المدينة الثالثة : طاطا كلّما ذكرتك يحاصرني الضوء والسماء تتضاعف في أوراقي كأني بلا ساحل ولا سفن ولا صخر أسند عليه قدميّ المتعبتين فقط مشي مبلبل على حبال الصدفة وحلم متنمّر ينظر بثبات نحو الهدف ... هناك ثمة قمر أبيض كدبّ أبيض يحدثنا كلّ ليلة عن سهراته الطويلة ، وعن نسائه اللّائي يكافحن من أجل إنزاله إلى الأرض ... الأولى وضعته على كمّ فستانها زاعمة أنه مجرد زرّ قديم أصابه الجشع فلمع في يديها. الثانية ربطته إلى قائمة السرير خوفا عليه من قطط الجارة الجائعة، وهرولت إلى غابات شوقها الجارف كي تجلب له الماء، والفاكهة، والحطب... الثالثة زيّنت به غرّة الحصان الذي كانت تحلم به منذ الطفولة، وعندما وجدت أن الأمر لا يجدي نفعا، صرخت فيه بنبرة حادّة لكي يكون رجلا فقط دون زيادة أو نقصان ... الرابعة باتت تنظر إليه بعينين فارغتين إلى أن نام بين ذراعيها الفارغين في الصباح استيقظت أكثر غبطة من أي يوم آخر وشكرت كثيرا من جاء بفكرة الزواج ... الخامسة ظلت تصعد وتصعد إلى أن ذابت في نيرانه الأخيرة ( ربما لذلك نحبه نحن الرجال أكثر) . السادسة كانت أكثر جرأة شدّته من لجامه وسحبته ليشرب من غديرها دون لفّ أو دوران ... بينما السابعة أصرّت أن تبحث عنه في كلّ مكان في المدن، والقرى البعيدة تحت حوافر الخيل، وفوق زغب الموج عند البقّال ، وبين أثاث المركب ... دون أن تقتنع أبدا أنه كان في عطلة ذلك اليوم ... طاطا ، أعتقد أننا اتفقنا الآن: لك أن تقدمي إلى غرفتي في أية هيأة تريدين، شمسا، قمرا، كأسا، أو فما مليئا بالقبل والكلمات ... ولي أن أختار السهرة المناسبة . ولا بأس أن نوبّخ معا الجهة الخالية من باب مفتوح كي نجلس، ونتحدث، ونتثاءب.