وزير الثقافة يدعو إلى نقل خلاصات الاستشارة الوطنية حول دور الثقافة في التنمية إلى مختلف المنتديات والمحافل الثقافة تعبر عن هوية المملكة في تنوع مكوناتها العربية والإسلامية والأمازيغية والحسانية مع روافدها الإفريقية والأندلسية واليهودية والمتوسطية في إطار انخراط المملكة في جهود المنتظم الدولي لتحديد جدول أولويات التنمية ما بعد 2015 الذي ينتظر أن يحل محل أهداف الألفية التي اعتمدت عام 2000، يندرج برنامج الاستشارة الوطنية حول الثقافة والتنمية التي يتم تفعيلها في إطار تعاون بين المغرب ووكالات الأممالمتحدة بالرباط وخصوصا بين وزارة الثقافة ومكتب اليونيسكو للمغرب العربي. ويأتي اختيار المغرب للانخراط في هذا المشروع النموذجي الذي سيتقاسم خلاصاته مع المجتمع الدولي انطلاقا من التراكم الذي حققه كمختبر للممارسات المجددة في مجال الثقافة والتنمية من خلال البعد الثقافي لبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية واستراتيجية 2020 في السياحة واستراتيجية 2015 في الصناعة التقليدية وتجربة المغرب كمستفيد من برنامج "التراث الثقافي والصناعات الخلاقة كرافعة للتنمية" الذي مولته إسبانيا. ويعد المغرب البلد العربي الوحيد الذي اختير لتفعيل هذه الاستشارة الوطنية ضمن مجموعة من خمسة بلدان قصد تجميع وتحليل الرؤى والتوجهات التي تهم الصلة بين الثقافة والتنمية المستدامة وصياغة تصورات في هذا الشأن لجدول أعمال التنمية لما بعد 2015 على أن تقدم المملكة تقريرا في هذا الشأن للجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر المقبل. وعرفت أبهاء المكتبة الوطنية للمملكة بالرباط فعاليات هذه الاستشارة الوطنية حول "الثقافة والتنمية المستدامة في جدول أعمال التنمية لما بعد 2015"، خلال الأسبوع الماضي، بهدف تجميع وتحليل التصورات المتعلقة بسبل إدماج العنصر الثقافي بشكل أفقي في مسلسلات التنمية الوطنية مركزيا وجهويا ومحليا. وبعد الندوة الافتتاحية التي حضرها فاعلون حكوميون وممثلو الأممالمتحدة واليونسكو وفاعلون في المجتمع المدني وخواص، نظمت في مختلف جهات المملكة ست ورشات موضوعاتية تناولت مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة خاصة في مجالات مكافحة الفقر، التربية والتعليم، المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، المدن المستدامة والتمدن، البيئة والتغير المناخي ثم الإدماج والمصالحة. وعلاوة على هذه الورشات وضعت وزارة الثقافة ومكتب اليونسكو بالرباط على بوابتهما الإلكترونية استبيانا يمكن الأكاديميين وفعاليات المجتمع المدني وعموم المواطنين من الإدلاء بآرائهم في شأن مسألة الثقافة والتنمية المستدامة بالمغرب. الثقافة والتنمية.. فلسفة ومنطلقات شددت الورقة التقديمية للاستشارة الوطنية على دور الثقافة في مكافحة الفقر من خلال المحافظة على التراث الثقافي وتثمينه وجلب الاستثمارات التي تتجه نحو الأنشطة ذات الطابع الثقافي وتشجيع المقاولات الصغيرة ذات الميول الثقافية مما من شأنه أن يزيد من فعالية برامج مكافحة الفقر وتمكين الأفراد وتعزيز قدراتهم. كما أبرزت الفوائد الكثيرة التي يمكن جنيها من إدماج البعد الثقافي في العملية التعليمية وإيلائه أهمية أكبر في الوسط المدرسي بغرض تنمية الحس الإبداعي وروح التسامح والتطوير الإيجابي للقيم والعقليات. وأشارت الورقة إلى دور المشاريع ذات الصلة بالثقافة في تمكين النساء وتعزيز المساواة بين الجنسين موضحة دور المرأة في نقل التقاليد الشفهية وتراث الأجداد والمحافظة عليها وإنجاز قسط هام من الإنتاج الصناعي التقليدي الذي يحتوي على محتوى ثقافي قوي. فمن خلال الثقافة تتوفر للنساء فرص عمل حقيقية تعزز قدراتهن وتحسن ظروفهن المعيشية. واعتبرت من جهة أخرى أن الحياة الثقافية وطبيعة العيش والتعايش الجيد بين مختلف مكونات المدينة (الأحياء التاريخية التراث الثقافي المدن العتيقة المدن الحديثة الحدائق العمومية والمرافق الثقافية) بمثابة مفتاح لتنمية حضرية مستدامة. وفي هذا السياق يشكل الاستثمار في البنيات والمرافق الثقافية من مسارح ومتاحف ودور الثقافة مدخلا لبناء فضاءات مدنية للحوار والاندماج الاجتماعي. وبخصوص البيئة تؤكد الوثيقة على دور المبادرات ذات الصبغة الثقافية في النهوض بالمحيط البيئي ذلك أن الفهم الجيد للسياق الثقافي الذي تتم داخله عدد من الممارسات بما في ذلك الفلاحة يمكنه أن يكون الرد الأفضل على أشكال مقاومة التغيير الذي يمكن أن يظهر عندما يتعلق الأمر بالتخلي عن الممارسات المضرة بالبيئة. ويمتد تأثير الثقافة إلى رهانات الإدماج والمصالحة حيث يقدم المغرب نموذجا لدور الثقافة في إنجاز مصالحات كبرى مع الذاكرات وأهميتها في تفعيل السياسات الجهوية من خلال الفهم الثقافي للأوضاع والفاعلين. تجميع ونقل وتعميم المعطيات حول الثقافة هذا وخلال الجلسة الختامية لأشغال ورشة الاستشارة الوطنية حول الثقافة والتنمية المستدامة في أجندة ما بعد 2015، التي أقيمت بالمكتبة الوطنية بالرباط، الجمعة 26 شتنبر الماضي، اعتبر محمد الأمين الصبيحي، وزير الثقافة، على أن "التعبئة القوية حول الثقافة، تجعلنا حريصين على توظيفها التوظيف الأمثل"، داعيا إلى تجميع العديد من المعطيات والعناصر المهمة حول دور الثقافة في التنمية، ونقل مضمون هذه الخلاصات إلى مختلف المنتديات والمحافل وإسماع الصوت على الوجه الأكمل وبأحسن طريقة ممكنة. وأكد أمين الصبيحي، في كلمة ألقاها خلال هذه الورشة الختامية، قدرة المملكة المغربية على إسماع صوتها وتثمين تجاربها الرائدة أثناء انعقاد المفاوضات التي ستتم بالأممالمتحدة خلال الأشهر القادمة من أجل اعتماد الأجندة الدولية للتنمية لما بعد 2015. يذكر بأن وزير الثقافة سيشارك بفلورنسا في بداية شهر أكتوبر المقبل ضمن أشغال "المنتدى العالمي لليونسكو حول الثقافة والصناعات الثقافية"، المنظم بتعاون مع الحكومة الإيطالية، والذي سيتم خلاله عرض نتائج الاستشارات الوطنية الخمس حول "الثقافة والتنمية المستدامة". وأشار الصبيحي إلى أنه تم اعتماد ستة مواضيع لهذه الاستشارة، مركزا على عدد من الأفكار الأساسية التي تعكس مساهمة المغرب في التفكير العالمي بقيادة الأممالمتحدة، وكذا بعض المسارات التي يمكن أن تؤدي في المستقبل إلى مبادرات بين وزارية واعدة. وشدد على أهمية النموذج الذي يمثله المغرب في التعايش السلمي بين المكونات الثقافية والدينية المتنوعة وما يحتاجه من جهود لتعزيز التبادل الثقافي والتفاهم المتبادل والعيش المشترك، وكذا على "القلق حول عدم كفاية الفنون والثقافة في المدرسة، وحول نمط ونوعية الحياة في المدن الكبيرة التي تنمو بمختلف ربوع المملكة تحت تأثير التمدن والهجرة القروية". وقال أمين الصبيحي إنه "في ظل مناخ عالمي صعب يتسم بالتوترات، استطاع المغرب أن يبقى أفضل حالا من غيره، وهذا ما يستدعي الاستمرار في هذا النهج، سواء عبر التربية على احترام الخصوصيات الثقافية، ومحاربة الصور النمطية في وسائل الإعلام، أو عبر تطوير بعض الثقافات على شاكلة ما هو موجود في دول إفريقيا جنوب الصحراء". وأضاف أنه إذا كان هناك مجال آخر يمكن للمغرب أن يضطلع فيه بدور ريادي ويلهم العديد من المبادرات في جميع أنحاء العالم، فهو خلق أنشطة مدرة للدخل ذات طبيعة ثقافية من شأنها محاربة الفقر، وكذا تمكين المرأة ولا سيما في المناطق القروية من الحصول على استقلال مادي كفيل بتحقيق المساواة مع الرجال، مشيرا إلى أن هذه الاستشارة الوطنية مكنت من التعرف على عدد من التجارب الناجحة وبعض التجارب غير الموفقة التي يتعين استخلاص الدروس والعبر منها سعيا إلى تحقيق الأفضل، من خلال مبادرات يمكن إرساؤها وتطويرها باشتراك مع قطاعات الصناعة التقليدية والسياحة والتنمية الاجتماعية ومع الفاعلين الخواص. وأشار محمد الأمين الصبيحي إلى الافتقار للإمكانيات التي من شأنها التمكين من مواجهة جميع الحالات الطارئة من قبيل اختفاء بعض الممارسات الثقافية أو ضعف حضور بعض الفنانين بسبب غياب الموارد أو نقصها أو تعرض التراث الثقافي لمزيد من التدهور، مؤكدا أن الوزارة تعمل في إطار برنامجها القطاعي على حماية وتثمين التراث الثقافي المادي ودعم الصناعات الثقافية وإحداث بنيات القرب الثقافي عبر إشراك المجتمع المدني وتقوية الشراكات مع الفاعلين المؤسساتيين والخواص من أجل إنجاز مشاريع وعمليات، ولا سيما بالمدرسة وعلى المستوى المحلي لتنمية الثقافة. وذكر الوزير بأن الثقافة، التي أصبحت تحظى بوعي جديد باعتبارها مساهما في التنمية المستدامة، تمتاز بمؤهلات عديدة، ذلك أنها تساهم في خلق فرص مهمة للشغل وتحقيق أرقام معاملات والاستهلاك، كما تعبر عن هوية المملكة في تنوع مكوناتها العربية والإسلامية والأمازيغية والحسانية مع روافدها الإفريقية والأندلسية واليهودية والمتوسطية، والتي تم تسليط الضوء عليها طوال هذه الاستشارة الوطنية. وارتباطا بالثقافة باعتبارها قطاعا منتجا، خص وزير الثقافة بالذكر التراث الثقافي، المادي وغير المادي، الذي يجسد ذاكرة البلد والأمة، وكذا الفنون الحية التي تضع تحت المجهر إبداعات الشباب المغربي والفنانين المرموقين، والصناعات الثقافية والسياحة والصناعة التقليدية التي تساهم بجزء مهم من الدخل الوطني. ومن هذا المنطلق، تحدث عن "المقاربة الثقافية" في عدد من السياسات العمومية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المجموعة الموضوعاتية الخاصة التي أحدثها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، من أجل التفكير في أهداف التنمية المستدامة المدعوة لتحل محل أهداف الألفية للتنمية ما بعد 2015، اختارت تدارس وتعميق النقاش حول دور الثقافة في تحقيق أهداف التنمية، مع الإشارة إلى أنه تم اعتماد خمس دول على مستوى العالم لإجراء مشاورات وطنية، من بينها المغرب، البلد العربي الوحيد ضمن هذه الدول. وذكر بأن المغرب شارك إلى جانب اليونسكو في رئاسة المجموعة الموضوعاتية "الثقافة والتنمية" التي حظيت بدعم ومشاركة مكثفة من عدد مهم من القطاعات الحكومية والوكالات والبرامج التابعة للأمم المتحدة وجمعيات المجتمع المدني في مختلف مراحل هذه الاستشارة الوطنية، كما ذكر بأنه تم تنظيم هذه الورشات الموضوعاتية بكل من مدن فاس وكلميم وأكادير وطنجة والدار البيضاء ومراكش . وقد تابع أزيد من 500 مشارك، من بينهم مغاربة مقيمون بالخارج، هذه الاستشارة الوطنية التي همت مواضيع محددة ومدققة، وذلك بدعم من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة. حضر أشغال الورشة الختامية للاستشارة الوطنية حول الثقافة والتنمية المستدامة في أجندة ما بعد 2015، بالخصوص، برينو بويزات المنسق المقيم لهيئات الأممالمتحدة بالمغرب ومايكل ميلوارد مدير المكتب الجهوي لليونسكو بالمغرب وممثلو القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية وممثلو القطاع الخاص والمجتمع المدني بالمغرب.