تشكل العقول المهاجرة المغربية رأسمال بشريا مهما، تجود بأفضل إنتاجاتها وأعظم خبراتها في تخصصات دقيقة ورائدة في ظل بيئة علمية ملائمة ومناخ اجتماعي حاضن ومحفز للإبداع والعطاء. الدكتور عبد الوهاب زايد أحد أهم العقول المفكرة والكفاءات العالية التي تشرف المغرب في منطقة الخليج كخبير مغربي في مجال زراعة نخيل التمر. أضحى رائدا في تخصصه بفضل تجربته المهنية والمتوهجة في مجال دقيق يتجلى في زراعة الشجرة المباركة، النخلة. ويشغل الدكتور عبد الوهاب زايد حاليا منصب المستشار الزراعي بوزارة شؤون الرئاسة بدولة الإمارات وأمين عام جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر. بعد 20 سنة من الهجرة، أبى إلا أن يسخر خبرته للمساهمة في التنمية الزراعية لوطنه الأم، من خلال مشروع للاستثمار في الأشجار المثمرة على مساحة 25 هكتار بمراكش. وأنشأ حوضا للري بالتنقيط بسعة 30 ألف متر مكعب لتخزين المياه. كما أنشأ مختبرا لزراعة الأنسجة النباتية لشجر النخيل بمدينة مراكش على مساحة ألف متر مربع مع بيوت مغطاة. ويظهر الدكتور عبد الوهاب زايد غيرة وطنية متقدة، من خلال مداخلاته المختلفة بالمحافل الدولية والملتقيات العلمية، حيث لا يمل من تعداد جهود العاهل المغربي جلالة الملك محمد السادس في المجال الفلاحي واهتمامه الشخصي بالقطاع خصوصا عبر المخطط الأخضر، مبرزا تفاصيل هذا المخطط ودعامتيه الأساسيتين في تأمين الأمن الغذائي وتعزيز التوازنات الماكرو- اقتصادية للمغرب. مسار إصرار ونجاح شب وترعرع بالعاصمة العلمية مدينة فاس. لكن لم يفارقه قط حنين أصوله الفيلالية، من منطقة الزريكات بالرشيدية تحديدا، وجمال حقول ومزارع واحات تافيلالت ونخيلها الوارف. انجذاب عاطفي منذ الطفولة، هو إذن، للشجرة المعطاء ومحاولة سبر أغوار جيناتها لمكافحة الآفات التي تصيبها. وهو الانجداب نفسه الذي جعل هذا الفيلالي يخط مسار حياة ملفوفا بالجد والمثابرة. حصل التلميذ النجيب عبد الوهاب زايد على شهادة الباكالوريا من ثانوية مولاي رشيد بفاس. ثم التحق بمدرجات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة في الرباط٬ ليتخرج منه مهندسا زراعيا. وبإرادة ملؤها الأمل والإصرار على النجاح، غادر المهندس زايد أرض الوطن لاستكمال مشواره العلمي الأكاديمي بالديار الأمريكية بكل من جامعة (كاليفورنيا ريفرساي) ثم جامعة (كولورادو). وحصل بذلك على شهادة الدكتوراه في البستنة الزراعية سنة 1990، لتليها دراسات وأبحاث أكاديمية موازية أخرى. ثم قفل راجعا للوطن باحثا بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بالرباط٬ ثم مدرسا بجامعة القاضي عياض بمراكش. وفي سنة 2001، سيغادر الدكتور زايد المغرب نحو الإمارات ليشرف على مختبر زراعة الأنسجة النباتية لشجر النخيل بمدينة العين مكرسا خبرته ومعرفته الأكاديمية لخدمة الشجرة المباركة. تجربة مخبرية غنية هكذا فرغ الدكتور زايد نهمه العلمي وتبتل بمحرابه العلمي وبصم مساره بحروف من ذهب في برامج تخليف النخيل وزراعته، وكذا من خلال إبداع تقنية إكثار صنف نخيل "فحل العين" الشهير باستعمال طريقة الأزهار. فضلا عن النجاح في إكثار أفحل أخرى من قبيل "فحل السكة"، "فحل أمريكي"، "غنامي"، و"مدسري". واستنسخ المختبر فسائل كبيرة للنخيل استنبتها من أم واحدة "النخلة الأم"، لها نفس المواصفات ومعروفة الجنس والنوع وعالية الجودة وسريعة الإنتاج للتمر. وتمت عملية الاستنساخ عن طريق أخذ قلب قمة الفسيلة المأخوذة من نخلة الأم المحدد نوعها وإخضاعها لعملية تعقيم ثم تقطيعها إلى أجزاء صغيرة، قبل وضعها مع كمية من المحلول المغذى داخل أنابيب لإنتاج البراعم، ليتم بذلك إنبات عدد كبير من الفسائل استنساخا من فسيلة واحدة مطابقة لها وراثيا تماما. كما تنقل البراعم في مرحلة التكوين البراعم ليتم إكثارها بطريقة علمية حيث يتم إنتاج عدة آلاف من البراعم المطابقة للصنف الأم. وتوضع البراعم في المرحلة الثالثة والتي تعرف بمرحلة الاستطالة في وسط غذائي آخر يساعد على نمو البراعم. وخلال شهر تقريبا من هذه المرحلة تصل البراعم إلى الطول المطلوب الذي يتراوح ما بين 10 و12 سم. وهكذا يتم نقل البراعم الطويلة في مرحلة رابعة إلى وسط غذائي آخر مناسب لتكوين الجذور حيث تتم هذه العملية خلال شهر تقريبا وتصبح البراعم في نهاية المرحلة شتلات ضغيرة كاملة التكوين. ثم تنتقل هذه الشتلات إلى البيوت المحمية لتتم عملية النمو في البيوت المحمية. ويشار أن هذه الشتلات الناتجة عن زراعة الأنسجة النباتية داخل المختبر تخلو من الأمراض والحشرات وزراعتها ناجحة كما أن ثمارها سريعة النمو وذات كمية إنتاج كبيرة. ولا تحتاج إلى كمية كبيرة من الجذور كما في الفسائل التقليدية. جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر ويشرف الدكتور عبد الوهاب زايد على جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر بالإمارات بصفته أمينا عاما. وقد جعلت هذه التظاهرة من مدينة أبوظبي قبلة يحج إليها الباحثون والعلماء والمنتجون البارزون والشخصيات والمؤسسات المؤثرة التي أسهمت في مجال الأبحاث والتنمية بمجال النخيل، من بقاع العالم، ليقدموا آخر البحوث والدراسات المتميزة في مجال زراعة النخيل وإنتاج التمور، متبارين حول جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر التي ترنو إلى تعزيز إجراء أبحاث نخيل التمر وانتشارها في العالم وبغية تقدير من قدموا إسهامات جليلة في هذا المجال من أفراد ومؤسسات. وبفضل المساعي الحثيثة للدكتورعبد الوهاب زايد٬ منسق عام الشبكة الدولية لنخيل التمر، تمكنت دولة الإمارات من تربع المركز الأول في موسوعة (غينيس للأرقام القياسية) وذلك بأكبر عدد لأشجار النخيل في العالم. أبحاث في مجال البصمة الوراثية ودشنت وحدة دراسات وبحوث تنمية النخيل والتمور في جامعة الإمارات مختبر الجزيئيات لتحديد أصناف نخيل التمر باستخدام تقنية البصمة الوراثية . ويساعد مختبر البصمة الوراثية للتحقق من الثبات الوراثي للنباتات، ذلك أن الوحدة تقوم بإنتاج ما يقارب من 150 ألف فسيلة نخيل نسيجية في العام الواحد، مما يستوجب مراقبة جودة الإنتاج وفق متطلبات سوق الإنتاج . واعتمدت بالمختبر طريقة البصمة الوراثية على فسائل النخيل النسيجية التي تنتجها وحدة دراسات وبحوث تنمية النخيل والتمور منذ مدة طويلة وكانت النتائج موفقة جدا . حيث حالت دون العديد من الإشكالات إذ تمكن من الإكثار السريع لأصناف نخيل التمر الممتازة والخالية من المسببات المرضية، فضلا عن التحسين الوراثي والهندسة الوراثية للنبات . مؤلفات وجوائز وقد أغنى الدكتور زايد المكتبة العلمية بمؤلفات علمية متخصصة أهمها كتاب عن نخيل التمر صدر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بالعربية والإنجليزية، ومعجم مصطلحات التقنية الحيوية في الزراعة والغذاء. كما نال مجموعة من الجوائز من قبيل جائزة (أوارد سين آر. بي) من منظمة (الفاو) سنة 1999 وجائزة التميز من قبل المنظمة العربية للتنمية الزراعية. فضلا عن شهادة التميز العالمية لوحدة دراسات وبحوث تنمية النخيل والتمور في جامعة الإمارات.