«التجربة الجهوية بالمغرب» هي محور الندوة الفكرية التي نشطها الدكتور عبد العالي ماكوري، أستاذ باحث بكلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية بأكادير، يوم الثامن من يوليوزالجاري بمقر حزب التقدم والاشتراكية بأكادير، في افتتاح اللقاءات التكوينية والتواصلية والتداولية التي تندرج ضمن البرنامج الرمضاني الذي سطره الفرع المحلي للحزب . واستهل المحاضر عرضه بإلقاء نظرة شمولية على التجربة الجهوية بالمغرب، مشيرا في معرض حديثه إلى كون هذه الأخيرة، ليست وليدة اليوم، بل كانت بوادرها الأولى تعود إلى ماقبل الحماية، حيث تم تقسيم المغرب إلى عدة مناطق بناء على اعتبارات قبلية وجغرافية ،كما لعبت الزوايا دورا هاما في هذا المجال. في مرحلة الحماية، عملت السلطات الاستعمارية، يضيف المحاضر، على تقسيم المغرب إلى عدة مراقبات مدنية بناء على معايير اقتصادية في المناطق الحضرية التي كانت تزخر بثروات وبنيات تحتية ملائمة ومناطق عسكرية بناء على معايير عسكرية بالنسبة للمناطق التي كانت تعرف مقاومة مسلحة شرسة. واستطرد الدكتور الماكوري حديثه عن الجهوية بالمغرب بعد حصوله على الاستقلال وبالضبط في نهاية الستينات ، حيث عمل في البداية على إرساء دعائم الإدارة المركزية بتأسيسه لمعالم النظام اللامركزي بإنشاء الجماعات الحضرية والقروية ومنحها اختصاصات معينة من خلال ظهير 1960 وإنشاء الأقاليم والعمالات وتنظيمها بمقتضى ظهير 1963. إلا أن التجربة الميدانية، يضيف الأستاذ المحاضر، أبانت عن ضعف هذه المستويات من اللامركزية في تحقيق التنمية المتوازنة لكافة مناطق المغرب مما فرض التفكير في إطار أكبر من العمالات والأقاليم يسمح بتحقيق تنمية اقتصادية متوازنة وهو الجهة. حيث ورد ولأول مرة في ديباجة مخطط 1968 – 1972 التنصيص على ضرورة الحد من الاختلالات التي تعرفها مناطق المغرب على مستوى إعداد التراب والتعمير ومختلف الأنشطة الاقتصادية وذلك بالعمل على خلق جهات اقتصادية وذلك ما تم بالفعل، يؤكد الأستاذ الباحث، حيث صدر سنة 1971 القانون المنظم للجهات الاقتصادية بمقتضاه تم تقسيم التراب المغربي إلى سبع جهات واعتبرت إطار تشاوريا لتحقيق التنمية الاقتصادية أساسا. وابتغاء معالجة الموضوع بمقاربة منهجية واضحة ، قسم عرضه الوجيه إلى ثلاثة محاور أساسية، أولها خصصه للفترة الممتدة من تجربة إرساء الجهوية إلى تقرير اللجنة الجهوية الاستشارية، حيث قسم المغرب إلى سبع جهات اقتصادية سنة 1971 بناء على معايير اقتصادية أساسا وكان الهدف هو خلق التوازن والحد من الاختلالات بين الجهات، إلا أن تلك الاختلالات بقيت قائمة بتمركز مختلف الأنشطة الاقتصادية والبنيات التحتية ببعض الجهات كالجهة الوسطى والجهة الشمالية الغربية مقارنة مع الجهة الجنوبية مثلا، وبالتالي لم تنجح فكرة المقاربة الاقتصادية في تحقيق ما كان منتظرا منها، إذ سجلت ضعفا تنمويا ملحوظا مع بطء الحركة الاقتصادية في أغلب الجهات إضافة إلى خلل واضح في توزيع الاستثمارات. وأضاف عضو اللجنة المركزية لحزب الكتاب، بأن هذه الوضعية وغيرها من الأسباب الموضوعية المرتبطة بالوضعية القانونية للجهة وبالاختصاصات والموارد المالية الممنوحة لها دفعت بالدولة إلى إدخال تغييرات جوهرية على الجهوية تمثلت أساسا في الارتقاء بها إلى جماعة محلية في دستور 1992 وأكدها دستور 1996 وبعد ذلك صدر القانون المنظم لاختصاصات الجهات رقم 96-47 ثم صدر مرسوم رقم 2.97.246 بتاريخ 17 غشت 1997 والذي قام بتقسيم تراب المملكة إلى ستة عشر جهة بناء على معايير تتسم بالعمومية من قبيل الاستقطاب الحضري والتكامل الوظيفي و مقاييس بيئية وتاريخية ومتطلبات الاندماج الوطني. أما المحور الثاني من محاضرة ماكوري التي استقطبت العديد من رفاقه وجلبت العديد من الوجوه الجديدة والتي التحقت بالتنظيم حديثا والذين غصت بهم جنبات مقر الفرع، حيث استمتعوا بلحظات قوية سواء من خلال طريقة الإلقاء وأسلوب التقديم الذي سلكه المحاضر والذي ساعده على ذالك تكوينه الأكاديمي الراقي والمتميز ،(المحور الثاني) فقد ركز من خلالها الأستاذ على المحددات الدستورية لاختصاصات الجهوية مشيرا في هذا الإطار إلى الباب التاسع من دستور 2011 والذي خصص للجهات واللجماعات المحلية مذكرا في هذا السياق بأنواع الاختصاصات التي سوف تمنح للجهة من اختصاصات تقليدية أي تلك الممنوحة أصلا للجهة في القانون السابق رقم 47.96 واحتفظ بها الدستور الحالي للجهة.وركز بالخصوص في هذا الشق المحوري على الهيكلة العامة للإختصاصات وعلى طبيعتها وكذا على الجديد منها بالإضافة إلى السلطتين التنظيمية والتنفيدية، قبل أن ينتقل إلى تقييم شمولي للاختصاصات التي ستمنح للجهة من حيث الشكل ومن حيث المضمون . المحور الثالث من عرض عبد العالي ماكوري ركز فيه بالخصوص على مضمون مسودة مشروع القانون التنظيمي للجهة والذي تضمنت المسودة المتعلقة بمشروع القانون التنظيمي حول الجهة كما وزعتها وزارة الداخلية على الأحزاب السياسية 254 مادة موزعة على قسم تمهيدي وثمان أقسام. تطرق القسم التمهيدي لمقتضيات عامة حول الطبيعة القانونية للجهة وللمبادئ الأساسية التي يرتكز عليها التنظيم الجهوي كالتدبير الحر والتضامن والتعاون فيما بين الجهات والجماعات الترابية الأخرى ومبدأ التفريع في توزيع الاختصاصات. وفي ختام مداخلته القيمة، أثار الأستاذ عبد العالي ماكوري بعض الملاحظات ذات أهمية قصوى والتي لها ارتباط بتدبير هذا الملف لاسيما وأن منطوق الفصل 146 من الدستور ينص على قانون تنظيمي واحد يتضمن مقتضيات كل مستويات الجماعات الترابية (الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية)، حيث ورد في منطوق الفصل "تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة: شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى..."، ولم يتحدث عن قانون تنظيمي لكل مستوى من مستويات التنظيم الترابي وهذا عكس ما جاء به مشروع مسودة القانون التنظيمي المتعلق بالجهوية.يقول الأستاذ الباحث، مما يجعلنا نتساءل عن موقف المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية) لو أحيل عليه القانون التنظيمي بصيغته الحالية بعد المصادقة عليه بالبرلمان، فهل سيعتبره مطابقا للدستور؟ وما هي المبررات والحيثيات التي سيضعها لتبرير موقفه ذلك؟ أم سيعتبرها مخالفة للدستور بناء على منطوق الفصل 146 منه الذي تحدث عن قانون تنظيمي واحد للجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى؟ وهنا ستلزم السلطات العمومية بإعادة النظر في الترسانة القانونية المنظمة للشأن الإقليمي وكذا الجماعي بهدف إدراجها بشكل متناغم ومتكامل في القانون التنظيمي وهذا ،يضيف ماكوري، يتطلب وقتا قد يؤثر على حسن تدبير الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.