الفوضى العبثية الحاصلة على الأراضي العراقية والسورية، وفي جوارهما العربي، قد تستمر لبعض الوقت، لكن لا أحد يمكن أن يصدق أن جحافل المجندين في شبكات الجماعات الإرهابية قد يتلمسون يوما ما سمي ب «الدولة الإسلامية» كحقيقة مجسدة في الواقع وبالمفاهيم والإستراتيجية التي جاءت في بيان البغدادي. على أن هذا القول لا يعني الاستهانة بما يجري هناك، ولا الاستخفاف بالقدرات والإمكانيات التي أضحت هذه الجماعات تكتسبها. فظهور ما عرف ب «داعش» ليس مجرد امتداد ل «قاعدة» بن لادن والظواهري، ولكنه عبارة عن طفرة نوعية في أنشطة وخطط هذه الجماعات، مبنية على استغلال بعض «الفراغات» واستثمار أجواء وهزات ما سمي بالربيع العربي. بل إن بيان إعلان «دولة الخلافة» يعتبر ذلك بمثابة خلاصة «تطور الجهاد العالمي». وبرغم موقعه الجغرافي وخصوصياته السياسية والتاريخية، فالمغرب مفروض عليه أن يهتم بالموضوع، وأن يبحث في التدابير والخطوات التي يستوجبها الموقف على كل المستويات. ومن دون الحديث عن التحركات الجارية، على المستوى الدولي والجهوي، لتطويق تداعيات الإعلان عن «دولة الخلافة»، وماذا يعني ذلك. ومن دون الدخول في الاحتمالات والسيناريوهات المحتملة بالنسبة للأحداث الجارية في بلاد الرافدين، وبالنسبة لمصير المحرقة السورية، ومن دون الخوض في كل ما يخص الجوانب الأمنية والوقائية من المخططات الإرهابية.. نكتفي فقط بالوقوف عند مسألة ما يسمى ب «الداعشيين المغاربة» أو المجندين المغاربة في الجماعات «الجهادية» بصفة عامة. ففي سوريا وحدها، يتحدث معهد «غولف ملتري» عن وجود ثمانية آلاف ممن يحملون الجنسية المغربية، وداخل تنظيم «داعش» يحتل المغاربة المرتبة الثالثة، بعد التونسيين والسعوديين، ب 1500 مجند. ولا يستبعد أن يزداد الإقبال على الانخراط في صفوف «داعش» أو «الدولة الإسلامية»، سيما وأن الأخبار تتحدث عن تمكن هذا التنظيم من موارد مالية مهمة من عائدات البترول، وملايين الدولارات التي سطى عليها من بنوك الموصل، وهو ما يتيح له صرف تعويضات مالية للمجندين تتراوح قيمتها بين 500 و600 أورو شهريا. ومنذ مدة ومصالح الأمن المغربية تواصل الكشف عن أنشطة الخلايا التي تستقطب الشباب المغاربة إلى الجحيم السوري، حتى قبل أن تعلن «جبهة النصرة» مبايعتها ل «داعش». والخطير في الأمر أن كل التقارير الأمنية تفيد بأن هذا النزيف يشكل قنبلة موقوتة، حيث إن هؤلاء المجندين لا يخفون عزمهم على العودة إلى المغرب بغرض القيام باعتداءات إرهابية. وحتى لا تتكرر تجربة عودة «المغاربة الأفغان» وما صاحبها من انتعاش خلايا التظرف والغلو، فإن عودة الآلاف من الشباب المغاربة الموجودين اليوم في ساحات «الجهاد»، ستطرح غدا إشكالات متعددة الأبعاد، وأسئلة من المفروض أن يشرع ، من الآن، في البحث عن أجوبتها. وبالإضافة إلى المجندين هناك ما هو جديد الآن، ويتمثل في حالة من يعلنون جهارا عن مبايعتهم لما سمي ب «الدولة الإسلامية». فبين ظهرانينا يوجد من لا يخجل من الإعلان عن «مبايعة» أمراء الإرهاب والطائفية المقيتة، كما هو شأن أرملة أحد أتباع تنظيم القاعدة التي نقلت عنها مواقع إليكترونية قولها: «أجدد بيعتي لدولتي – داعش – حبيبتي»، والتي أطلقت حملة لجمع التوقيعات تحت شعار: مليار مسلم لنصرة «الدولة الإسلامية». وحالة من يعلن البيعة لجهة أخرى، أجنبية ولا شرعية ولا مشروعية لها، تعني بكل وضوح أن صاحبها يتخلى تلقائيا عن انتمائه وهويته الوطنية. وبالتالي يكون في حل من كل الواجبات -- كما الحقوق – التي تترتب عن المواطنة والولاء للوطن. هذه الحالات قد تبدو محدودة أو جزئية، بالنظر إلى مشروع «داعش» في جملته، لكنها حتما تفرض نفسها، وتتطلب توضيح المتعين على مستوى القانون، والقرار السياسي، والمعالجة الممكنة خارج المقاربة الأمنية.