الحلقة11 تمخضت فكرة هذا البحث، والمتعلقة بدراسة دور المؤسسة التشريعية في مجال السياسة الخارجية، انطلاقا من أهمية البحث العلمي حول البرلمان على اعتبار وجود نقص في هذا الاتجاه، وكذا ضرورة التدقيق في آليات العمل البرلماني بالمغرب هدفا في معالجة مدى فعالية دور النائب والمستشار البرلماني صاحب الشرعية الانتخابية الشعبية في المساهمة في السياسة الخارجية عبر العمل الدبلوماسي البرلماني، الذي أضحى يشكل بعدا هاما في حياة جميع المؤسسات البرلمانية إضافة إلى الدور الأساسي المتجلي في التشريع والمراقبة. إن البحث في الوظيفة الدبلوماسية للبرلمان المغربي يستوجب تحديد المتدخلين والفاعلين في السياسة الخارجية، في اتجاه النظر حول زاوية تقاسم الأدوار والوظائف لاستنباط مكانة البرلمان ضمن المؤسسات الفاعلة هي الأخرى في هذا المجال، بحيث اعتبرت السياسة الخارجية لمدة طويلة خارج اهتمام البرلمانات بذريعة أن الدبلوماسية هي «شأن الأمراء وليس شأن الشعوب» ليثبت التاريخ المعاصر هشاشة وخطورة هذا الحكم، إذ يمكن القول أن الفتوحات الديمقراطية لم تتقدم إلا عبر الرهان الذي اعتمده المنظرون الأوائل للقانون الدستوري في مزايا وفوائد منح الشعوب مكانة المشاركة في تسيير الشؤون الدولية. فلقد تولد سوء فهم لدور البرلمان في علاقته مع السلطة التنفيذية التي ظلت حريصة على الدفاع باستماتة على اختصاصاتها في مجال السياسة الخارجية، والتي كان ينظر إليها دائما، وفي أغلب الدول بما فيها الرائدة ديمقراطيا على أنها المجال المحفوظ لرئيس السلطة التنفيذية بشكل يهمش باقي الفاعلين ولاسيما السلطة التشريعية. ويوضح الجدول التالي علاقة البرلمان بوزارة الخارجية في المجال الدبلوماسي، وذلك من خلال سؤال استمارة البحث الميداني، حول كيف ترى العلاقة بين البرلمان ووزارة الخارجية ؟ جيدة أم متوسطة أم ضعيفة أم منعدمة، والموجه لمجلسي البرلمان المغربي فرقا وإدارة(1). ففي قراءة لمعطيات الجدول يتبين أن أجوبة الفرق بمجلس النواب قد توزعت بين الاختيارات الأربع، لتشكل نسبة الجواب باعتبار العلاقة ضعيفة بين البرلمان ووزارة الخارجية أعلى نسبة %44,44، من خلال جواب فريقين نيابيين ومجموعة نيابية ينتمون للمعارضة إضافة إلى فريق التحالف الاشتراكي رغم تواجده ضمن الأغلبية الحكومية. واعتبرت ثلاث فرق تقود أحزابها الحكومة أن العلاقة جيدة بنسبة %33,33، مع العلم أن وزارة الخارجية تنتمي إلى ما يسمى بوزارة السيادة بقيادة وزير تقنوقراطي، وكان جواب الفريق الاشتراكي أحد فرق الأغلبية الحكومية معتدلا بالإجابة على أن العلاقة متوسطة، إلا أن مجموعة جبهة القوى الديمقراطية المتواجدة في صف المعارضة، اعتبرت أن العلاقة منعدمة أي غير موجودة بالمرة.وبالنسبة لمجلس المستشارين، تكون قد أكدت الفرق باختلاف توجهها بين المعارضة والأغلبية المساندة للحكومة على أن العلاقة بين البرلمان ووزارة الخارجية، متوسطة بنسبة %69,23، من خلال جواب 6 فرق (4 من الأغلبية الحكومية وفريقين من المعارضة) وثلاث مجموعات نيابية من صف المعارضة أيضا، لتتميز المعارضة بجوابها، من خلال 5 من مكوناتها (فريقين وثلاث مجموعات نيابية) بمقابل جواب 4 فرق من مكونات الأغلبية الحكومة. وقد اعتبرت ثلاث فرق من الأغلبية الحكومية أن العلاقة بين البرلمان ووزارة الخارجية جيدة، بالإضافة إلى جواب الفريق الكنفدرالي رغم تواجده في صف المعارضة بنسبة %30,76، لينعدم الجواب بالاختيارين (ضعيفة أو منعدمة) على عكس مجلس النواب حيث كان حضور لهذين الاختيارين بنسبة %11,11 لكل منهما. ومن جهة أخرى وانطلاقا من أجوبة المصالح المستجوبة بمجلس النواب، نلاحظ أن إدارة المجلس ولجنة الخارجية قد أكدوا على أن العلاقة بين البرلمان ووزارة الخارجية جيدة %100 ، على عكس جواب مصلحة العلاقات الخارجية التي أكدت على أن العلاقة متوسطة %100، إذ نستشف من ذلك أن العلاقة السياسية بين البرلمان والوزارة جيدة لوحدة الأهداف والاستراتيجيات، إلا أن العلاقة المرتبطة بالجانب التقني والإداري في تدبير ملفات العلاقات الخارجية بين الوزارة والبرلمان تبقى متوسطة من زاوية نظر مصلحة العلاقات الخارجية على اعتبار أنها الإدارة التقنية المتخصصة بمجلس النواب. هذا على عكس مجلس المستشارين، إذ نجد توحد الجواب بين إدارة المجلس ومديرية العلاقات الخارجية في اعتبار العلاقة بين البرلمان ووزرة الخارجية جيدة %100، فيما كان جواب لجنة الخارجية باعتبار العلاقة متوسطة %100، ليبرز التباين داخل المجلس نفسه، كما يبرز بين المجلسين معا، ويتأكد ذلك الاختلاف بينهما رغم توحد جواب إدارتي كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين باعتبار العلاقة جيدة %100. إذن فالعلاقة بين البرلمان والحكومة هي علاقة جدلية تحكمها التوجهات الرسمية والإستراتيجية السياسية للملك باعتباره رئيسا للدولة ووفق قانونها الأسمى. فماذا إذن عن حضور الدبلوماسية الموازية في علاقتها بالعمل الدبلوماسي للبرلمان ؟ حيث تعد الدبلوماسية البرلمانية رافدا أساسيا من روافدها. المبحث الثاني: حضور الدبلوماسية الموازية في السياسة الخارجية للبرلمان قبل التطرق للعلاقة بين الدبلوماسية الموازية والدبلوماسية البرلمانية، نشير على أن الدبلوماسية البرلمانية تشكل صورة متطورة لدبلوماسية المؤتمرات حيث يطلق عليها البعض لفظ «الدبلوماسية الجماعية» أو «الدبلوماسية الديمقراطية». ويقصد بها تلك النشاطات الدبلوماسية التي تتم في أروقة المنظمات الدولية. وقد بدأت بقيام عصبة الأمم وتطورت في عهد هيئة الأممالمتحدة حيث تبلورت ملامحها مع قيام هذه المنظمة بأعمالها. فبعد أن تبنى المجتمع الدولي مبدأ العلانية في العلاقات الدولية بالنص في ديباجة عهد عصبة الأمم على أن «تقوم العلاقات بين الدول على أساس العلانية في الصراحة والعدل» ظهرت الدبلوماسية المفتوحة لتصبح أحد مميزات أعمال هذه المنظمة الدولية ومن مظاهرها(2): قيام مؤتمر دبلوماسي دائم لجميع الدول يجتمع على أساس المساواة التامة وفي دورات عادية منتظمة، أو غير عادية يحدد شروطها ميثاق العصبة، وتتم مناقشة القضايا الدولية في جو من الصراحة والعلنية. تسجيل المعاهدات الدولية ونشرها، فقد أكد ميثاق العصبة على وجوب تسجيل المعاهدات في سكرتارية العصبة وإعلانها في أقرب فرصة ممكنة وعلى أن لا تكون للمعاهدات صفة الإلزام إلا بعد تسجيلها، وفي هذا البند نبد الاتفاقيات السرية. ممارسة العصبة لحق التمثيل الدبلوماسي، أي إرسال واستقبال البعثات الدبلوماسية، حيث كانت توفد بعثات دبلوماسية دائمة لتمثيلها في بعض العواصم كروما وطوكيو وبرلين وغيرها. كما أنشأت مكاتب اتصال في باريس ولندن، واستقبلت بعثات دبلوماسية من الدول الأعضاء التي رأت أنه من صالحها إنشاء مكاتب دائمة لها في مدينة جنيف أي في مقر العصبة. التعاون الفني بين الدول عن طريق الدبلوماسية الجماعية، فقد اهتمت بإرساء قواعد التقارب والتعاون بين الشعوب والأمم بتنسيق التعاون الفني فيما بينها في مختلف المجالات. لكن بعض الدول الأوربية كبريطانيا وفرنسا عادت إلى ممارسة الدبلوماسية السرية، ساعدها على ذلك قصور وعجز عصبة الأمم عن مواجهة قضايا السلام والأمن الدوليين مما أدى إلى إهدار الأهداف التي أنشئت من أجلها هذه المنظمة الدولية فكانت الحرب العالمية الثانية. غير أن الدبلوماسية المفتوحة عادت إلى الظهور عقب إنشاء هيئة الأممالمتحدة واستقرت واتسع نطاقها مع إنشاء المنظمات الدولية الأخرى وأصبحت تحمل اسم الدبلوماسية البرلمانية وذلك لأنها تمت وفق نظم إجرائية تشبه ما هو قائم في البرلمانات الوطنية، حيث تدرج المسائل الدولية في جدول أعمال المنظمة الدولية، وتعرض وجهات النظر المختلفة حولها وبعد ذلك يدور الجدل والنقاش حولها، ثم تجرى عملية التصويت على الآراء والاتجاهات الرئيسية وفق النظام الداخلي لتلك المنظمة(3). وباعتبار البرلمان مؤسسة منتخبة، فإن حضور الدبلوماسية الموازية والشعبية يبقى قائما انطلاقا من التواجد الظاهر والخفي لدور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، إذ أن العملية الانتخابية تمر بواسطة الأحزاب السياسية التي تمتلك هي الأخرى إستراتيجية سياسية في المجال الخارجي، كما أن الإطار السياسي للفرق البرلمانية يتجسد من خلال علاقتها بالأحزاب السياسية، حيث ارتبط ظهور وتطور الفرق البرلمانية في العصر الحديث بفرض وتأكيد الأحزاب السياسية لدورها في الحياة السياسية، حيث اعتبرت الفرق البرلمانية ممثلة للأحزاب السياسية في البرلمان(4) (1) - نتائج تفريخ سؤال استمارة البحث الميداني رقم 2 الموجه للمصالح المتدخلة في مجال الدبلوماسية البرلمانية بمجلس النواب ومجلس المستشارين (أنظر نموذج الاستمارة في الملحق). (2) - عطا محمد صالح زهرة: «في النظرية الدبلوماسية»، مرجع مذكور سابقا، ص: 121 و122 (3) - حسن فتح الباب: «المنازعات الدولية ودور الأممالمتحدة في حل المشكلات المعاصرة»، القاهرة عالم الكتب، 1976، ص:309. (4) - محمد العبدي: «الفرق البرلمانية ودورها في تفعيل العمل البرلماني»، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلية الحقوق، السويسي الرباط، 2000-2001، ص:18. (5) - حور مع رئيس مجلس النواب: عبد الواحد الراضي، جريدة بيان اليوم، العدد 2875 بتاريخ 6 أكتوبر 1999. (6)- فاضل زكي محمد: «الدبلوماسية الذرية ونماذجها المعاصرة»، مجلة السياسة الدولية العدد 43، القاهرة، مركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام، يناير 1976، ص:145.