الحلقة2 لقد حسمت أجهزة مجلسي البرلمان المغربي في وجود مساهمة نيابية في السياسة الخارجية للبلاد، أولا من خلال جواب أجهزة مجلس المستشارين بنسبة %100، و ثانيا من خلال جواب أجهزة مجلس النواب بنسبة %75، أي بجواب 4 فرق نيابية ومجموعتين نيابيتين «بنعم»، بالإضافة إلى جواب باقي الأجهزة، فيما شكلت ثلاث فرق استثناء من الجواب بنسبة %25 بجوابها «بلا»، تمثل ذلك في فريق من الأغلبية الحكومية وفريقين من المعارضة النيابية بمجلس النواب بنسبة %33.33(1). وإذا كانت تركيبة البرلمان بمجلسيه، مجلس النواب ومجلس المستشارين تضم في داخلها (أغلبية ومعارضة) تطبع السياسة الخارجية وفق تقاليد الاستمرارية والمنافسة السياسية، فإن الإشكالية التي تفرض نفسها داخل البحث وترتكز حاليا في مختلف الدول هي: إلى أي حد يستطيع البرلمان التوفيق بين ممارسة رقابية فاعلة على السياسة الخارجية وبين أداء دبلوماسي نشيط خدمة لهذه السياسة؟ ومنها تتفرع الأسئلة المحورية، حول :هل البرلمان المغربي يتوفر على وظيفة دبلوماسية؟ وهل الدستور يعطي له اختصاصات في هذا المجال؟ وهل جميع الاختصاصات دستورية أم لا؟ وما درجة الاختصاص هل هو فاعل أم غير فاعل في السياسة الخارجية المغربية؟ وهل الرقابة على السياسة الخارجية المغربية فعلية أم شكلية؟ وما هو دور النظام السياسي المغربي في ذلك؟ وماهي مكانة البرلمان داخل النظام السياسي ؟ وكيف هي العلاقة بين الملك والبرلمان في المجال الدبلوماسي؟ وما هو تأثير التطور الدولي على الوظيفة الدبلوماسية للبرلمان ؟ وعموما هل يقوم البرلمان بدوره كاملا في هذا المجال؟ للإجابة عن الإشكالية الكامنة وراء اختيار موضوع البحث في السياسة الخارجية للبرلمان المغربي أية فعالية؟ - دور الفرق البرلمانية في العمل الدبلوماسي- سنسلك مسلك الاعتماد على تحليل المعطيات والأرقام المستقاة من خلال منهج البحث الميداني المعتمد على آليات وميكانزمات العلوم الاجتماعية، حيث نقف على دراسة دور مؤسسة لها وزنها من خلال الأهمية التي تتبوؤها على رأس المؤسسات في النظام السياسي المغربي. وعليه سنعتمد على دراسة الموضوع من جوانب متعددة ترتبط أساسا بالبحث عن الجواب عن فاعلية العمل الدبلوماسي البرلماني من جهة جميع المتدخلين داخل المؤسسة التشريعية، في ارتباط وثيق بالفاعلين في رسم القرار الخارجي المغربي. وهكذا سنعمل على دراسة الدبلوماسية البرلمانية للبرلمان بمجلسيه، مجلس النواب في ولايته التشريعية السابعة (2002-2007) ومجلس المستشارين في الولاية التشريعية الأولى (1997-2006) عبر مجموعة من المناهج، منها الوظيفي والمقارن السياسة الخارجية للبرلمان المغربي بين القانون والممارسة تتعدد التعريفات التي تقدم للسياسة الخارجية إذ يرى «بوتر Potur» أنها: «تشير إلى المناهج الوطنية للعمل في العلاقات الدولية وإلى الحوافز والغايات الوطنية المزمع تحقيقها بواسطة أجهزة وزارة الخارجية...» (2)، ويعرفها «كورت Kourt» بأنها: «منهاج وضع لتحقيق أفضل الأوضاع الممكنة للأمة بالأساليب السلمية التي لا تصل حد الحرب، وبعبارة أخرى إنها تعبر عن مجموع تلك المبادئ التي على هدى منها تتم إدارة علاقات الأمة بالأمم الأخرى»(3). ويقدم آل شاوي تعريفا مشابها حيث يرى أن السياسة الخارجية هي مجموع المبادئ والمناهج التي تتمسك بها الدول في علاقتها السياسية والاقتصادية مع الدول الأخرى»(4). ويرى «محمد سليم» أنها: «برنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة البدائل البرنامجية المتاحة من أجل تحقيق أهداف محددة في المحيط الدولي»(4). ونستنتج بشكل عام في هذه التعريفات أن السياسة الخارجية تعتبر آلية التحرك الخارجي للتعبير عن برنامج عمل يتضمن تحديدا للأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها وكذا المصالح التي تحرص على تأمينها وصيانتها من خلال الوسائل والإجراءات التي تراها ملائمة لذلك ومتوافقة مع ما تعتنقه من مبادئ ومعتقدات. وارتباطا بالبحث نجد تداخلا ما بين الدبلوماسية والسياسة الخارجية حيث اختلف الباحثون في تحديد طبيعة العلاقة بينهما، فبينما يرى «هاتر مورجنتاو» «H.Morgenthau» أنها شيء واحد من منطلق أن الدبلوماسية تقوم بصياغة السياسة الخارجية وتنفيذها بالاشترك مع وزارة الخارجية، يعتقد «نيكلسون» أن الدبلوماسية والسياسة الخارجية أمران مختلفان(5). وبناء عليه نتطرق للموضوع من زاويته الأساسية المتعلقة بالتشريع القانوني للسياسة الخارجية كتوجه عام، من خلاله نبرز معانيها وأبعادها من باب الممارسة، خاصة ونحن بصدد البحث في العمل الدبلوماسي للبرلمان المغربي، وهكذا نقسم القسم إلى ثلاث فصول أساسية تتداخل لوضع إطار للسياسة الخارجية بين القانون والممارسة من جهة البرلمان كمنطلق في علاقته بباقي صناع القرار الخارجي، أولا بالتطرق للإطار القانوني للسياسة الخارجية، ثم الفاعلون في بلورتها تأكيدا على أهمية الربط بين القانون والممارسة، لختم القسم الأول بفصل يتطرق للتعاون الدبلوماسي الدولي هدفا في إبراز ما سبق التطرق إليه في الفصلين الأول والثاني. الإطار القانوني للسياسة الخارجية للبرلمان المغربي يثار التساؤل بشكل جلي حول مسألة التأطير القانوني للسياسة الخارجية للمغرب عموما، ومنه إلى البرلمان موضوع البحث والدراسة نظرا لأهمية الجانب القانوني في علاقة متينة بالجانب المتعلق بالممارسة، إذ لابد لأي عمل ميداني من قاعدة يبنى عليها دون ان يتخطاها. فبالنسبة لما نحن بصدد التطرق إليه، يتضح أن الإطار الأسمى المنظم لكل ما يدخل في مجال العلاقات الخارجية، في بلورة السياسية الخارجية للمغرب هو الدستور باعتباره القانون والمرجع الأول للدولة، إلا أننا وبتطرقنا لدراسة وتحليل الفصول المرتبطة بمجال البحث لا يفرض بالضرورة الاعتماد عليه فقط، بل البحث في جانب آخر جد مهم ألا وهو الجانب التقني والعملي للبرلمان في شق قانونه كذلك، يتعلق الأمر هنا بالتطرق للنظامين الداخليين لمجلس النواب ومجلس المستشارين، كما لابد من الإشارة في زاوية أخرى إلى الأنظمة الداخلية للاتحادات والجمعيات البرلمانية الدولية العاملة في المجال الخارجي. وعليه سنلامس من خلال هذا الفصل، في مبحثين كلا من الجانب القانوني الرئيسي، والمتجلي في التطرق لدستور سنة 1996، والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان المغربي، ثم تناول موضوع الاتفاقيات المعاهدات باعتبارها جانب آخر من القانون المنظم للعلاقات الخارجية بين الدول. تأطير الدستور والأنظمة الداخلية للعمل الدبلوماسي للبرلمان المغربي يشكل الدستور المغربي لسنة 1996، الإطار الأسمى للسياسة الخارجية للبلاد، خاصة في الفصلين 19 و31 ومالهما من دلالات سياسية ترتبط بالدور الدبلوماسي لرئيس الدولة في علاقة بالدور المنوط بالبرلمان كمؤسسة تشريعية يتشكل العمل الدبلوماسي بها عبر المصالح العاملة بالمجلسين، مجلس النواب ومجلس المستشارين كعمل تقني تقوم به الإدارة واللجان والفرق النيابية، حيث يضبط ذلك كله النظامين الداخليين لكلا المجلسين في مجموعة من المواد التي تأتي مفسرة لعمل البرلمان في المجال الدبلوماسي، في توافق تام مع مواد الدستور،هكذا ينتظم العمل الدبلوماسي للبرلمان مع باقي برلمانات العالم في اتحادات وجمعيات برلمانية دولية تؤطره وتحدده أنظمة داخلية خاصة بكل اتحاد على حدة. ومنه سنقوم بتسليط الضوء على هذا الجانب في مطلبين الأول نتطرق فيه لقراءة في دستور 1996 والثاني نتطرق فيه لقراءة في الأنظمة الداخلية للبرلمان المغربي.