مأساوية وعلى حين غرة، كانت وفاة وزير الدولة، عبد الله باها، وفاة شكلت خسارة كبيرة داخل الطبقة السياسية في المغرب التي فقدت رجلا عرف بالاشتغال في صمت وبطيبوبة عز نظيرها جعلته يحظى باحترام الجميع، ولم يكن له من أعداء، وهو الأمر النادر في السياسة. لقد نزل النبأ الحزين كالصاعقة على الطبقة السياسية التي أصيبت بالذهول، بعد علمها بأن الأجل المحتوم خطف، أمس الأحد، رجلا سياسيا من طينة الكبار، وهو يحاول أن يعبر ممر السكة الحديدية على مستوى بوزنيقة ليلقي نظرته الأخيرة على المكان الذي توفي فيه البرلماني والقيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أحمد الزايدي، في حادث مأساوي ، قبل شهر تقريبا. سيطر شعور الحزن والكآبة على وجوه جميع مكونات الطبقة السياسية المغربية، التي بدت غير قادرة على تقبل ما حصل، خلال تقديمها صباح اليوم الموالي للتعازي والمواساة في مقر إقامة رفيق الدرب الدائم، رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران. لم تستطع بسيمة الحقاوي وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، أن تستوعب أن عبد الله باها الرجل الحكيم وصاحب الأخلاق الفاضلة، والذي كان بالنسبة إليها المعلم والمرشد، قد رحل إلى دار البقاء. إنه القدر المحتوم ومشيئة العلي القدير، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولكن تظل الحقيقة أنه في بعض الأحيان من الصعب جدا تقبل الصدمة عندما يأتي الموت بشكل فجائي والأكثر من ذلك، في ظروف مأساوية. لقد جمع عبد الله باها الحكمة، وحسن الخلق، والاعتدال والعمل في الظل، وفضائل أخرى كثيرة أصبحت اليوم عملة نادرة جدا في قاموس سياسة هذا الزمن، ولكن المرحوم جعل من هذه الصفات أساسيات لشخصيته، إذ كان يقف دائما على مسافة من الجدالات وخلافات السياسيين. لم تكن لديه تلك النرجسية التي تميز بعض السياسيين الذين يسعون بأي ثمن إلى الشهرة. كما أنه لم يكن يدعي أنه يملك كل الحقيقة، أو أن الكلمة الأخيرة تعود إليه بل كان رجل التوافقات الحريص على تقريب وجهات النظر سواء داخل حزبه، حزب العدالة والتنمية، أو خلال اللقاءات مع قادة الأحزاب السياسية الأخرى. وفي تصريحات صحافية، وصف سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية ورئيس الدبلوماسية في النسخة الأولى لحكومة بنكيران، الراحل عبد الله باها، الذي لازمه لسنوات خلال مرحلة التعليم الابتدائي والثانوي بمنطقة سوس التي ينحدر منها كلاهما، بأنه مناضل منذ ريعان شبابه وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية سنة 1996 ورجل نزيه ولم يكن أبدا انتهازيا. ولكن الصورة التي ستظل عالقة في الذاكرة هي ذلك التقارب الاستثنائي الذي كان قائما بين الراحل ورئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران. إذ كانا دائما معا، لا ينفصلان، ودائما في وئام تام. وهو ما جعل المحللين والصحفيين السياسيين يعتبرون المرحوم عبد الله باها «الصندوق الأسود» لحزب العدالة والتنمية. لقد كان مستشارا مسموع الصوت لدى رئيس الحكومة، ولا غرابة في ذلك فالرجلان يتعارفان منذ أزيد من 30 عاما، مسار من النضال جنبا إلى جنب منذ البدايات الأولى في عالم السياسة.. رحل رجل الحكمة عبد الله باها في وقت مبكر وبشكل مأساوي، ولكن على الرغم من هذه الخسارة القاسية عندما كان يلقي نظرة وداع على مكان وفاة أحمد الزايدي فقد ترك رسالة على جميع مكونات الطبقة السياسية المغربية التأمل فيها : في السياسة، يجب دائما تغليب كفة الحوار والتوافق على حساب المواجهات غير المجدية والجدالات العقيمة.