زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    دلالات لزيارة رئيس الصين الودية للمملكة المغربية    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة مئوية المسرح المغربي تفتتح أشغال المؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي..
نشر في بيان اليوم يوم 13 - 01 - 2015

انطلقت صبيحة أول أمس الأحد، بالقاعة الكبرى بمقر جهة الرباط، أشغال المؤتمر الفكري للدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي التي افتتحت بالمسرح الوطني محمد الخامس مساء السبت الماضي والتي ستستمر فعالياتها إلى غاية 16 يناير الجاري بعاصمة المملكة المغربية. أولى ندوات المؤتمر الفكري التي تمحورت حول موضوع «مئوية المسرح المغربي» شهدت مشاركة ثلة من الباحثين المغاربة وحضور وازن للمسرحيين والنقاد والباحثين العرب والمغاربة المشاركين في المهرجان..
وفي استهلال مقتضب لرئيس الندوة، اعتبر الدكتور عبد المجيد شكير أن المسافة الزمنية التي نحن بصددها اليوم والممتدة على مسافة مائة سنة، ليست مجرد تراكم في الزمان والسنين بقدرما تشكل تراكما في التجارب التي أفرزت منجزا مسرحيا جديرا بالتأريخ وبالمقاربة التحليلية، ولعل الاحتفاء اليوم بهذه المئوية، يقول رئيس الندوة، يدعونا إلى التعاطي مع هذه المائة سنة بنفس جديد وبأسئلة جديدة من شأنها أن تسلط الضوء عن كل الحقب التي مر منها المسرح المغربي منذ النشأة إلى اليوم..
رشيد بناني: إضاءات على زوايا منسية
أولى مداخلات الندوة حاولت فعلا أن تستجيب لهذا النداء بنوع من الشجاعة الأدبية والجرأة التي أثارت زوبعة أثناء المناقشة وسط الحضور والمتتبعين، حيث أشعل الدكتور رشيد بناني "إضاءات على زوايا منسية" من تاريخ المسرح المغربي، محاولا رفع الهالة على ما أسماه "أساطير" يصعب الفكاك منها.. ولعل الهدف من ذلك، يؤكد المتحدث، يكمن في الرغبة في "إعادة الاعتبار إلى الدراسات المتعلقة بالثقافة الوطنية التي نعتقد أنها لم تأخذ لحد اليوم حظها الكافي من العناية العلمية الجادة والمفصلة، لاسيما في مكونها الدرامي؛ والمساهمة في إلقاء الأضواء الموضوعية الممكنة عليها وتناولها بطريقة منظمة وهادئة، تتوخى الكشف عن الحقائق التي تنطق بها الوثائق وليس ترديد الأقوال التي تدور على ألسنة الناس؛ ثم استقراء ما يمكن أن تقدمه تلك الوثائق من معلومات يمكن الاطمئنان إليها عن هذه الممارسة التي لا تخلو معرفتنا بها من مناطق معتمة ومن أحكام تعميمية وتأويلات عاطفية أو سياسية، ومن ترويج لأساطير ولاستنتاجات خاطئة أو يحتاج تأكيد بعضها على الأقل إلى دليل علمي".
واعتبر الباحث أن الكتابات والدراسات التي أنجزت حول المسرح المغربي وتاريخه كانت، على قلتها، مقصرة وتتصف بالتعميم ومحدودية النتائج، على عكس ما تم إنجازه حول مسارح أخرى من طرف المغاربة.. وفي هذا الصدد اعتبر الباحث رشيد بناني أن "ما يعرفه مسرحيونا وباحثونا (المغاربة) عن المسرح في العالمين الغربي والعربي، وما يحرصون على التدقيق فيه والتفاعل معه من هذين المسرحين أكبر بكثير مما يعرفونه ويحرصون على التدقيق فيه والتفاعل معه من تجارب مسرحنا المغربي، وهذه في اعتقادنا آفة لا تضر فقط بتكامل المعرفة المسرحية عندنا وكذا بأصالة إبداعنا الدرامي وتعبيره عن خصوصيات محيطه، وإنما تضر كذلك بتصورنا الموضوعي لهويتنا المسرحية ثم بهويتنا الثقافية بشكل عام، وبمقدار مساهمتنا في إثراء هذا الفن..".
وفي هذا السياق لم يتردد الباحث في اعتبار تعامل المغاربة مع مسرحهم ينطوي على كثير من العاطفة والنوسطالجيا التي تؤدي لنظرة تجزيئية يتخللها "ترويج لبعض التهيؤات والأساطير" التي تهدهده وتقلل من قيمته في نفس الوقت، والتي يصعب الفكاك منها"... وهذا، في نظره، يؤدي بدوره إلى التغافل عن كثير من التجارب المحلية الجيدة والمحتاجة إلى الكشف والدرس والترسيخ في الوجدان الجماعي..
وللاستدلال على ما يقوله، قدم الباحث بعض الأمثلة من قبيل ما يروج غالبا حول فن "البساط" من حيث كونه يكتسي طابعا سياسيا أكثر من أي شيء آخر، إذ كان بمثابة لسان حال الشعب بما هو شكل تمثيلي كان مقتصرا فقط على توظيف النقد السياسي والشكوى ضد الظلم الاجتماعي والتنديد بجور الحاكمين. والحال أن فرجة "البساط"، وإن كانت بالفعل قد عبرت أحيانا عن هموم الناس ومعاناتهم، بسبب شطط بعض ممثلي السلطة الحاكمة في تعاملهم مع فئات الشعب؛ كانت تقدم أيضا صورة أكثر تنوعا على مستوى المضامين بل إنها تحتوي أشكال فرجوية أخرى غير تمثيلية كفواصل الموسيقى الشعبية، "وعرض قطع فنية منقوشة بشكل مخصوص ومضاءة من الداخل، مع اكتساء هذا الفن طابع الاستعراض المتجول على امتداد عدة ليال على ضوء السرج والمشاعل وإشاعة مظاهر الفرحة والاحتفال العمومي".
وبعد استعراضه بشكل مستفيض لتقنيات فرجة البساط ومضامينها، وكيفية استلهامها من طرف مسرحيين معاصرين وعلى رأسهم الطيب الصديقي وأحمد الطيب لعلج، توقف المتدخل عند مثال آخر لتأكيد ما ذهب إليه في مستهل بحثه، ويتعلق الأمر بالقيمة الفنية للمسرح المغربي في فترة الاستعمار، بحيث انتقد الانطباع السائد عند جل الدارسين لهذه الفترة والذي يفهم من خلاله أن المسرح كان سياسيا بالدرجة الأولى وهمه الوحيد آنذاك هو التحميس والتوعية واستنهاض الهمم والتحريض ضد الاحتلال، كما نفى الباحث بأن يكون المسرحي محمد القري (1900 1937) قد توفي في السجون الاستعمارية بسبب آرائه السياسية التي كان يصدح بها في مسرحياته؛ معتبرا أن "هذه كلها مقولات غير صحيحة وتهيؤات لا تتأسس على كتابات موثقة"، وحين يفنذ الدكتور رشيد بناني هذه المعطيات التاريخية المتداولة، فإنه يعتقد أن ما أسبغه الدارسون على بدايات المسرح في المغرب من "طابع سياسي معارض ومن قيمة نضالية مبالغ فيها، لا يعدو أن يكون مجرد تبريرلنزع القيمة المهنية عن هذا المسرح، وليعطوا الانطباع بأنه مسرح ساذج، أو ليقولوا إنه كان "بدون قاعدة تقنية أو طموح جمالي"؛ وهذه في حد ذاتها قضية أخرى يحتاج إثباتها إلى الدليل. وربما كانت كل هذه الأحكام، يستطرد المتدخل، مجرد مقدمات للإيحاء أو للقول صراحة بأن التعبير المسرحي الحقيقي والجدير بهذه الصفة في المغرب قد عرف بدايته الصحيحة خلال تداريب (مركز الفن المسرحي في المعمورة) التي أطرها بعض رجال المسرح الفرنسيين تحت إشراف إدارة الشبيبة والرياضة...
عبد الواحد ابن ياسر: أسئلة مئوية المسرح المغربي.. قراءة تشخيصية
في بداية مداخلته، نبه الدكتور عبد الواحد ابن ياسر إلى صعوبة تناول "ما سمي بمئوية المسرح المغربي" بالنظر إلى حجم الزخم والتراكمات والتنوع الذي شهدته الظاهرة المسرحية في المغرب، وبالتالي "لا يمكن استيفاء جانب واحد من جوانب هذه التجربة، نظرا لشساعة الموضوع وطابعه الإشكالي الشائك، ونظرا أيضا لغياب المادة الوثائقية والمصدرية بخصوص تاريخ التجربة، والنصوص، والمونوغرافيات والدراسات القطاعية والميدانية"
ومنذ البدء حسم الباحث مع مسألة أصول المسرح المغربي حين اعتبره "وافدا جديدا علينا" في مستهل القرن الماضي، "ضمن جملة من الظواهر والإنتاجات المادية والرمزية الطارئة علينا، ضمن ما تسميه الأنتروبولوجيا الاستعمارية بالمثاقفة"..
كما لم يخف المتحدث تحفظه من التسمية الرائجة والمعروفة ب "الأشكال ما قبل المسرحية"، لأنها تعكس في نظره "خلفية مسكونة بنزعة تطورية عتيقة، وتقوم على حكم قيمة معياري يصنف أشكال الفرجة الشعبية في ضوء (ما بعدها) أي المسرح، باعتباره ظاهرة كونية وتعبيرا نموذجيا بالنسبة لكل الثقافات والمجتمعات. كما أنها تبقى صيغة ملتبسة غامضة تتضمن نوعا من المصادرة على المطلوب.."؛ وبالمقابل يفضل صيغة "الأشكال التقليدية للفرجة"، ويرى بأن الإقرار "بعدم وجود تعبير درامي في ثقافتنا المغربية وفي تراثنا العربي الكلاسيكي لا ينبغي أن يشكل مركب نقص بالنسبة لنا، ولا مرادفا لدونية إنتاجنا الثقافي، أو لقلة قيمته.."؛ ليحسم الباحث عبد الواحد ابن ياسر أن تلك الأشكال، في نهاية المطاف، وعلى الرغم من انتشارها وتجذرها في الوجدان الشعبي، فإنها "لم تستطع أن تكون منابع لمسرح مغربي أصيل، فكانت نشأة هذا المسرح متأرجحة، أو لنقل نتاجا لعناصر "مثاقفة" استعمارية دخيلة، وتجارب مسرحية وافدة من المشرق، والتي كانت هي أيضا تقليدا أوروبيا خالصا في نهاية الأمر".
وعن الإشكاليات التي يطرحها البحث في البدايات الأولى للمسرح المغربي، يتساءل المتدخل هل ترتبط البداية بالبناية؟ أم هل تتحدد بزيارات الفرق القادمة من المشرق وبعروضها التي توالى تقديمها للمغاربة؟ أم أن هذه البداية تتحدد وجوبا بالإنجاز المسرحي نفسه؟
للإجابة على هذه الأسئلة يقترح الباحث التأمل في بعض المعطيات التاريخية من بينها إلى أي حد يمكن أن نربط نشأة المسرح في المغرب وبداياته بافتتاح مسرح سرفانتيس في 11 دجنبر 1913- وهو مسوغ عنوان هذه الندوة الموسومة بالمئوية - أم أنه من الصعب اختزال هذا الفن العظيم في إسمنت وحجر؟.. وبزيارة جورج أبيض للمغرب سنة 1921، وزيارة فرقة محمد عزالدين المصري، وزيارة فرقة فاطمة رشدي خلال شهر يونيو 1932 للمغرب، وقدوم فرقة تونسية كان على رأسها الشاذلي بن فريحة.. وتشكل الأنوية الأولى للممارسة المسرحية بالمغرب من جمعيات قدماء تلاميذ المدارس التي أسستها الإدارة الاستعمارية لنشر اللغة والثقافة الفرنسيتين، وتأسيس العديد من الفرق المسرحية التي ساهمت في خلق وتطوير حركة مسرحية نشيطة ببعض المدن كفاس وطنجة وتطوان وغيرها..
وخلص المتحدث إلى أن ميلاد المسرح في المغرب "كان نخبويا وفي انفصال تام عن الأشكال والظواهر الفرجوية التي تحبل بها ثقافتنا الشعبية" مؤكدا أن نشأة المسرح في المغرب "أوروبية خالصة، من حيث البناية، ونمط التأليف الدرامي الكلاسيكي، وطرق التمثيل والديكور والإخراج، أي في كل مستويات الجماليات المسرحية"..
بعد ذلك انتقل الباحث إلى رصد معالم المنجز الدرامي الأول من خلال الثالوث الذي كانت له الريادة في إرساء أسس الممارسة الدرامية بالمغرب، محمد القرّي وعبد الواحد الشاوي والمهدي المنيعي. ثم عرج على آفاق ما بعد الاستقلال حيث سيدخل المسرح المغربي مرحلة جديدة من تاريخه، اتسمت بتزايد عدد الفرق المسرحية، وقيام وزارة الشبيبة والرياضة بتأسيس المركز المغربي للأبحاث الدرامية الذي لعب أدوارا كبيرة في ترسيخ ممارسة مسرحية جديدة مشفوعة ببرنامج خاص للتكوين والتدريب.. وأيضا تنظيم مسابقات للتأليف المسرحي، وكذا تنظيم مهرجان المسرح المغربي انطلاقا من سنة 1957..
هذا ووقف الباحث بشكل مستفيض عند تجربة فرقة المعمورة وتجربة حركة مسرح الهواة ولامس خصوصياتهما من حيث نوعية الاختيارات الفنية والجمالية وكذا نوعية المضامين التي كانت تطرقها..
وفي النهاية طرح الباحث ابن ياسر سؤال التكوين والثقافة المسرحيين، وسؤال حفظ الذاكرة والحق في الأرشيف، وأسئلة الدعم واللوجستيك ودور الدولة في إحداث المنشئات المسرحية، ومشاكل نشر وتوزيع الكتاب المسرحي.. وغيرها من المهام التي تحتاج إلى مراكمة جهود البحث والتمحيص واقتراح المخططات والبدائل التي ينبغي أن ترتبط فيها الوعود والشعارات بالأفعال، ويتم إشراك كل الفاعلين والكفاءات الحقيقية، في معالجة المشكلات الكبرى التي يواجهها مسرحنا الذي ما يزال فتيّا، على الرغم من "مئويته"...
أحمد مسعية: التكوين والحركة المسرحية في المغرب
يمكن تحقيب مسار التكوين المسرحي في المغرب، حسب الباحث أحمد مسعية، من خلال ثلاثة مراحل: مرحلة أولى ما بين 1913 لغاية بداية الثلاثينات، مرحلة ثانية من بداية الخمسينيات إبان حصول المغرب على استقلاله حتى منتصف الثمانيات، ثم مرحلة ثالثة مع إحداث المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي سنة 1987 إلى اليوم.
اتسمت المرحلة الأولى في البداية بالتقليد والممارسة العفوية لهذا الفن غير المعتاد في المشهد الثقافي المغربي، فالمسرحيون الأوائل الذين ساهموا في إحداث حركة مسرحية تنهل من النموذج الغربي، كان لهم تكوين عصامي من خلال تراكم مشاهدة العروض المسرحية التي جاءت بها فرق أجنبية، منها فرق أوروبية وفرق عربية.. ومن ثمة أنشأ المغاربة فرقا مسرحية بدأت تنتج عروضا وتقوم بجولات.. وأمام تعدد هذه الفرق المسرحية، يؤكد المتدخل، وأمام الاهتمام المتزايد اتجاه هذا الفن الذي أظهر أنه بإمكانه نشر المعرفة والثقافة العربية، تنبه المسرحيون لضرورة إيجاد صيغ وحلول جديدة حتى تتمكن الفرق من الاعتماد على نفسها وذلك عن طريق التكوين والتنسيق فيما بينها. ويورد الباحث أحمد مسعية جملة من التدابير التي اتخذها المسؤولون عن بعض الفرق المسرحية لإتاحة فرص التكوين لدى أعضائها من المسرحيين، أهمها مباراة في التأليف المسرحي وترجمة النصوص المسرحية العالمية ابتداء من فاتح يناير 1929 بمبادرة من جمعية قدماء تلاميذ المدرسة الإسلامية لمدينة فاس؛ تأسيس جمعية تحث اسم "الشبيبة المسرحية المغربية" قصد التنسيق بين الفرق المسرحية؛ تنظيم مهرجان للمسرح في نونبر 1929 بمدينة مراكش شاركت فيه فرق فاس والدار البيضاء ومراكش؛ وبروز معالم حركة نقدية مسرحية..
المرحلة الثانية يرى الباحث أنها "اتسمت بالحرفية في التكوين المسرحي" إذ ساهمت في إبراز أولى نواة للمسرح المغربي على الشكل الغربي. كان ذلك قبيل استقلال المغرب. إذ في بداية الخمسينات أقامت وزارة الشبيبة والرياضة ورشات تدريبية لفائدة الشباب تحث إشراف مؤطرين فرنسيين.. وبفضل هذه التداريب والتربصات، يقول مسعية، استفاد العديد من الشباب المسرحي من تكوين في مستوى عال ومتقدم أفرز فيما بعد عمالقة المسرح المغربي..
وأسهب المتدخل في رصد أهم المحطات التي تنامت فيها برامج التكوين، كفرقة المعمورة وإحداث المركز المغربي للأبحاث المسرحية، والتداريب التي كانت تنظم في حركة مسرح الهواة ومهرجانه الوطني، وتجربة مدرسة الفن المسرحي التي كان يشرف عليها الفرنسي بيير لوكا سنة 1959، ومساهمة المعاهد البلدية، والورشة التي أحدثها الفنان عباس ابراهيم في مركز الثقافة المسرحية بمسرح محمد الخامس... دون إغفال دور الجامعة المغربية ومهرجانات المسرح الجامعي، إلى أن يصل إلى تجربة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي.
اعتبر الباحث أن المرحلة الثالثة، وهي مرحلة إحداث المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي سنة 1987 بالرباط، اتسمت بالبعد الأكاديمي للتكوين المسرحي الذي سيتيح لعدد كبير من الشباب المغاربة إمكانية إعطاء شحنة قوية ودينامكية جديدة للعمل المسرحي في بلادنا. لأن هذه المؤسسة تعتبر المسرح فنا يمكن تدريس قواعده وتقنياته وجمالياته. وفي هذا الصدد يمكننا القول إن هذا المعهد حقق بدون شك الأهداف المسطرة له بحيث توصل المغرب إلى تحديث الرؤية المسرحية وإحداث العديد من الفرق المكونة من الشباب الخريجين من المعهد الذين أضافوا للمسرح المغربي نظرة جمالية وتقنيات جديدة كالسينوغرافيا والإنارة والصوت وغيرها من التقنيات الحديثة..
في هذا المعهد، يؤكد الباحث أحمد مسعية وهو مديره الأسبق، أن الطلبة يتلقون دروسا في العديد من التقنيات المسرحية على يد مؤطرين مغاربة وأجانب مكنتهم من توسيع مداركهم واكتساب خبرة عالية في الفن المسرحي وتمكنت الحركة المسرحية، بفضل المعهد، من التجديد والتطوير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.