غير أن المتأمل في سطور مسودة المشروع وبتمعن، لا بد أن تستوقفه مجموعة من الملاحظات الجوهرية التي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: - استمرار المراقبة البعدية للقرارات المرتبطة بمالية الجهة : من النقاط التي يمكن اعتبارها سلبية في المشروع مسألة ُالوصاية المشددة على القرارات المرتبطة بمالية الجهة، حيث لا تكون المقررات المتعلقة بالميزانية والمقررات ذات الوقع المالي على النفقات والمداخيل، ولاسيما الاقتراضات والضمانات وفرض الرسوم المأذون بها وتفويت الأملاك الجماعية وتخصيصها، قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها من طرف والي الجهة، داخل أجل 20 يوما من تاريخ توصله بالمقرر، وهذا قد يضرب في العمق مبدأ التدبير الحر الذي يرتكز بالأساس على منح الوسائل للمدبر ومحاسبته على النتائج والانتقال من ميزانية الوسائل إلى ميزانية النتائج؛ - تحديد شروط تقديم العرائض للجهة: يتضمن المشروع الجديد مجموعة من الشروط التي يجب توفرها قصد قبول العرائض المقدمة للجهة. وقد سبق أن نص الدستور في الفصل 139 على حق المواطنين والمواطنات والجمعيات في تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله. وأهم الشروط التي حددها المشروع أن الأشخاص الذاتيين يجب أن يكونوا من سكان الجهة المهنية أو يمارسون بها نشاطا اقتصاديا أو تجاريا أو مهنيا، وأن يكونوا مسجلين في اللوائح الانتخابية العامة، وأن تكون لهم مصلحة مباشرة جماعية في تقديم العريضة، وأن تكون العريضة مكتوبة، وأن تحمل أسماءهم العائلية والشخصية وصفاتهم وأنواع المخابرة معهم وتوقيعاتهم، وأن تكون موقعة من طرف 1000 ناخب بالجهة على الأقل، وكأننا أمام مساطر تأسيس منظمات سياسية، وبالتالي فأي منطق هذا الذي يشترط حصر عدد الموقعين على العريضة في 1000 شخص، علما بأنها نتاج لدستور 2011 الفريد من نوعه والذي يسعى إلى فتح الباب أمام جميع المواطنات والمواطنين من أجل إبداء ملاحظاتهم عبر هذه العرائض. أما بالنسبة إلى جمعيات المجتمع المدني، فيجب أن تكون الجمعية معترفا بها ومؤسسة بالمغرب لمدة تزيد على ثلاث سنوات، وأن تكون في وضعية سليمة تجاه القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وأن يكون مقرها أو أحد فروعها واقعا بتراب الجهة المعنية بالعريضة، وأن تكون العريضة مكتوبة وحاملة اسم الجمعية ومقرها وعنوانها واسم رئيسها وتوقيعه، وأخيرا أن تكون العريضة مرتبطة بنشاط الجمعية المعنية، الأمر الذي يُطرح معه سؤال معيار تحديد عمر جمعيات المجتمع المدني من تمكنها من تقديم عرائض، الأمر الذي نعتبره يتناقض مطلقا مع حرية تأسيس الجمعيات، وكذا مع فحوى دستور 2011 الذي أعطى للمجتمع المدني مكانة متميزة تمكنه من تفعيل المقاربة التشاركية في تدبير الشأن العام؛ - وجود إشكالية دستورية تتمثل في تخصيص قانون تنظيمي للجهة دون الجماعات الترابية الأخرى (العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية)، لكون منطوق الفصل 146 من الدستور ينص على قانون تنظيمي "واحد" يشمل كل مستويات الجماعات الترابية، بما فيها الجهات، وليس "قوانين تنظيمية" لكل مستوى من الجماعات الترابية قانون تنظيمي خاص، وهو ما يمكن أن نستنتجه من مقدمة الفصل سالف الذكر الذي ينص بصريح العبارة: "تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة: شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى..."؛ - غموض في الاختصاصات الذاتية لمجلس الجهة قد يؤدي إلى تداخل في الاختصاصات مع الجماعات الترابية الأخرى، حيث إنه من بين الانتقادات التي كانت قد وجهت إلى القانون 47.96 المتعلق بتنظيم الجهات والميثاق الجماعي والقانون المنظم للعمالات والأقاليم، عدمُ وضوح اختصاصات كل جماعة ترابية، مما ينتج عنه تداخل وتضارب الاختصاصات بين كل المتدخلين في مجال ترابي معين "جماعة - إقليم/عمالة - جهة"، وهو الراجح أن يقع مع المشروع الجديد، حيث تم التنصيص على اختصاصات فضفاضة وغير محددة، نذكر منها على سبيل المثال: دعم المقاولات، إنعاش السياحة، جذب الاستثمار، إنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية، الإسهام في المحافظة على المواقع الأثرية والترويج لها...، الأمر الذي يتعارض مع مبادئ الحكامة الجيدة التي أفرد لها القسم الأخير من مسودة المشروع والتي تقتضي تدقيق الاختصاصات من أجل تفعيل مبدأي المساءلة والمحاسبة الدستوريين. إن التغاضي عن التعاطي مع هاته النقائص، المبينة أعلاه، سيشكل حتما عائقا حقيقيا أمام مسألة مباشرة الجهة لاختصاصاتها الدستورية وعبرها التنموية. ومن هذا المنطلق واعتبارا لأن الأحزاب السياسية وبجميع أطيافها اليسارية والمعتدلة، مدعوة إلى أن تمحص مختلف أقسام وأبواب وفصول هذه المسودة، وذلك من خلال تقديمها لوجهات نظرها التي من اللازم أن تنبثق من النقاشات العمومية التي يجب أن تفتحها مع المواطنين والمواطنات، وذلك في أفق تقديمها لمذكرات يتقاسم مضمون بنودها المتحزب وغير المتحزب. كما ندعو منظمات المجتمع المدني إلى تحمل مسؤولياتها كاملة، وذلك من خلال مشاركتها الفاعلة والمسؤولة في مناقشة مضامين هاته المسودة، وتقديم البدائل الكفيلة بتعزيز دور المجتمع المدني في صناعة القرار التنموي للجهة. إن مشروع مسودة مشروع القانون التنظيمي حول الجهة يعتبر مشتلا حقيقا للرقي بالجهة المغربية إلى مصاف الدول التي استطاعت، من خلال مشاركتها المباشرة في تدبير الشأن العام، جني مكاسب مهمة جدا انعكست على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لمواطنيها. العباس الوردي