبة ناجعة وفعالة لتحدي الاٍرهاب والتطرف، تبدأ فعلا بالمواجهة الأمنية والاستخباراتية، وتشمل تقوية التعاون التنموي مع بلدان الجنوب، ثم مواجهة تفاقم النزعات العنصرية المتطرفة بداخلها كذلك، ومعاداة المسلمين والتعامل التمييزي في حقهم، فضلا على أهمية استحضار الحقوق الأساسية للمهاجرين وأسرهم، وخصوصا ما يرتبط بالحقوق الثقافية واللغوية والدينية، وذلك وفق ما تنص عليه اتفاقيات ومعاهدات حقوقية مصادق عليها دوليا. أما بالنسبة لسلطاتنا العمومية، فإن الظرفية تحتم اليوم تقوية الاهتمام بأوضاع مغاربة العالم، خاصة المقيمين منهم في أوربا، والحرص على الإنصات المستمر لانشغالاتهم ومطالبهم، ومساندتهم والوقوف إلى جانبهم، علاوة على أهمية بلورة أشكال مختلفة واستشرافية للحضور معهم لمواجهة كل ما قد يستهدفهم أو يمس بحقوقهم. نعرف أن أوربا، وخصوصا فرنسا، هي تحت الصدمة، وتعرضت لضربة إجرامية غير مسبوقة، وهذا أدانه العالم برمته، ولا يمكن لعاقل أن يقبل به، ولكن لابد أيضا أن تبقى فرنسا واقفة وصامدة ولا تسقط أمام القتلة. هنا مسؤولية القوى الديمقراطية والتقدمية الفرنسية والأوروبية كذلك، كي تبقى قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والمساواة حية ومستمرة، ولهذا على القوى المغربية المناضلة، أحزاب ونقابات وجمعيات، أن تكثف تواصلها وترافعها تجاه نظيرتها في أوربا ووسط الرأي العام هناك، بغاية محاصرة أفكار اليمين المتطرف والقوى المتعصبة المعادية للمهاجرين ولحقوق الإنسان. الغضب والصدمة والتنديد مما حدث بباريس لا يجب أن يمنع اليوم من الدعوة إلى تفكير هادئ ورصين لانخراط الجميع، هنا وهناك، في مسار صنع المستقبل، وتجاوز دموية اللحظة. المستقبل هو لحقوق الإنسان والحرية والمساواة، أي الانتصار على التطرف في كل الديانات والتوجهات واللغات والمجتمعات. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته