توقيف شخص وابنه إثر اتهامات بالتوسط الوهمي للتوظيف في أسلاك الشرطة والإدارة الترابية    عمدة المدينة: جماعة طنجة لن تدخر أي جهد لجعل المدينة في مستوى التظاهرات الدولية وتطلعات المواطنين    فيديو: ترامب يرفع السرية عن ملفي عمليتي اغتيال جون كينيدي ومارتن لوثر كينغ    وزارة الصحة تواصل تنفيذ التزاماتها بخصوص تثمين الموارد البشرية    "يونيسف": الكوارث المناخية تعطّل تعلم 250 مليون طفل في العالم    الشركة الوطنية للطرق السيارة تقدم توصيات هامة لتجنب الازدحام خلال العطلة المدرسية    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    بعد "الاحتقان" و"التصعيد".. تفاصيل اجتماع عامل الفقيه بنصالح بموظفي جماعة ولاد عياد    تعيين الفرنسي رودي غارسيا مدربا جديدا لمنتخب بلجيكا    الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى: مشروع قانون الإضراب غير عادل    الجزائر نحو عزلة داخلية بعدما عزلها العالم    الاستماع إلى ضابط شرطة متهم بالتورط في الضغط على زوجة بعيوي السابقة    بورصة البيضاء تفتتح التداول بارتفاع    الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة…انتشار حاد لفيروس الحصبة وفقدان أرواح الأطفال    تنفيذا لتعهدات ترامب .. أمريكا ترحل مئات المهاجرين    عجز السيولة البنكية يتراجع ب 8,26 في المائة    مواجهة الفتح والرجاء بملعب البشير بدون جمهور    نادي أحد كورت لكرة السلة يحتج على قرار توزيع الفرق في البطولة الجهوية    السكوري: مناقشة مشروع قانون الإضراب تتم في جو عال من المسؤولية    المكسيك تنشئ مراكز إيواء حدودية تحسبا لترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة    النفط يهبط على خلفية مساعي ترامب لزيادة الإمدادات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    روسيا تتهم رئيسة اليونيسيف بالاهتمام بأطفال أوكرانيا أكثر من غزة    كيوسك الجمعة | أكثر من 10 ملايين ونصف طفل معنيون بالتلقيح ضد "بوحمرون"    لقجع ينفي ما روجه الإعلام الإسباني بخصوص سعي "فيفا" تقليص ملاعب المغرب خلال مونديال 2030    العصبة الوطنية لكرة القدم النسوية تعقد اجتماع مكتبها المديري    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة بالمغرب    مايك وان" يُطلق أغنية "ولاء"بإيقاع حساني    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية    سيفعل كل شيء.. سان جيرمان يريد نجم ليفربول بشدة    رقم قياسي .. أول ناد في العالم تتخطى عائداته المالية مليار أورو في موسم واحد    ما هو سر استمتاع الموظفين بالعمل والحياة معا في الدنمارك؟    ترامب يسعى لفرض "ضغوط قصوى" على إيران، فكيف ستبدو مع وجود الصين والمشهد الجيوسياسي المتغير؟    تفاصيل تحرك مغربي لدى سلطات بوركينافاسو والنيجر للبحث عن سائقين "مختطفين"    اتفاق مغربي موريتاني يفتح آفاق التعاون في قطاع الطاقة    الأزمي: تصريحات وهبي حول مدونة الأسرة تفتقر للوقار    تألق نهضة بركان يقلق الجزائر    جوائز "الراتزي": "أوسكار" أسوأ الأفلام        تضارب في الأرقام حول التسوية الطوعية الضريبية    الحكومة تحمل "المعلومات المضللة" مسؤولية انتشار "بوحمرون"    نكسة جديدة للجزائر ودميتها البوليساريو .. مجلس الشيوخ الشيلي ينتصر لمغربية الصحراء    رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا يطلع على الزخم التنموي بجهة العيون    خط بحري كهربائي بالكامل بين طريفة وطنجة    افتتاح السنة القضائية بمحكمة الاستئناف ببني ملال    مفكرون يدرسون متن الجراري .. طلائعيٌّ وسّع مفهوم الأدب المغربي    هناء الإدريسي تطرح "مكملة بالنية" من ألحان رضوان الديري -فيديو-    الدوحة..انطلاق النسخة الرابعة لمهرجان (كتارا) لآلة العود بمشاركة مغربية    مدارس طنجة تتعافى من بوحمرون وسط دعوات بالإقبال على التلقيح    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    إوجين يُونيسكُو ومسرح اللاّمَعقُول هل كان كاتباً عبثيّاً حقّاً ؟    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تُفشِل وزارة الداخلية مشروع الجهوية المتقدمة؟
نشر في هسبريس يوم 02 - 10 - 2011

هل تحاول وزارة الداخلية إفشال مشروع الجهوية المتقدمة كما يريدها المغاربة وكما نص عليها الدستور الجديد؟
وما معنى أن تلتف الداخلية على ما جاء في الدستور وعلى التعليمات الملكية وتسارع لإفراغ الدستور من مدلوله الحقيقي؟
إن مشروع الجهوية المتقدمة يعتبر من أهم الملفات الكبرى التي تندرج في صلب الإصلاح القانوني والسياسي في ظل دستور 2011، على اعتبار أن التدبير الديمقراطي لا يتحقق إلا بديمقراطية جهوية ومحلية تسمح لممثلي السكان بتدبير الشأن العام الجهوي عبر ممثلين منتخبين وبآليات قانونية وتنظيمية تسمح للمؤسسات اللامركزية بالتدخل في المجالات الرئيسية للتنمية المجالية.
وإذا كانت الخطب الملكية منذ سنة 2008 تؤكد على اعتزام المغرب دخول عهد الجهوية وإعادة النظر في بنية الدولة لتصبح ذات أساس لامركزي، فإن الدستور الجديد أعطى للجهوية مكانتها اللائقة وأكد الفصل الأول من الوثيقة الأساسية للمملكة على وجود "تنظيم اللامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة"، وكانت اللجنة الملكية قبله ولعى مدى سنة كاملة قد اشتغلت على المحاور الكبرى للجهوية المتقدمة بمختلف عناصرها وقواعدها القانونية والمؤسساتية والمالية والتنموية.
إلا أن ما أصبحت تقدِم عليه وزارة الداخلية مؤخرا بخصوص هذا المشروع يتناقض كلية مع هذا التوجه العام، بل إن عددا من مبادراتها أصبحت تتجاوز الدستور نفسه وتتناقض مع التوجيهات الملكية نفسها.
فالمشروع الذي أعدته وزارة الداخلية جاء في سياق غريب وبشكل يُسارع الزمن لقطع الطريق على أية مبادرات حقيقية لتنزيل مشروع الجهوية على أرض الواقع، ولم يأت بجديد فيما يخص طرق انتخاب مجالس الجماعات ورؤسائها وهو الإشكال العميق الذي لم تبادر لحله، بالمقابل تم تضخيم عدد أعضاء الجماعات وتقليص عدد أعضاء الجهات بشكل غير متوازن.
وبغض النظر عن عدد من التفاصيل المتناقضة، وإذا كان النص الدستوري قد تضمن محاور كبرى وقواعد رئيسية تتعلق بالجهوية واللامركزية والتنمية المحلية، فإن وزارة الداخلية تحاول الالتفاف على هذه القواعد وتنزيل مقتضيات قانونية تناقض تماما ما يصبو إليه المغرب من إصلاح جذري لطرق التدبير العمومي.
مشروع الداخلية يخالف الدستور
فوجئ المتتبعون خلال الأيام الأخيرة بتقديم وزارة الداخلية لمشروع يهم انتخاب مجالس الجهات والجماعات الترابية، ويعتبر التوقيت غريبا ولا صلة له بالحراك السياسي ولا بالظرفية التي تعيشها المؤسسات الدستورية بالمغرب.
فالمشروع يتكون من 154 مادة موزعة على أربعة أقسام، وكلها تتعلق فقط بانتخاب مجالس الجهات ومجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجماعات الحضرية والقروية، وهي مقتضيات يوجد جزء منها في الميثاق الجماعي والقوانين المنظمة للجهات وللعمالات والأقاليم، والجزء الآخر يوجد في مدونة الانتخابات التي تعود إلى سنة 1997.
وبالرجوع للدستور، فإننا نجده قد خصص بابا كاملا للجهوية والجماعات الترابية بما مجموعه 12 فصلا، ونص في الفصل 146 على إصدار قانون تنظيمي يتضمن تفصيلات وتدقيقات لمجموعة من المحاور الكبرى التي يعتبر الانتخاب جزءا يسيرا منها.
فهذا الفصل من النص الدستوري واضح ويتحدث عن قانون تنظيمي واحد يتضمن مجموعة من المحاور الرئيسية من أهمها:
1. شروط تدبير هذه الهيئات اللامركزية لشؤونها وطرق انتخابها وعدد أعضائها، بمعنى أن مشروع وزارة الداخلية كله يعتبر جزءا فقط من هذا المحور، وبالتالي يتعين هنا دمج جميع النصوص القانونية المتعلقة بتدبير شؤون الجهات والجماعات والعمالات والأقاليم؛
2. شروط تنفيذ الرؤساء لمداولات المجالس، ويتعلق الأمر هنا بأهم مستجدات الجهوية، حيث سيصبح رؤساء الجهات ورؤساء مجالس العمالات والأقاليم آمرين بالصرف ومتعاقدين باسم مجالسهم ومسؤولين عن اتخاذ الإجراءات القانونية والتنظيمية لتنفيذ المقررات، وهو ما يفيد انتفاء هذه الصفة عن العمال والولاة، وبالتالي يتعين تنزيل هذا المقتضى الدستوري عبر مواد في القانون التنظيمي؛
3. اختصاصات الجهات وباقي الجماعات الترابية، والتي يجب تفصيلها بشكل واسع نظرا لما تم الاتفاق عليه من توسيع مجال تدخل الجهات وتخويلها مهام أخرى ذات أهمية كبيرة لا تتوفر عليها في ظل النظام الحالي، وهذا المقتضى لا نجد أي أثر له في مشروع وزارة الداخلية؛
4. النظام المالي للجهات وللجماعات الترابية، بمعنى إجراء مراجعة شاملة لهذه الأنظمة وفق المستجدات الدستورية التي منحت الرؤساء اختصاص الأمر بالصرف وأقرت إحداث مجموعة من الصناديق المالية والمؤسسات التدبيرية المرتبطة بها، وبالتالي يجب أن يتضمن القانون التنظيمي جميع المقتضيات المنظمة للتدبير المالي وللجبايات الجهوية والمحلية ولتدبير المناصب المالية للتوظيف والتحفيزات المالية والاقتصادية... وهو ما لا نجده في هذا المشروع الذي أعدته وزارة الداخلية؛
5. مصدر الموارد المالية للجهات وباقي الجماعات الترابية، بمعنى أن تدبير الموارد المالية يجب أن يتوحد في مواد يتضمنها هذا القانون التنظيمي، بدءا من الجبايات والموارد الذاتية لهذه الهيئات اللامركزية، مرورا بالقواعد المتعلقة بالموارد العمومية ذات التخصيص الجهوي، ووصولا إلى الحصة من موارد الدولة التي يجب تحديدها بدقة وبمعايير محددة حصة الجهات في ضرائب الدولة وطرق توزيعها ومعايير هذا التوزيع؛ وهو الأمر الذي تتفاداه وزارة الداخلية دائما وتبقى متحكمة في أزيد من 24 مليار درهم سنويا من حصة الجماعات المحلية في TVA؛
6. ثم مبادئ الحكامة وقواعد التدبير الحر للشأن الجهوي والمحلي وقواعد الاستقلال المالي والتدبيري للجهات ولباقي الجماعات الترابية وعلاقاتها ببعضها البعض؛ وهي قواعد قانونية لازمة لإنجاح ورش الجهوية، وهو ما يخلو مشروع وزارة الداخلية تماما من أية مقتضيات تتعلق به.
ودون الدخول في تفاصيل هذه المحاور الكبرى تيبين الفرق الشاسع ما بين ما نص عليه الدستور الجديد وما جاء به مشروع وزارة الداخلية الذي تعتزم تقديمه أمام المجلس الوزاري المقبل، والذي يضم فقط مقتضيات تهم طرق انتخاب المجالس وعدد أعضائها، وحتى هذه المقتضيات نفسها تبقى ذات تناقضات كبيرة.
فمن كلف وزارة الداخلية أصلا بإعداد هذا القانون التنظيمي، ومن أوحى لها بالإسراع بتقديم هذا المشروع الذي يتناقض مع نصوص الدستور ومع ما نصت عليه الوثيقة الأساسية للمملكة.
فالمشروع الذي قدمته الداخلية لا يتضمن أية مقتضيات تهم تدبير الجهات وباقي الجماعات الترابية لشؤونها ولاختصاصاتها، كما لم ينص على أسس التدبير المالي والتنموي، وعلى الوسائل القانونية والمادية والبشرية لتنزيل مشروع الجهوية المتقدمة.
فالمشروع الملكي الذي تحول إلى مشروع الدولة المغربية بإعادة النظر في بنية الدولة وفي وفي نظام سير مؤسساتها الدستورية تحاول وزارة الداخلية اختزاله لديها والتحكم فيه كما تتحكم في الجماعات المحلية منذ سنة 1976، وذلك ضدا على الإرادة الملكية نفسها وعلى إرادة الأمة المغربية التي اعتمدت الدستور الجديد وصادقت عليه.
فاللجنة الملكية الاستشارية التي اشتغلت على ملف الجهوية المتقدمة لمدة سنة كاملة وتلقت العشرات من مذكرات الأحزاب السياسية والنقابات والمؤسسات المهنية والمجتمعية، وناقشت المئات من الاقتراحات واطلعت على ترسانة من النظم المقارنة بمختلف قارات العالم، أصبحت مهمشة بشكل غريب ولم يكلفها أحد بإعداد تصور عملي لتنزيل فصول الدستور على مستوى القانون التنظيمي.
وعوض أن تلجأ الحكومة لإعداد مشروع قانون تنظيمي واحد يتضمن جميع المحاور التي ينص عليها الدستور كما هو واضح في الفصل 146 منه، نجد وزارة الداخلية تسارع وبشكل غريب إلى تقديم مشروع هزيل يتناقض مع منطوق النص الدستوري ويهمش العمل الذي قامت به اللجنة الملكية ويخالف التوجيهات الملكية بضرورة حسن تنزيل فصول الدستور واعتماد نظام جهوي حقيقي.
فوزارة الداخلية أصبحت تتحكم في العملية الانتخابية عوض أن تقوم الحكومة كمؤسسة دستورية بذلك، وأصبحت تهيمن على تدبير الشأن الديمقراطي رغم التحفظات الكبرى على دورها، ثم أصبحت تسارع إلى إفراغ مشروع الجهوية المتقدمة من أي مدلول حقيقي عبر الالتفاف على المقتضيات الدستورية وتقديم مشروع قانون تنظيمي مناقض للدستور وفارغ من أي محتوى، بما يعني استمرار النظام الحالي الذي لا يعني شيئا والذي يرسخ هيمنة وزارة الداخلية على الشأن الجهوي والمحلي وسيطرة الإدارة الترابية على تدبير التنمية الجهوية والمجالية.
*دكتور في القانون
متخصص في العلوم الإدارية والمالية العامة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.