من جديد تعود المواجهات المسلحة ولغة الدماء في ليبيا إلى واجهة الأحداث، ويبرز اسم اللواء خليفة حفتر، القائد السابق للقوات البرية في الجيش الليبي، في مختلف العناوين والتغطيات، وذلك عقب ما أسماه «عملية الكرامة» التي تشنها قوات عسكرية موالية له منذ يوم الجمعة الماضي، والتي قال بأنها تهدف إلى «تطهير ليبيا من المتطرفين وجماعة الإخوان المسلمين». في الواقع عمليات القتل في ليبيا لم تتوقف أصلا، ورعب الميليشيات بقي دائما منتشرا، وأيضا مختلف أنواع الأسلحة التي عبرت حتى الحدود الليبية إلى باقي دول المنطقة، وظلت البلاد برمتها جامدة في المكان المرعب منذ غمرتها رياح التحول، والدولة، إن وجدت أصلا من قبل، هي أيضا تهاوت، وغابت المؤسسات، وفقط الفوضى كانت الحاضر الكبير في مختلف زوايا المكان. فقط في منطق الفوضى و... السيبة، حيث يمكن القول بأن المؤتمر الوطني العام (أي البرلمان) تجاوز مدة ولايته، وبالتالي جاز الانقلاب عليه من لدن... العسكر. في ليبيا لم يعد ضروريا إيجاد أي تمييز بين قوات مسلحة نظامية وأخرى لا تمتثل لأحد، لكنها أيضا تتوفر على الأسلحة، والطرفان معا يمارسان القتل في حق المختلفين معهم، ويفرضان نظامهما كما يشاءان، ويرهنان منطقة أو مناطق، حتى صارت البلاد موزعة بينهما على شكل شبكات إجرامية لا علاقة لها بالحد الأدنى من شروط بناء الدولة الحديثة. ما يحدث في ليبيا يقودها مرة أخرى نحو المجهول... صحيح، أن باقي بلدان ما يعرف بالربيع الديمقراطي تعاني هي أيضا من أوضاع لا تختلف، بهذه الدرجة أو تلك، عن الحالة الليبية، وذلك يستدعي تأملا وتحليلا لكامل التداعيات المترتبة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لكن بالنسبة لليبيا، فهي لا تعاني من المشكلات الاقتصادية، على غرار تونس أو اليمن أو أيضا مصر، حتى نربط بها ما يجري، وإنما هي تمتلك موارد طاقية مهمة، ما يجعل السبب كامنا في مكان آخر، إن على المستوى الليبي الداخلي أو حتى على المستوى الاستراتيجي الإقليمي والدولي. في ليبيا تنعدم الدولة، ولا توجد تجربة سياسية تعددية أو حياة مؤسساتية، ولم يسبق للبلاد طيلة النصف قرن الأخير أن جربت تدبيرا عصريا ومنظما لاقتصادها أو لمختلف جوانب عمل الدولة والمجتمع، واليوم تطفو على السطح تداعيات ونتائج زمن الاستبداد والعشوائية والبدائية الذي رافق عهد القذافي، بالإضافة إلى حسابات القوى الإقليمية والدولية وسباقها حول ثروات ليبيا، وكل ذلك لا يساهم إلا في إنتاج ما نتابعه اليوم من خلال وسائل الإعلام. إن خطورة ما يجري في ليبيا اليوم واستمرار زمن الفوضى والتسيب واللادولة، تكمن في أن ذلك يؤثر كذلك في محيط ليبيا على صعيد منطقة الساحل الإفريقي وبلدان الصحراء، وعلى المستوى المغاربي، ما يجعل البحث عن حل أمرا مستعجلا، ومسؤولية دولية. أما الأساليب المافيوزية المعمول بها اليوم داخل البلاد، وحدة التقاطب، والخلفيات القبلية والمناطقية والمذهبية، والاستقواء بامتلاك السلاح والميليشيات أو بالارتباط بقوى إقليمية أو دولية، فكل هذا لن يقود إلا إلى المزيد من تدهور الأوضاع، وتفاقم المأساة التي يئن تحت وطأتها الشعب الليبي أولا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته