حققت بريطانيا انتصارا كبيرا، كما أن أوربا، التي كانت هي أيضا تتابع حملات استفتاء اسكتلندا بترقب، تنفست الصعداء، عقب الإعلان عن النتيجة النهائية، وهي الفوز الواضح للوحدويين ولأنصار استمرار العيش ضمن المملكة المتحدة. لقد رفض الإسكتلنديون الاستقلال عن بريطانيا ب 55،3 في المائة من الأصوات بفارق كبير عن مؤيدي الاستقلال الذين حصلوا على 70،44 في المائة من الأصوات، وشهد الاستفتاء نسبة مشاركة قياسية وصلت إلى 6،84 في المائة. الدرس الأول من هذا الاستحقاق الإسكتلندي يكمن في نسبة المشاركة أولا، ذلك أن الديمقراطية أبانت عن قدرتها على الحسم في خيار وطني بهذه الصعوبة والحساسية الكبيرتين، ذلك أنه لما أحس الشعب بأهمية ما هو مطروح عليه، وأثر ذلك على مستقبله وعلى مصير أبنائه، تحرك بكثافة وتعبأ ونزل إلى صناديق الاقتراع وأدلى بصوته، وجاءت النتيجة حاسمة عن طريق ممارسة استفتائية ديمقراطية جرى التعبير فيها عن الرأي والرأي المضاد. أما الدرس الثاني، وهو مرتبط بسابقه، فيؤكد أن الممارسة الاستفتائية لا تقود مباشرة وأوتوماتيكيا إلى الانفصال والاستقلال، كما يروج لذلك في مناطق أخرى من العالم، وإنما هي تقود أيضا إلى الوحدة الوطنية، كما فرض ذلك الإسكتلنديون. في السياق نفسه، إن نتيجة الاستفتاء الإسكتلندي تؤكد اليوم تطلع الشعوب إلى الاستقرار، وإلى تقوية مسارات الوحدة الوطنية في إطار أمم قوية بما يتيح لها العيش في ظروف كريمة، ويحقق لها الأمن والتنمية والتقدم، وهذه النتيجة تعني كذلك هزيمة أفكار الانفصال، وتوجهات تفريخ الكيانات القزمية وتفتيت الدول وضرب وحدة الشعوب، وهذا الدرس الجوهري يجب أن يتأمله المنتظم الدولي بشكل جيد. إن الطبقة السياسية البريطانية وأنصار الوحدة الوطنية لم يرفضوا خيار الانفصال فقط لاعتبارات مبدئية أو إيديولوجية أو سياسية، وإنما أيضا لأن استقلال اسكتلندا كان سيعني فقدان بريطانيا جزء كبيرا من مساحتها الإجمالية، وأيضا نسبة من ثرواتها، كما أن ذلك كان سيدخلها مسلسلا من المفاوضات مع الدولة الجديدة لن يخلو من مصاعب وتحديات قد تشمل أوروبا بكاملها. أما المدافعون عن الاستقلال، فرغم إعلانهم عن تشبثهم بالملكة كرئيسة للدولة حتى في حال الانفصال، والتنازل عن الحدود مع بريطانيا، والمحافظة على العملة الواحدة، فهم لم ينجحوا في إقناع الناخبين، وكان التصويت في النهاية لصالح خيار الوحدة الوطنية بكامل الوضوح، وهذا أيضا درس كثير الأهمية لمختلف الشعوب. المستقبل إذن هو للوحدة الوطنية وليس لتقزيم الشعوب وتفتيت الدول، والقناعة بهذا أو التعبير عنه يجب أن يكونا واضحين وبلا أي لبس، كما أن الشعوب اليوم تتطلع إلى العيش في إطار استقرار مرتبط جدليا بتحقيق الإصلاحات والتحسين المستمر لظروف العيش وتوفير الأمن والتنمية والحريات والمشاركة والمساواة والعدالة الاجتماعية. هذا أهم ما لقنه الإسكتلنديون اليوم للعالم برمته. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته