محامو المغرب: "لا عودة عن الإضراب حتى تحقيق المطالب"    مؤسسة وسيط المملكة تعلن نجاح مبادرة التسوية بين طلبة الطب والصيدلة والإدارة    الأمانة العامة للحكومة تطلق ورش تحيين ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية وتُعد دليلا للمساطر    الشرطة الهولندية توقف 62 شخصاً بعد اشتباكات حادة في شوارع أمستردام    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    بقرار ملكي…الشيشانيان إسماعيل وإسلام نوردييف يحصلان على الجنسية المغربية    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بيع أول عمل فني من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    ضمنهم مغاربة.. الشرطة الهولندية توقف 62 شخصا بأمستردام    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..        ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    كيوسك الجمعة | تفاصيل مشروع قانون نقل مهام "كنوبس" إلى الضمان الاجتماعي    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    المدير العام لوكالة التنمية الفرنسية في زيارة إلى العيون والداخلة لإطلاق استثمارات في الصحراء المغربية    "الخارجية" تعلن استراتيجية 2025 من أجل "دبلوماسية استباقية"... 7 محاور و5 إمكانات متاحة (تقرير)    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    الشبري نائبا لرئيس الجمع العام السنوي لإيكوموس في البرازيل    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة مئوية المسرح المغربي تفتتح أشغال المؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي..
نشر في بيان اليوم يوم 13 - 01 - 2015

انطلقت صبيحة أول أمس الأحد، بالقاعة الكبرى بمقر جهة الرباط، أشغال المؤتمر الفكري للدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي التي افتتحت بالمسرح الوطني محمد الخامس مساء السبت الماضي والتي ستستمر فعالياتها إلى غاية 16 يناير الجاري بعاصمة المملكة المغربية. أولى ندوات المؤتمر الفكري التي تمحورت حول موضوع «مئوية المسرح المغربي» شهدت مشاركة ثلة من الباحثين المغاربة وحضور وازن للمسرحيين والنقاد والباحثين العرب والمغاربة المشاركين في المهرجان..
وفي استهلال مقتضب لرئيس الندوة، اعتبر الدكتور عبد المجيد شكير أن المسافة الزمنية التي نحن بصددها اليوم والممتدة على مسافة مائة سنة، ليست مجرد تراكم في الزمان والسنين بقدرما تشكل تراكما في التجارب التي أفرزت منجزا مسرحيا جديرا بالتأريخ وبالمقاربة التحليلية، ولعل الاحتفاء اليوم بهذه المئوية، يقول رئيس الندوة، يدعونا إلى التعاطي مع هذه المائة سنة بنفس جديد وبأسئلة جديدة من شأنها أن تسلط الضوء عن كل الحقب التي مر منها المسرح المغربي منذ النشأة إلى اليوم..
رشيد بناني: إضاءات على زوايا منسية
أولى مداخلات الندوة حاولت فعلا أن تستجيب لهذا النداء بنوع من الشجاعة الأدبية والجرأة التي أثارت زوبعة أثناء المناقشة وسط الحضور والمتتبعين، حيث أشعل الدكتور رشيد بناني "إضاءات على زوايا منسية" من تاريخ المسرح المغربي، محاولا رفع الهالة على ما أسماه "أساطير" يصعب الفكاك منها.. ولعل الهدف من ذلك، يؤكد المتحدث، يكمن في الرغبة في "إعادة الاعتبار إلى الدراسات المتعلقة بالثقافة الوطنية التي نعتقد أنها لم تأخذ لحد اليوم حظها الكافي من العناية العلمية الجادة والمفصلة، لاسيما في مكونها الدرامي؛ والمساهمة في إلقاء الأضواء الموضوعية الممكنة عليها وتناولها بطريقة منظمة وهادئة، تتوخى الكشف عن الحقائق التي تنطق بها الوثائق وليس ترديد الأقوال التي تدور على ألسنة الناس؛ ثم استقراء ما يمكن أن تقدمه تلك الوثائق من معلومات يمكن الاطمئنان إليها عن هذه الممارسة التي لا تخلو معرفتنا بها من مناطق معتمة ومن أحكام تعميمية وتأويلات عاطفية أو سياسية، ومن ترويج لأساطير ولاستنتاجات خاطئة أو يحتاج تأكيد بعضها على الأقل إلى دليل علمي".
واعتبر الباحث أن الكتابات والدراسات التي أنجزت حول المسرح المغربي وتاريخه كانت، على قلتها، مقصرة وتتصف بالتعميم ومحدودية النتائج، على عكس ما تم إنجازه حول مسارح أخرى من طرف المغاربة.. وفي هذا الصدد اعتبر الباحث رشيد بناني أن "ما يعرفه مسرحيونا وباحثونا (المغاربة) عن المسرح في العالمين الغربي والعربي، وما يحرصون على التدقيق فيه والتفاعل معه من هذين المسرحين أكبر بكثير مما يعرفونه ويحرصون على التدقيق فيه والتفاعل معه من تجارب مسرحنا المغربي، وهذه في اعتقادنا آفة لا تضر فقط بتكامل المعرفة المسرحية عندنا وكذا بأصالة إبداعنا الدرامي وتعبيره عن خصوصيات محيطه، وإنما تضر كذلك بتصورنا الموضوعي لهويتنا المسرحية ثم بهويتنا الثقافية بشكل عام، وبمقدار مساهمتنا في إثراء هذا الفن..".
وفي هذا السياق لم يتردد الباحث في اعتبار تعامل المغاربة مع مسرحهم ينطوي على كثير من العاطفة والنوسطالجيا التي تؤدي لنظرة تجزيئية يتخللها "ترويج لبعض التهيؤات والأساطير" التي تهدهده وتقلل من قيمته في نفس الوقت، والتي يصعب الفكاك منها"... وهذا، في نظره، يؤدي بدوره إلى التغافل عن كثير من التجارب المحلية الجيدة والمحتاجة إلى الكشف والدرس والترسيخ في الوجدان الجماعي..
وللاستدلال على ما يقوله، قدم الباحث بعض الأمثلة من قبيل ما يروج غالبا حول فن "البساط" من حيث كونه يكتسي طابعا سياسيا أكثر من أي شيء آخر، إذ كان بمثابة لسان حال الشعب بما هو شكل تمثيلي كان مقتصرا فقط على توظيف النقد السياسي والشكوى ضد الظلم الاجتماعي والتنديد بجور الحاكمين. والحال أن فرجة "البساط"، وإن كانت بالفعل قد عبرت أحيانا عن هموم الناس ومعاناتهم، بسبب شطط بعض ممثلي السلطة الحاكمة في تعاملهم مع فئات الشعب؛ كانت تقدم أيضا صورة أكثر تنوعا على مستوى المضامين بل إنها تحتوي أشكال فرجوية أخرى غير تمثيلية كفواصل الموسيقى الشعبية، "وعرض قطع فنية منقوشة بشكل مخصوص ومضاءة من الداخل، مع اكتساء هذا الفن طابع الاستعراض المتجول على امتداد عدة ليال على ضوء السرج والمشاعل وإشاعة مظاهر الفرحة والاحتفال العمومي".
وبعد استعراضه بشكل مستفيض لتقنيات فرجة البساط ومضامينها، وكيفية استلهامها من طرف مسرحيين معاصرين وعلى رأسهم الطيب الصديقي وأحمد الطيب لعلج، توقف المتدخل عند مثال آخر لتأكيد ما ذهب إليه في مستهل بحثه، ويتعلق الأمر بالقيمة الفنية للمسرح المغربي في فترة الاستعمار، بحيث انتقد الانطباع السائد عند جل الدارسين لهذه الفترة والذي يفهم من خلاله أن المسرح كان سياسيا بالدرجة الأولى وهمه الوحيد آنذاك هو التحميس والتوعية واستنهاض الهمم والتحريض ضد الاحتلال، كما نفى الباحث بأن يكون المسرحي محمد القري (1900 1937) قد توفي في السجون الاستعمارية بسبب آرائه السياسية التي كان يصدح بها في مسرحياته؛ معتبرا أن "هذه كلها مقولات غير صحيحة وتهيؤات لا تتأسس على كتابات موثقة"، وحين يفنذ الدكتور رشيد بناني هذه المعطيات التاريخية المتداولة، فإنه يعتقد أن ما أسبغه الدارسون على بدايات المسرح في المغرب من "طابع سياسي معارض ومن قيمة نضالية مبالغ فيها، لا يعدو أن يكون مجرد تبريرلنزع القيمة المهنية عن هذا المسرح، وليعطوا الانطباع بأنه مسرح ساذج، أو ليقولوا إنه كان "بدون قاعدة تقنية أو طموح جمالي"؛ وهذه في حد ذاتها قضية أخرى يحتاج إثباتها إلى الدليل. وربما كانت كل هذه الأحكام، يستطرد المتدخل، مجرد مقدمات للإيحاء أو للقول صراحة بأن التعبير المسرحي الحقيقي والجدير بهذه الصفة في المغرب قد عرف بدايته الصحيحة خلال تداريب (مركز الفن المسرحي في المعمورة) التي أطرها بعض رجال المسرح الفرنسيين تحت إشراف إدارة الشبيبة والرياضة...
عبد الواحد ابن ياسر: أسئلة مئوية المسرح المغربي.. قراءة تشخيصية
في بداية مداخلته، نبه الدكتور عبد الواحد ابن ياسر إلى صعوبة تناول "ما سمي بمئوية المسرح المغربي" بالنظر إلى حجم الزخم والتراكمات والتنوع الذي شهدته الظاهرة المسرحية في المغرب، وبالتالي "لا يمكن استيفاء جانب واحد من جوانب هذه التجربة، نظرا لشساعة الموضوع وطابعه الإشكالي الشائك، ونظرا أيضا لغياب المادة الوثائقية والمصدرية بخصوص تاريخ التجربة، والنصوص، والمونوغرافيات والدراسات القطاعية والميدانية"
ومنذ البدء حسم الباحث مع مسألة أصول المسرح المغربي حين اعتبره "وافدا جديدا علينا" في مستهل القرن الماضي، "ضمن جملة من الظواهر والإنتاجات المادية والرمزية الطارئة علينا، ضمن ما تسميه الأنتروبولوجيا الاستعمارية بالمثاقفة"..
كما لم يخف المتحدث تحفظه من التسمية الرائجة والمعروفة ب "الأشكال ما قبل المسرحية"، لأنها تعكس في نظره "خلفية مسكونة بنزعة تطورية عتيقة، وتقوم على حكم قيمة معياري يصنف أشكال الفرجة الشعبية في ضوء (ما بعدها) أي المسرح، باعتباره ظاهرة كونية وتعبيرا نموذجيا بالنسبة لكل الثقافات والمجتمعات. كما أنها تبقى صيغة ملتبسة غامضة تتضمن نوعا من المصادرة على المطلوب.."؛ وبالمقابل يفضل صيغة "الأشكال التقليدية للفرجة"، ويرى بأن الإقرار "بعدم وجود تعبير درامي في ثقافتنا المغربية وفي تراثنا العربي الكلاسيكي لا ينبغي أن يشكل مركب نقص بالنسبة لنا، ولا مرادفا لدونية إنتاجنا الثقافي، أو لقلة قيمته.."؛ ليحسم الباحث عبد الواحد ابن ياسر أن تلك الأشكال، في نهاية المطاف، وعلى الرغم من انتشارها وتجذرها في الوجدان الشعبي، فإنها "لم تستطع أن تكون منابع لمسرح مغربي أصيل، فكانت نشأة هذا المسرح متأرجحة، أو لنقل نتاجا لعناصر "مثاقفة" استعمارية دخيلة، وتجارب مسرحية وافدة من المشرق، والتي كانت هي أيضا تقليدا أوروبيا خالصا في نهاية الأمر".
وعن الإشكاليات التي يطرحها البحث في البدايات الأولى للمسرح المغربي، يتساءل المتدخل هل ترتبط البداية بالبناية؟ أم هل تتحدد بزيارات الفرق القادمة من المشرق وبعروضها التي توالى تقديمها للمغاربة؟ أم أن هذه البداية تتحدد وجوبا بالإنجاز المسرحي نفسه؟
للإجابة على هذه الأسئلة يقترح الباحث التأمل في بعض المعطيات التاريخية من بينها إلى أي حد يمكن أن نربط نشأة المسرح في المغرب وبداياته بافتتاح مسرح سرفانتيس في 11 دجنبر 1913- وهو مسوغ عنوان هذه الندوة الموسومة بالمئوية - أم أنه من الصعب اختزال هذا الفن العظيم في إسمنت وحجر؟.. وبزيارة جورج أبيض للمغرب سنة 1921، وزيارة فرقة محمد عزالدين المصري، وزيارة فرقة فاطمة رشدي خلال شهر يونيو 1932 للمغرب، وقدوم فرقة تونسية كان على رأسها الشاذلي بن فريحة.. وتشكل الأنوية الأولى للممارسة المسرحية بالمغرب من جمعيات قدماء تلاميذ المدارس التي أسستها الإدارة الاستعمارية لنشر اللغة والثقافة الفرنسيتين، وتأسيس العديد من الفرق المسرحية التي ساهمت في خلق وتطوير حركة مسرحية نشيطة ببعض المدن كفاس وطنجة وتطوان وغيرها..
وخلص المتحدث إلى أن ميلاد المسرح في المغرب "كان نخبويا وفي انفصال تام عن الأشكال والظواهر الفرجوية التي تحبل بها ثقافتنا الشعبية" مؤكدا أن نشأة المسرح في المغرب "أوروبية خالصة، من حيث البناية، ونمط التأليف الدرامي الكلاسيكي، وطرق التمثيل والديكور والإخراج، أي في كل مستويات الجماليات المسرحية"..
بعد ذلك انتقل الباحث إلى رصد معالم المنجز الدرامي الأول من خلال الثالوث الذي كانت له الريادة في إرساء أسس الممارسة الدرامية بالمغرب، محمد القرّي وعبد الواحد الشاوي والمهدي المنيعي. ثم عرج على آفاق ما بعد الاستقلال حيث سيدخل المسرح المغربي مرحلة جديدة من تاريخه، اتسمت بتزايد عدد الفرق المسرحية، وقيام وزارة الشبيبة والرياضة بتأسيس المركز المغربي للأبحاث الدرامية الذي لعب أدوارا كبيرة في ترسيخ ممارسة مسرحية جديدة مشفوعة ببرنامج خاص للتكوين والتدريب.. وأيضا تنظيم مسابقات للتأليف المسرحي، وكذا تنظيم مهرجان المسرح المغربي انطلاقا من سنة 1957..
هذا ووقف الباحث بشكل مستفيض عند تجربة فرقة المعمورة وتجربة حركة مسرح الهواة ولامس خصوصياتهما من حيث نوعية الاختيارات الفنية والجمالية وكذا نوعية المضامين التي كانت تطرقها..
وفي النهاية طرح الباحث ابن ياسر سؤال التكوين والثقافة المسرحيين، وسؤال حفظ الذاكرة والحق في الأرشيف، وأسئلة الدعم واللوجستيك ودور الدولة في إحداث المنشئات المسرحية، ومشاكل نشر وتوزيع الكتاب المسرحي.. وغيرها من المهام التي تحتاج إلى مراكمة جهود البحث والتمحيص واقتراح المخططات والبدائل التي ينبغي أن ترتبط فيها الوعود والشعارات بالأفعال، ويتم إشراك كل الفاعلين والكفاءات الحقيقية، في معالجة المشكلات الكبرى التي يواجهها مسرحنا الذي ما يزال فتيّا، على الرغم من "مئويته"...
أحمد مسعية: التكوين والحركة المسرحية في المغرب
يمكن تحقيب مسار التكوين المسرحي في المغرب، حسب الباحث أحمد مسعية، من خلال ثلاثة مراحل: مرحلة أولى ما بين 1913 لغاية بداية الثلاثينات، مرحلة ثانية من بداية الخمسينيات إبان حصول المغرب على استقلاله حتى منتصف الثمانيات، ثم مرحلة ثالثة مع إحداث المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي سنة 1987 إلى اليوم.
اتسمت المرحلة الأولى في البداية بالتقليد والممارسة العفوية لهذا الفن غير المعتاد في المشهد الثقافي المغربي، فالمسرحيون الأوائل الذين ساهموا في إحداث حركة مسرحية تنهل من النموذج الغربي، كان لهم تكوين عصامي من خلال تراكم مشاهدة العروض المسرحية التي جاءت بها فرق أجنبية، منها فرق أوروبية وفرق عربية.. ومن ثمة أنشأ المغاربة فرقا مسرحية بدأت تنتج عروضا وتقوم بجولات.. وأمام تعدد هذه الفرق المسرحية، يؤكد المتدخل، وأمام الاهتمام المتزايد اتجاه هذا الفن الذي أظهر أنه بإمكانه نشر المعرفة والثقافة العربية، تنبه المسرحيون لضرورة إيجاد صيغ وحلول جديدة حتى تتمكن الفرق من الاعتماد على نفسها وذلك عن طريق التكوين والتنسيق فيما بينها. ويورد الباحث أحمد مسعية جملة من التدابير التي اتخذها المسؤولون عن بعض الفرق المسرحية لإتاحة فرص التكوين لدى أعضائها من المسرحيين، أهمها مباراة في التأليف المسرحي وترجمة النصوص المسرحية العالمية ابتداء من فاتح يناير 1929 بمبادرة من جمعية قدماء تلاميذ المدرسة الإسلامية لمدينة فاس؛ تأسيس جمعية تحث اسم "الشبيبة المسرحية المغربية" قصد التنسيق بين الفرق المسرحية؛ تنظيم مهرجان للمسرح في نونبر 1929 بمدينة مراكش شاركت فيه فرق فاس والدار البيضاء ومراكش؛ وبروز معالم حركة نقدية مسرحية..
المرحلة الثانية يرى الباحث أنها "اتسمت بالحرفية في التكوين المسرحي" إذ ساهمت في إبراز أولى نواة للمسرح المغربي على الشكل الغربي. كان ذلك قبيل استقلال المغرب. إذ في بداية الخمسينات أقامت وزارة الشبيبة والرياضة ورشات تدريبية لفائدة الشباب تحث إشراف مؤطرين فرنسيين.. وبفضل هذه التداريب والتربصات، يقول مسعية، استفاد العديد من الشباب المسرحي من تكوين في مستوى عال ومتقدم أفرز فيما بعد عمالقة المسرح المغربي..
وأسهب المتدخل في رصد أهم المحطات التي تنامت فيها برامج التكوين، كفرقة المعمورة وإحداث المركز المغربي للأبحاث المسرحية، والتداريب التي كانت تنظم في حركة مسرح الهواة ومهرجانه الوطني، وتجربة مدرسة الفن المسرحي التي كان يشرف عليها الفرنسي بيير لوكا سنة 1959، ومساهمة المعاهد البلدية، والورشة التي أحدثها الفنان عباس ابراهيم في مركز الثقافة المسرحية بمسرح محمد الخامس... دون إغفال دور الجامعة المغربية ومهرجانات المسرح الجامعي، إلى أن يصل إلى تجربة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي.
اعتبر الباحث أن المرحلة الثالثة، وهي مرحلة إحداث المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي سنة 1987 بالرباط، اتسمت بالبعد الأكاديمي للتكوين المسرحي الذي سيتيح لعدد كبير من الشباب المغاربة إمكانية إعطاء شحنة قوية ودينامكية جديدة للعمل المسرحي في بلادنا. لأن هذه المؤسسة تعتبر المسرح فنا يمكن تدريس قواعده وتقنياته وجمالياته. وفي هذا الصدد يمكننا القول إن هذا المعهد حقق بدون شك الأهداف المسطرة له بحيث توصل المغرب إلى تحديث الرؤية المسرحية وإحداث العديد من الفرق المكونة من الشباب الخريجين من المعهد الذين أضافوا للمسرح المغربي نظرة جمالية وتقنيات جديدة كالسينوغرافيا والإنارة والصوت وغيرها من التقنيات الحديثة..
في هذا المعهد، يؤكد الباحث أحمد مسعية وهو مديره الأسبق، أن الطلبة يتلقون دروسا في العديد من التقنيات المسرحية على يد مؤطرين مغاربة وأجانب مكنتهم من توسيع مداركهم واكتساب خبرة عالية في الفن المسرحي وتمكنت الحركة المسرحية، بفضل المعهد، من التجديد والتطوير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.