مدّي جفنيك إلى البحر وارم في قيعان الكلام سؤل لياليك المتعبات وامتحني إن شئت توبة الرّيح إذ تقف عند أبواب المدينة.. عينيك رغد المهبّ والشراع وثرثرة الدّفق لما يستوفي اليابس شروط الذبول وتلتحم في المغارة شواهد الطقوس البدائية وتلتمع في أمكنة العقل خطوط الرسومات الحجرية وكيمياء "الهيروغليفيا" لما تنحل عروق اللغة.. حينها يا سيدتي أجيء من مرفأ العشق اقرأ سطورا كنتِ قد نسجتِها يوم التقينا يوم ذكّرتني بعبلة تُجمِّلها القصائد وتحتفي بها تخوم الكلام "المعشق" بالحرية وانزياحات عنترة من شعاب الخطر.. أجيء وأعلن أن قلبي شاء له الهوى أن يستعيد فتنة الجمال عند صهيل الجياد ويقرأ تعابير الوجه المنزو في شطحات السرور.. ألا تدركين أن يوما ما سوف يعلن الموت توبته وتلبسين جبة الرقص في محفل النشوة وتغازلين مقعدنا الأليف عند غروب الشمس.. أنا لم اعتل عرش عينيك إلا لمّا انحنت الشمس من جلالها وغطّت شقوة الليل عندما يتلوّن الكون بالمكيدة وغنّت معي لقلب يسرق بالكاد ألحان متعته.. أتذكرين يا سيدتي؟ يوم دمعت ندوب الأصيل وظلّلت الغيمة الرقيقة شجيرة وقتنا وانحنت الأعجاز تبكي فجيعة رملها البلوري حينها مسكتِ بنجيمات المساء ورحلتِ تبحثين عن كسرة خبز للجائعين وناي قديم ترمّمين بأحزانه كسور الوجدان الضائع.. في ظلمة الليل ينبثق الحلم الجميل وكلامك المعطر بتساريب البوح والرحيل والإنشاد المدجج بغروب السطوح وسعف النخيل والقمر إذ تجثو أشعته حانية فوق كومة رمل مغرّبة في الصحراء وسراب الأحاديث المتوجة في صوت خفيض يشربه نقيقٌ وسريان خفيف لوادٍ على جنبات الروح سألتك يوم ذاك في خفة منشوة ممّا يولد الزمن؟ قلت: كم هو جميل أن يُغرغر العدم في شظية الوقت ونشتعل كونين غريبين في شهقة السؤال.. نمضي، ولمّا يزل حنين المدار يجرف أسى غربتنا يشهِّينا كي نلتحف الجدب ونعارك طاحونة الريح ونسلك إلى القطب درب الجبة المعصومة، ونغرق في المحبة فالسكر زمن المحبين.. وقفتِ عند مداخل الجروح المسيّجة بمذاق القرب توغلت في تربة اللغة العنيفة وسرّجت أحصنتي كي لا يزول غبار الزحف، ولما آن أوانك المعشّب فوق طلول الذاكرة تريثتِ ريثما تعبر ليلى إلى زخم الربع الخالي غافلتني، ومددت يداك إلى جنينة المساء المغشّى بربيع المطر وأهديتني وردة، ورحت تغنين عتاقة الزمن المطعم بصوت فيروزي "حبّيتك بالصّيف.. حبّيتك بالشِّتي" كانت الزّخات تغازل نبض العشق في متاهات أنفاسك الغريبة وتغني وحدها أيضا في كونها ألغيمي جدارة الأرض حين يشربها سلسبيل الغيث.. كنّا ياسيّدتي كونين معلقين على جدر السراب نحترف المحبّة بجرح عميق وننادي على الأحبة كي تمتد أياديهم إلى عرش الغبار فالعشق يزور عنترة عند حوافر الخيل وعبلة حين تمتص صورتها جداول الخطر لك أن تمانعين، فالوقت ليس للممانعة والهرولة غبطة المحبين.. فغنّي واهتفي باسمي وارسمي سرور الغياب إذ يزدحم في المكان عرس الأجساد، والتمسي من زبد الموج شكلا مراوغا للوحدة واندثري إن شئت في صورة لوجه الشمس الأنثوي حين يعبر مركب صغير صفار المغيب يبحث عن لون دمعك الفضي.. طلعَتْ من سكون العتمات والبرد الذي يخاتل مرح المشي طحلبة تنادي غنج اللون المغمور بالماء ولما توهّمت في غنائها ساقت ربوع "اليباس" إلى حتفها الزاهي ومن قطر مائها نبتت أعشاب خضراء وتسطّح الخوف كغلالات للمقول.. أغرق يا سيدتي في مسير الضلوع وأتوّج الحلم يدا ترتفع فوق الغيم كي لا تقتلني الشرفة اللعينة.. مدّي جفنيك إلى البحر حين يستوي على هياجه الماء وينهمر من ربوة الخجل مداد الكلام المؤجّل في ورطة القلق.. مدّي جفنيك إلى القلب واسأليني إن كنت على شفا الظمأ فالملح يا سيّدتي ما عاد ينسج للقرابات خيوطا والأغوار المتداعية لاحتراف العصف سقط من عرمرمها نزق البطولة..